أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

سقوط النظام السياسي العراقي وضرورة الإنقاذ الوطني

- د. مهند العزاوي

العراق دولة اللاقانون والمسالخ البشرية

هشاشة النظام السياسي وسراب الدولة العصرية

إرهاب الفرد والمجتمع وغياب الأمن الوطني

فقدان الكيان العراقي الموحد والمستقل

يقف العالم اليوم على مفترق طرق بين الفوضى الكونية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها, وتعاظم نزعتها العسكرية التي باتت تعسكر كافة الحلول السياسية والدبلوماسية في العالم, وبين فلسفة العالم المتحضر, وحضور النظام الرسمي الدولي ببزته القانونية ,والتي يفترض انها تحقق الأمن والسلم الدولي , وفق معايير قانونية تستند على المنظومة القيمية الدولية والتي خطتها تجارب الشعوب, ورسختها دماء المجتمعات وتجاربها الأليمة من جراء الحروب والنزاعات , والتي طالما تعرضت لظلم وبطش القوى الكبرى, وشهد عالمنا المعاصر تعاظم الامبريالية الحديثة وفق مفهوم العولمة وعسكرتها , وأضحت تلغي دور النظام السياسي الوطني والشعب الحي والوطن الموحد والأمة وثوابتها, وشهدنا اكبر جريمة عرفها التاريخ المعاصر, وهو حصار وغزو العراق وتدمير دولته وتهجير وقتل شعبه , والتحكم بالمقدرات البشرية والاقتصادية والسياسية العراقية, عبر الأدوات السياسية التي ساهمت بغزو العراق, وعززت وجوده العسكري حتى اليوم, كما وعززت فلسفة الاستعمار الناعم ,واستعباد الشعب العراقي , ومصادرة حقوقه الأساسية , ولعل أبرزها حق الاستقلال وتقرير المصير .

 لابد من الولوج الى عمق الأزمة العراقية(أزمة احتلال العراق) وتداعياتها على الشعب العراقي, واستعراض عدد من المحاور الأساسية ذات الطابع السياسي, والتي يفترض انها ركائز أساسية واستحقاق شعبي وجماهيري لا يمكن التفريط به , وبنفس الوقت يحدد الهوية السياسية للشعب العراقي, ويحافظ على ديمومتها وتماسك مجتمعه , وبالتأكيد انها غائبة مع غياب الكيان العراقي الحالي, والذي مزق وشوه عناصره الاحتلال المركب للعراق, نظرا لما أرساه من بنى تحتية قانونية ومؤسساتية هشة وهجينة وتابعة لمشروعه الجشع في العراق , ناهيك عن فقدان الآمن الوطني , والأمن  المجتمعي والشخصي عن لوحة الأمن الوطني الشامل,مع هشاشة تشكيل القوات الحالية ووحشيتها , وأتباعها العقيدة الأمريكية التدريبية والعملياتية ,وانتهاجها الفلسفة المليشياوية الطائفية, مما انعكس سلبا على استقرار وسلامة الفرد والمجتمع العراقي,وقد خلف فجوة كبيرة بين الشعب والقوات المسلحة , خصوصا بعد انتهاك حقوق الإنسان والمواطنة العراقية التي يقرها القانون الدولي والدستور الحالي, وفضائح نزع الاعترافات من المعتقلين بالقوة من خلال استخدام كافة وسائل التعذيب الشاذة والاغتصاب في السجون أمام مرأى ومسمع دول العالم المتحضرة , ناهيك عن القتل دون محاكمة والرقص فوق جثث العراقيين العزل في الشوارع وكما أظهرتها وسائل الإعلام مؤخرا, وتلك الممارسات الإرهابية الهجينة طارئة على ثقافة الشعب العراقي ولا تتسق مع القيم والمفاهيم الوطنية والأخلاقية, وبالتأكيد انها انعكاس لهشاشة البني التحتية الماسكة بالقرار السياسي وسلوكها الطائفي الإجرامي ,والتي أرسى دعائمها الاحتلال الامريكي والنفوذ الإقليمي, مما افقد الشعب العراقي حقه في الحياة الحرة الكريمة ,وغياب دولة عصرية موحدة مستقلة تستند على المنظومة القيمية ,وتفاعل طبقة سياسية وطنية رصينة تليق بمكانته وتاريخه المشرف وصمود شعبه طيلة العقود الماضية.

