أخبار الساعة » السياسية » اخبار اليمن

الدوافع الحقيقية وراء محاولة الحوثيين تعطيل المرحلة الثانية للحوار

- عبد الكريم الحزمي

مع انتقال الحوار الوطنى اليمنى لمرحلته الثانية الخاصة بنزول الفرق واللجان إلى الشارع لاستقصاء الحقائق على أرض الواقع، فى خطوة وصفت بأنها تشير لنجاح المؤتمر فى قطع نصف الطريق نحو اليمن الجديد، تعمل جماعة "الحوثي" بالتنسيق مع الرئيس السابق لإفشال الحوار، وترك اليمن فريسة للفوضى، وذلك من أجل تنفيذ مخطط ومشروع صغير يحاول الدفع بالبلاد نحو التشظي.

فقد صار من الواضح وجود تحالف وتنسيق حوثي مع صالح، يتجه إلى صنع عراقيل أمام المرحلة الثانية من الحوار الوطني، وهو ما كشفت عنه الأحداث الأخيرة، فمثلاً: حين تطاول بعض قادة المؤتمر على شباب الثورة المعتقلين وعلى الرئيس هادي بهدف إرباك الحوار، قام الحوثيون بالإنسحاب من جلسات الحوار، بعد أن علق المؤتمر مشاركته ليوم واحد ، ليعود الحوثيون بعدها في الجلسة التي تلت ذلك لإثارة الفوضى من خلال تصرفات مقصودة ومخالفة لأبسط قواعد الأخلاق السياسية وليس لوائح الحوار فقط.

 ثم اتضحت الصورة التي تكشف ذلك التحالف عندما توافقت إعتراضات المؤتمر والحوثيين على إطلاق المعتقلين، وهي القضية التي سعى صالح من خلالها إلى إرباك الرئيس هادي شخصيًا عبر إتهامه الصريح بالضلوع في حادثة النهدين، ولكي يكتمل المشهد، وفقاً لتحليل الكاتب عبد الملك المثيل، هرع الحوثيون نحو مبنى الأمن القومي لإشعال مواجهة على الأرض، تعكر الواقع السياسي وتلقي بظلالها على الحوار، لعل ذلك يكون بمثابة إعلان فشل للقيادة السياسية ليس في توفير متطلبات الشارع اليمني، وإنما أيضًا في إخراج الحوار الوطني كما يجب على المستويين الداخلي والخارجي.

وقد بات واضحاً أن محاولات عرقلة الحوار في مرحلته الثانية تتواصل وبشكل حثيث من قبل الطرف الذي فقد السلطة أولاً، ومن يلتقي معه من ‏الأطراف التي لا مصلحة لها في وجود دولة قادرة على فرض سلطتها على كل اليمن أولاً ‏وإنجاز أهداف التغيير التي رفعتها الثورة السلمية؛ من هنا، وكما يقول الكاتب مصطفى راجح، كان التركيز على القوات الجوية يحمل في طياته احتمالات عدة أهمها استعداد قوى ‏مصنفة بالعرقلة لحرب قادمة وترى أن تحييد سلاح الجو سيمكنها من القدرة على إدارة معارك ‏لمدى زمني طويل في ظل امتلاكها للمخزونات التسليحية من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ‏والثقيلة ، بعضها من قبل الثورة مثل جماعة الحوثي وبعضها نهبته من مخازن الدولة « علي ‏صالح وأتباعه » بالإضافة الى ما يشي به مؤشر شحنات الأسلحة المهربة لليمن بشكل منتظم ‏ومتواتر حيث يتم استغلال حالة الانتقال وضعف الدولة عبر تهريب شحنات الأسلحة من ‏الخارج والتزود به من سوق محلية مزدهرة. ‏