العراق دولة اللاقانون والمسالخ البشرية

 تعد الدول العصرية أهم عناصر القوة هي رأس المال البشري, وتسعى الدولة والطبقة السياسية للحفاظ على ديمومة وسلامة هذا القدرة ومكوناتها من بطش القوى الخارجية, والحكومات والأحزاب المتطرفة, والمنظمات الإرهابية,والجريمة المنظمة,  وتعد مؤسسات الدولة العصرية منظومة قوانين آمرة لحماية الشعب , ومنحه قدر كبير من الحقوق والحريات , والسعي الى تنميته وتطوير إمكانياته , وصولا الى الرخاء والسلم المجتمعي , والتقدم في ميدان التنافس الدولي, من خلال الحفاظ على طاقاته العلمية ونخبه الفكرية والاجتماعية , وتنمية الطبقة الوسطى بمختلف تخصصاتها , لتكون قادرة  على قيادة الدفة السياسية والعسكرية والاقتصادية في مواجهة التحديات والتهديدات الخارجية والداخلية وكذلك صناعة القرار وتخطي الأزمات.

استخدم السياسيون الجدد عبارات الخطاب المزدوج, لتغليف السم بالسكر وتطبيع المجازر الدموية وجرائم الإبادة البشرية ضد الشعب العراقي, وتحت شعار "فرض أو تطبيق القانون"ولعل عبارة "دولة القانون أو الوحدة الوطنية" تعد مثيرة للسخرية والاستهجان, خصوصا إذا علمنا أن من يتبنى تلك العبارة أحزاب راديكالية طائفية مليشياوية موغلة بدماء العراقيين, ولطالما مارست الجريمة السياسية والإرهاب المنظم ضدهم , وبأبشع الصور منذ استلامها مقاليد الحكم الذي أرسى دعائمه الحاكم المدني "بريمر" وحدد زواياه المظلمة القانونية والمؤسساتية, وقد شهد الشعب العراقي مجازر التطهير الطائفي منذ حكومة 2005 وحتى اليوم, وكانت تلك العمليات تنفذها المليشيات الطائفي وفرق الموت والمجاميع الخاصة المختلفة المرتبطة بأجندات إقليمية, وصورت ذاكرة الشعب العراقي أبشع المناظر للتطهير والتعذيب والذبح والشواء البشري في مؤسسات الحكومة ووزارتها ,وكذلك السجون السرية للمليشيات والأحزاب الطائفية دون مسائلة قانونية دولية تذكر ولم تختلف الحكومة الحالية في سلوكها بل عززت القمع المجتمعي والإقصاء الطائفي تحت يافطة دولة القانون؟, ولعل ابرز مسميات هذه الحكومات الدموية هي حكومة الدريل وابرز فضائحها مسلخ الجادرية الشهير التابع لوزارة الداخلية في حينها , والذي كشف أمره لوسائل الإعلام قوات الاحتلال الامريكي التي باركت لجزاريه وهي تعلم المجازر الطائفية التي حدثت فيه, وكذلك دولة  اللاقانون والمسالخ البشرية ,ولم تجري أي محاكمة لرؤساء تلك الحكومات ورموزها المليشياوية , بل وكافأتهم أمريكا من خلال السماح لرموزها بتسلق مناصب وزارية حساسة وسيادية ومنهم أعضاء في البرلمان العراقي القادم ومرشح لرئاسة الوزراء؟, وأين القضاء والمحاكم الجنائية لهؤلاء, ولابد من إطلاق تسمية على دولة العراق المغتصب اليوم  "دولة اللاقانون المسالخ البشرية" .