ولعل التناغم الذي يبديه الطرفان "صالح والحوثي" في الخطاب ضد الحوار والرئيس هادي والأطراف السياسية، ينسحب على الأفعال كذلك، وتجلى ذلك في غير ما حادثة، ومنها أن ممثلي الحوثي في الحوار انضموا لممثلي المؤتمر في الاعتراض على الإفراج عن شباب الثورة المعتقلين على ذمة قضية تفجير دار الرئاسة, وهو ما أدى إلى إثارة الفوضى وتعطيل الجلسة، وتطاولوا على الدكتور ياسين سعيد نعمان بشكل مخجل، إذ في خضم محاولات تعطيل إحدى جلسات الحوار شعر الدكتور ياسين أن هناك محاولات مدروسة لإرباك الجلسة, واتضح ذلك من خلال تسجيل نقاط اعتراض من قبل ممثل جماعة الحوثي المسلحة, أحمد شرف الدين, مع أن اللائحة الداخلية لا تسمح له بذلك إلا بموافقة رئيس الجلسة، وقد منعهم الدكتور ياسين من ذلك فلحقوا بممثلي صالح في الحوار الذين كانوا قد انسحبوا للتو.

* استحلال دماء اليمنيين

غير أن اللافت في التطورات الأخيرة هو تمادي الحوثيين في محاولات العرقلة حد إعلان "الجهاد" ضد الدولة وإهدار دماء اليمنيين، وكان ذلك جلياً في الفتوى الصريحة والمشكوفة التي قالها المحسوب على الحوثيين مرتضى المحطوري على الملأ وأمام وسائل الإعلام، والتي وصف فيها مسؤولوا الدولة بالقردة، ودعا أتباع الحوثي إلى الجهاد ضد مؤسسات الدولة ومحاربتها واستهدافها، قائلاً "جاهدوا..جاهدوا بصرخاتكم ..بقبضاتكم.. بأيديكم..بقلوبكم..ببنادقكم..بما استطعتم..فقاتلوهم لعنهم الله، أخزاهم الله..قبحهم الله، أراح الله البلاد والعباد منهم".

وهي دعوة صريحة -كما وصفها الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين- للعنف والإرهاب والتمرد والفوضى واستحلال الدماء والأرواح والممتلكات تستهدف كل أبناء اليمن، فقد قال الكاتب عادل الأحمدي في تعليقه على هذه الفتوى الخطيرة في تصريحات صحفية إن "الحوثيين حركة قائمة على فتوى تكفيرية أساسًا، وعلى هذا الأساس يعتبرون أنفسهم مجاهدين.. منوها الى أن الحوثيين يرون أن من ليس معهم وضدهم أمريكي عميل، ومن كان ليس معهم ولا ضدهم فهو منافق، فيما قال علي الذهب: إن الخطاب الذي نقل عن المرتضى المحطوري، هو بمثابة إصباغ الشرعية الدينية لأي عمل مسلح قادم من قبل جماعة الحوثي تجاه الدولة، وهو لا يقل شأنًا عن خطاب الجماعات الإرهابية المسلحة التي تدعو للقتل والخروج على السلطة الشرعية في أي بلد، وهذا الخطاب ليس إلا فتوى باتّباع نهج العمل المسلح، وأضاف: ولا يُستغرب أن يأتي ذلك الخطاب من هذا الرجل، الذي عرف بمواقفه وفتاواه التي تتصف بالنعرة المذهبية، وهو في الغالب يمارس التقية السياسية والدينية معاً، فقد كان يتملق النظام السابق ويصف شعار الحوثيين المعروف بالصرخة أنه يضرب الزيدية في مقتل، ثم يعود لينقلب ويصفهم بالمجاهدين والأبطال، ويصف السلطة السابقة بالمنافقة، ثم يصف السلطة الحالية -قبل أشهر- بالوقحة..يأتي هذها في حين أبدى الكاتب الصحفي فتحي أبو النصر خشيته من أن تكون غاية الحوثيين من هذا التصعيد هو إفشال مخرجات الحوار التي لن تتوافق مع أفكارهم ومعتقداتهم - حد تعبيره، مؤكداً أن مشكلة الحوثيين ستستمر كونه دون مشروع سياسي، ما يعني أنه سيصطدم بمكونات المجتمع في حال تصميمه على مفاهيم بائدة تقوض صيغة الجماعة الوطنية المأمولة.