هشاشة النظام السياسي وسراب الدولة العصرية

تطالب الشعوب والمجتمعات في العالم بحقوقها السياسية والمدنية , وأبرزها إرساء مؤسسات مهنية وحرفية وطنية مستقلة, تحقق مفهوم الدولة العصرية , وينعكس ذلك على طبيعة أداء النظام السياسي , والذي يفترض أنه يحدد ببرنامج سياسي وطني, لتحقيق الاستقرار والرفاهية  والتنمية للشعب العراقي , مع ضرورة وجود منظومة تقييم ومسائلة عن تطبيق البرنامج, و قد انتشرت مؤخرا لأغراض الدعاية الانتخابية الشعارات والبرامج الوطنية المختلفة ومن المضحك انها تصدر من أحزاب راديكالية طائفية متشددة وسلوكها في السلطة خلف ضحايا بشرية بأرقام فلكية خلال سلطتها , ولعل ما يميز تلك الشعارات استخدام عبارات الخطاب المزدوج, التي تغازل جراح المواطن ,ورغبته بالتغيير , والهروب من الجحيم الدموي الذي يقبع فيه المجتمع العراقي حتى اليوم, والذي مورست ضده كافة أساليب القمع والإرهاب السياسي منذ الغزو الامريكي عام 2003 وحتى اليوم, ومن حق الشعب العراقي أن يطالب بالإنقاذ الوطني ودولة عصرية متماسكة ونظام سياسي وطني يتناسب أدائه مع تضحيات الشعب العراقي, ومكانة العراق العربية والإقليمية والدولية ,وهو حق شرعي للشعب لا يمكن التفريط فيه مهما تعددت التحديات والتهديدات وتكالبت المخططات الاستعمارية.

لابد من السؤال عن الدولة العصرية , وما هو مفهومها ؟, ويتناول مفهومها الجوانب الصناعية والاقتصادية والسياسية والمرافق العامة وأداء الأجهزة الحكومية ..الخ, وقد عرفها المختصون والخبراء بالعلم السياسي:- ((أن الدولة العصرية هي التي تحقق استمرارية للأهداف أو الركائز الست لبناء المجتمع وهي التنمية المستدامة – الدموغرافية المستدامة – الديمقراطية المستدامة – الأمن المستدام – الاستقرار المستدام – الحراك الاجتماعي المستدام)) وهنا نجد أن معنى "المستدام" هو الاستمرارية والتطوير والتقييم , وتتمثل في بناء شبكة من العمليات والمفاهيم والهياكل والقيم الذاتية التي تحقق الركائز الست السابقة الذكر, وعند المقارنة البسيطة لسلوك الدولة الحالية ,والتي أرسى دعائمها الاحتلال , ونتائج سياساتها ,سنجد أن البون شاسع ولا توجد مقارنة تذكر, لان جميع الركائز الست مفقودة , بل وتهشمت على صخرة الطائفية السياسية , نظرا للسلوك السياسي والعسكري والاجتماعي للطبقة السياسية ومؤسساتها التنفيذية.

لابد من التقييم ((التجربة الدم قراطية في العراق)) وفق الإصرار الامريكي , وسلوكيات أدواتها السياسية ,وإطار حركة النظام السياسي سواء السياسة الخارجية أو الداخلية , ومدى الترابط بينهما , وسنشير الى الخطوط العريضة دون الدخول بالتفاصيل, ولو أن التفاصيل جوهرية تضبط إيقاع المنهج الوطني , ويجري تقيم السياسة الخارجية لأي دولة في أطار أربعة أهداف محورية ,والسياسة الداخلية بثلاث أهداف محورية ,ونترك مقارنتها للقارئ بما حققته الدولة في السنوات الماضية وحجم الملفات الكارثية التي خلفتها التجربة الديمقراطية على العراق وهي:-

السياسة الخارجية

  1. تحقيق الأمن الوطني الشامل: وهي علاقة الدولة بالقوى الرئيسية في السياسة الدولية وأي منها تمثل تهديدا لأمنها الوطني وسلوكها تجاه الدولة والشعب, وفق معايير السيادة وعدم خرق الحدود السياسية للوطن , واستخدام القوة ضدها.
  2. تحقيق الاستقرار الوطني: علاقة الدولة بدول الجوار الإقليمي المبنية على التكافؤ والمصلحة الوطنية العليا للوطن, ومقدرة الدولة على تحجيم النفوذ الإقليمي وأطماعه الساعية لإذكاء العنف والنزاعات الطائفية والأعمال الإرهابية ,أو التحكم بالمشهد السياسي عبر أدوات سياسية وأخرى مليشياوية .
  3. تحقيق التنمية الوطنية – البني التحتية الخدمية - الخبرات – التكنولوجيا – التجارة- الادخار- التعليم –الرعاية الصحية –الاستثمار الايجابي..الخ
  4. تحقيق الطموحات والمكانة الدولية : ويرتبط بمصالح الدولة العليا وقوتها وحماية حدودها السياسية وثوراتها الإستراتيجية والمكانة التاريخية, والحفاظ على رعاياها ومكانتهم المعنوية في الخارج.

السياسة الداخلية

  1. الشرعية: وتكون من خلال التعرف على مقدرة النظام السياسي أو الحزب الحاكم على تعبئة المساندة الجماهيرية من خلال الأداء الايجابي والقبول الطوعي .
  2. الأداء: وهي مقدرة النظام أو الحزب الحاكم على توفير الحاجات الأساسية للمجتمع وفي مقدمتها" الخدمات العامة مثل التعليم – الصحة -  النظام – الأمن" والذي يطلق عليها أحيانا السلع السياسية وكذلك القدرة على إدارة الأزمات وحل النزاعات.
  3. إدارة الأزمات وحل النزاعات وتعزيز التماسك المجتمعي :  وهي مقدرة النظام أو الحزب الحاكم على إدارة الأزمات والتوترات وحل النزاعات الداخلية وفق والتحكم بنتائجها التي يفترض انها ايجابية والحفاظ على التنوع السكاني وتعزيز التماسك المجتمعي  وتنميته , وتخضع للمعاير القانونية والمهنية والأخلاقية وسياسة الاحتواء والإصلاح السياسي والمجتمعي.

تعد تلك المهام في السياسة الداخلية متداخلة مع بعضها البعض بحيث كل منها يكمل الآخر, لان تحقيق الخدمات الأساسية تؤمن التعبئة الشعبية وتحقق المشروعية التي يمنحها الشعب أيمانا بكفاءة النظام ومهنيته, وبنفس الوقت تأمينها يحقق الاستقرار وتخطي الأزمات والتوترات والنزاعات , وخلافا لذلك لا مشروعية لنظام يتجاهل حاجيات شعبه الأساسية ويمارس القمع المجتمعي, ومؤسساته تمتهن كرامة المواطن, وثقافة القتل الطائفي والتهجير سمة للسياسيين.

إرهاب الفرد والمجتمع وغياب الأمن الوطني

يتعاقد الشعب مع النظام السياسي لتحقيق أمنه الشامل وديمومة الدولة ووحدة أراضيها وسلامة شعبها , وكذلك الأمن المجتمعي والشخصي,  والخاص بالأسرة والمجتمع وتنميتهما ,لان الأمن هو العمود الفقري في سياسة أي دولة بل هو مبرر وجود الدولة ككيان سياسي, وان المهمة الأولى للدولة تحقيق الأمن والخروج من حالة الفوضى وشريعة الغاب , ويعد الأمن محور العقد الاجتماعي في الفكر السياسي التقليدي وجوهره(( غياب الخوف واختفاء التهديد وسيادة الاطمئنان النفسي)) أي انه يتسم بسمات ثلاثة مادية وهي:-

  1. غياب الخوف من المجهول
  2. احتفاء التهديد من الآخر
  3. سيادة الاطمئنان وهو محصلة المادتين أعلاه.

ويعتمد تحقيق ذلك على ثلاث مستويات للأمن وهي:-

  1. الأمن الدولي وهو مفهوم تقره المنظمات الدولية وارتبط بثلاث عناصر – وجود جهاز دولي لردع العدوان(مجلس الأمن)- وجود تنظيم لتجريم العدوان( القانون الدولي) – وجود إجراءات لدحر العدوان( مجلس الأمن في الفصل السابع)
  2. الأمن الإقليمي –جامعة الدول العربية( الدفاع العربي المشترك)
  3. الأمن الوطني وهو مسئولية الدولة في المقام الأول ويعتمد على القدرة الذاتية للدولة وعلى قرارها السياسي وتكاملها العسكري وتماسكها المجتمعي والنضج الفكري.

تشير القواعد الفقهية الأمنية  الى أن جذر المشهد الأمني هو المشهد السياسي, وقد بني المشهد السياسي في ظل الاحتلال على أساس التقطيب الطائفي والعرقي وسياسية الانتقام والحقد الطائفي ولا يزال, وبذلك يلغي مفهوم الشعب والوطن والأمة ,ويفضي الى مشروع التقسيم الطائفي المذهبي, وقد تمكنت دوائر الاحتلال من إحلال ثقافة المليشيات والمرتزقة والمخبر السري ,وتلغي بذلك الهيكل السياسي لدولة العراق المتخم بإرث حضاري,وقد افتقر المشهد الأمني العراقي لأبسط مقومات الأمن وهو "غياب الخوف" و"سيادة الاطمئنان" و"تحقيق الاستقرار" , وبما أن الاضطراب السياسي وغياب الحلول السياسية العقلانية الناجعة قد شكل اضطراب مزمن للملف الأمني , مما جعل الشعب العراقي يعيش كارثة بين مهجر ومعتقل ومعذب ومغتصب ومقتول وجائع ومضطهد وعاطل عن العمل, ومن الحقوق التي لا يفرط بها الشعب العراقي هو تحقيق الأمن الشامل ابتداء من الأمن الوطني والأمن المجتمعي والشخصي, وتلك مبررات وجود الدولة والنظام السياسي ورموزه, وفي حالة فقدانها فإنها لا تمتلك الشرعية والمشروعية في الحكم وان انتخبت, ويستوجب محاكمتها وإقالتها.

فقدان الكيان العراق الموحد والمستقل

تعد من ابرز الحقوق الشعبية والمجتمعية التي يطالب بها الشعب العراقي هو وجود كيان الدولة العراقية الموحدة, والمستقلة بقرارها السياسية , والمتكاملة بعناصرها الأساسية , والمدعمة بمرتكزات فكرية ومهنية وحرفية رصينة, تحقق التنمية والرخاء والاستقرار, وتؤمن التقاطع الدولي الرصين الذي يعتمد مبدأ التكافؤ في كافة الميادين ويحتكم الى المصلحة العليا للعراق وإرادة شعبه, ويفتقر العراق في ظل الاحتلال لأبسط المقومات القانونية والشرعية والمشروعية لكيان أو دولة العراق, أذا ما قورنت بأي كيان في العالم , وفق المرتكزات الأساسية الثابتة والمتغيرة وتلك المرتكزات معترف بها دوليا ,وتعد قاعدة فقهية سياسية لتحقق الحماية والرفاهية للمجتمع وفق نظرية العقد الاجتماعي على الأقل وابرز عناصرها الثابتة والمتغيرة هي:-

  1. المجتمع/ الشعب- مرتكز ثابت وفق القاعدة الفقهية– جعلت منه الولايات المتحدة متغير وقد مارست سياسة التجريف المجتمعي, وتفكيك البني التحتية ,وأرست منظومة القتل والتهجير واغتيال العلماء والنخب– وممارسة سياسية التقطيع الناعم والقاسي ضد الشعب العراقي  لجعله متغير وتطوعه لمشروعها وتحقيق أمنها السياسي في العراق.
  2. الوطن بحدوده السياسية- مرتكز ثابت وفق القاعدة الفقهية السياسية -  وقد جعلت منه الولايات المتحدة الأمريكية, متغير من خلال خلق بيئة التقسيم وتجزئته إلى إقطاعيات طائفية وعرقية سياسية وأقاليم وفدراليات مذهبية, وإلغاء مفهوم المواطنة والوطن, خصوصا بعد خصخصة الثروات لرؤساء الأحزاب في الدستور المختلف عليه شعبيا وسياسيا, وكذلك استمرار حرب التغيير الدموغرافي لمناطق ومدن العراق .
  3. الدولة العصرية/ دولة المؤسسات- مرتكز ثابت وفق القاعدة الفقهية السياسية– جعلت منه الولايات المتحدة الأمريكية متغير , حيث دمرت مؤسسات الدولة العراقية بالكامل عبر اكبر عملية تجريف جيوبولتكي عرفها التاريخ, وقد فككت المؤسسات والقوات المسلحة ,وجرى نهبها وحرقها وتقدر كلفتها بسبع تريليون دولار؟,وكذلك تجريف منظومة القيم الوطنية والفاء المفاهيم القانونية التي تؤمن سلامة الوطن, ثم إعادة تشكيل المؤسسات على أسس أمريكية تتواءم مع منهجيتها الإستراتيجية في العراق, وفق مفهوم الدولة البرايمرية( المكارثية اليابان) وتخضع جميع منظوماتها لخصخصة المؤسسات والشركات الخاصة , ولم تتمكن طبقة النكبة السياسية من تشكيل دولة لحد الآن بل دويلات مذاهب وأحزاب ومليشيات وطوائف.
  4. النظام السياسي- متغير- يعتبر النظام السياسي متغير ولكنه يواكب حركة المجتمع ومتطلباته وتحقيق حمايته ورغباته ويحقق شرعيته من أرادة الشعب, بل يعتبر الشعب والمجتمع مبرر وجود هذا النظام ومشروعيته, من خلال استقلاله وسيادته إلى القرار السياسي, وطالما صرح السياسيون الجدد اللذين ساهموا في غزو العراق عن التعددية  والديمقراطية والحرية كإطار للنظام السياسي الجديد الذي وضع ركائزه الاحتلال, وعلى منحى طائفي عرقي منذ تشكيلة مجلس الحكم وحتى يومنا هذا, ويشهد العراق الاحتراب والصراع السياسي كخليط غير متجانس بين أحزاب راديكالية مذهبية ,ومليشيات طائفية مسلحة ممثلة سياسيا, وأحزاب علمانية مشتتة العقائد والأفكار وتفتقر إلى برنامج ومشروع سياسي ,ويعتمد في تشكيلاتها على تقطيب الشخص ورمزيته , ولعل النظام السياسي الحالي بعد مسرحية الانتخابات عاد إلى المحاصصة وتقسيم المغانم  السياسية( قسمة الغرماء).
  5. السلطة- متغير- لم تتمكن الحكومات المتعاقبة بعد غزو العراق من تحقيق شروط السلطة, لان السلطة لا تعني قمع الشعب والمجتمع, وإرهابه سياسيا وزرع الهلع والخوف, على العكس السلطة هو تخويل وفق نظرية العقد الاجتماعي يخول المواطن السلطة جزء من حريته بمقابل تحقيق  الاستقرار والأمن والتنمية والرفاهية والعيش الرغيد, والذي جرى في العراق سعت السلطة إلى تطبيق مفاهيم الأمن السياسي لقوات الاحتلال  وامن أشخاص أحزابها, وعلى حساب امن المواطن العراقي واحتياجاته ,واتسق سلوكها  بالمفاهيم السياسية والعسكرية الأمريكية الهجينة, بل واتجهت مفاصل أخرى لتعزيز النفوذ الإقليمي أيضا على حساب المواطن العراقي, وبات العراق مسرحا مزدوجا لبطش السلطات المختلفة – قوات الاحتلال – المرتزقة-القوات الحكومة المؤدلجة طائفيا, المفاصل المخابراتية الإقليمية المختلفة – زعانف سياسية لعصابات الجريمة المنظمة – المليشيات الطائفية المتغلغلة بمؤسسات الدولة- الحمايات الشخصية.

تشير الحقائق التاريخية بان الشعوب هي من تصنع المجد والتاريخ ,وبنفس الوقت تتلقى الصدمات والكوارث البشرية, نتيجة لاختلال موازين القوى الدولية , واتساع رقعة الأطماع الامبريالية للدول الكبرى, والعمل بازدواجية المعايير الدولية , والتلاعب بالقانون الدولي ومؤسساته وفق أهواء وأطماع تلك الدول, وبالتأكيد هذا لا يعفي الدولة ومؤسساتها ونظامها السياسي من المسئولية والتحسب لتلك التهديدات, وتحقيق التوازن السياسي والعسكري لردع الأخطار,ونظرا للمأزق العراقي الحالي وفقدان البوصلة الوطنية وتعاظم الملفات الإنسانية الكارثية وسيادة القمع والإرهاب السياسية الذي يمارس ضد الشعب العراقي ,وكذلك الفساد المالي والإداري والسياسي , والإيغال في التهجير والقتل والاعتقال والاغتصاب تحت يافطة المصالحة  الوطنية؟ وقد أشار "معهد الحرب والسلام الامريكي" الى  فشل الحكومات في تحقيق "المصالحة ومحاربة الفساد وتحقيق الأمن والاستقرار" ومن فمك أدينك فهي صناعتكم بامتياز!, فلابد إذن من البحث عن حكومة الإنقاذ الوطني التي تعيد للعراق وشعبه مكانتهم وكرامتهم المستلبة , وابرز حقوق الشعوب الحية والمجتمعات العصرية , هي دولة المؤسسات التي تؤمن الخدمات الأساسية لكافة الشعب دون تمييز أو إقصاء, وبناء قوات مسلحة مهنية حرفية مستقلة تطبق القانون وتدافع عن الحدود السياسية للوطن وتحفظ كرامة شعبه وحقوقه الدستورية, وتامين العيش الرغيد للمواطن والحاجات الأساسية, وكذلك الحفاظ على المال العام الذي يعد ضامنا لحقوق الشعب ومحاسبة الفاسدين والمتلاعبين به, وتحقيق التنمية البشرية والعلمية والاقتصادية والمؤسساتية, مع ضرورة وضع منظومة قوانين متجانسة مع أرادة الشعب , كالدستور والقوانين الأخرى الملحقة التي تضبط إيقاع تطبيق الدستور دون تلاعب أو تجاوز, وإنشاء مؤسسات قانونية نزيهة مستقلة تراقب وتحاسب أداء الدولة ومؤسساتها والمواطن وتجاوزاته والقانون وتطبيقاته, مع ضرورة تعزيز مؤسسات السلطة الرابعة الإعلام وضمان حرية الرأي, إضافة الى السلطة الخامسة منظمات المجتمع المدني, وتعد تلك مؤسسات امتصاص الصدمة من بطش الحكومات في حال خروجها عن البرنامج السياسي والأطر القانونية,وتحقيق التوازن المعيشي المجتمعي ,وإطلاق السبل المالية لذلك, وتعد الثروات ملك للشعب وعلى الدولة تؤمن الرخاء المجتمعي من خلالها ,مع ضرورة إنهاء الاحتلال وجلاء قواته بشكل حقيقي وليس التضليل بعبارة الانسحاب بغية التخدير السياسي ,وتحقيق المكانة السياسية والمعنوية للدولة ورعاياها, ولابد من مقارنة سراب الدولة والكيان العراقي الحالي مع ابسط مقومات وحقوق الشعب بالدولة العصرية والنظام السياسي الوطني , وسنجد  أن الفوضى السياسية ,والتجريف المجتمعي, وتدمير مؤسسات الدولة, ونهب ثرواته من قبل الوزراء والسياسيين والأحزاب سمة أساسية, والسعي للتقسيم منهجا ,وجعل الدولة والكيان العراقي في خبر كان , وبات الشعب العراقي يبحث عن منجد هنا وهناك وأضحى مهجر في كافة أنحاء العالم كسمة ديمقراطية مقبولة أمريكيا ودوليا؟, ولكن لا يمكن للشعب العراقي التفريط بحقوقه الأساسية مهما قست الظروف ومهما تكالب الأعداء لنهش العراق خصوصا بعد فضح كافة المخططات والتي تريد بالعراق وشعبه السوء والدمار والقتل , وسقوط النظام السياسي الحالي وانتهاجه فلسفة شريعة الغاب إذ لابد من الإنقاذ الوطني العاجل.

Total time: 0.058