* القاعدة والحوثي وجهاد الدولة

خلال الفترة الفائتة لم يسبق لأحد أن أفتى بالجهاد ضد الدولة واستحلال الدماء سوى تنظيم القاعدة والحوثيين، فقد اعتصمت الآلاف المؤلفة من شباب الثورة السلمية لمدة عامين في الساحات, لكن أحد لم يصدر فتوى بالجهاد.

 وخرج شباب الثورة في مختلف محافظات الجمهورية في مئات المسيرات الإحتجاجية السلمية, وسقط منهم أكثر من (1500) شهيداً, وما يربوا على (22) ألف جريح, عدا المئات من المعتقلين والمخفيين, ولم نسمع أحد يعلن الجهاد أو يفتي به.

 ورغم البطش الذي سُلط على الشباب وآلة القمع التي حصدت أرواحهم في مجازر بشرية مروعة, إلاّ أنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة ولم يعتدوا على جندي واحد أو بلطجي من الذين أرسلهم النظام السابق للترصد بهم وقتلهم في الشوارع والأزقة بدم بادر, طبقاً لافتتاحية الإصلاح نت، ورغم دمائهم التي أهرقت في مجازر وحشية نعرفها جميعا, إلاّ أنهم مع ذلك ما أعتدوا على مؤسسة حكومية ولا اقتحموا جهازاً أمنياً, ولا بحثوا عن فتوى بالجهاد ضد القتلة والمجرمين.

 وعندما اعتصموا مرة أخرى ولمدة شهر كامل أمام مقر النائب العام للمطالبة بإطلاق رفقائهم المعتقلين, لم يرموا حجراً واحداً على مقر النائب العام, ناهيك أن يفكروا باقتحامه, فأين الثرى من الثريا؟ شتان بين الثورة والصراخ, بين ثائر يناضل لحرية بلده, وغوغائي يصنع من سيده قيداً على بلده. يكفي شباب الثورة فخاراً أنهم ما خرجوا لأجل دعوة عنصرية أو طائفية أو سلالية, وإنما خرجوا لأجل قضية وطن وشعب, ويكفي ثورتهم المباركة أنها ما تلطخت بنصرة العملاء وشبكات الجسس وأعداء الوطن.

وعندما أعلن الحوثيون العداء (ظاهرياً) لليهود والنصارى ورفعوا شعار الموت لأمريكا وإسرائيل, عادوا ليقولوا بأنهم لا يعنون حقيقة الموت والقتل, وإنما يقصدون بالشعار موت السياسة الأمريكية فقط, لكنهم عندما اختلفوا مع إخوانهم اليمنيين من أهل القبلة أعلنوا على الفور الجهاد ضدهم, وهو ما لم يفعلوه مع أمريكا وإسرائيل. حتى أن مفتي الحوثيين قال محرضاً: جاهدوهم بأسنانكم وبنادقكم, فإن لم تجدوا إلاّ التراب فجاهدوهم به فقد صار الجهاد فرض عين على كل قادر! الآن صار الجهاد فرض عين ضد اليمنيين ونظامهم (الكافر), أما غيرهم فليس لهم حظ من جهاد الحوثيين سوى صرخة فارغة وشعار خالي الوفاض!!

* محاولات سابقة ومستمرة

وإلى الممارسات والمحاولات آنفة الذكر، فإن ما يقوم به الحوثيون من جرائم وانتهاكات مستمرة في صعدة وغيرها، إضافة إلى صفقات السلاح الآتية من إيران لتفجير الوضع الأمني ونشر الفوضى، يرسم دلالات واضحة على أن الحوثيين يحاولون عرقلة الحوار منذ الوهلة الأولى.

إذ أن أي ممارسات خارجة عن التوافق العام لليمنيين الهادف إلى الاستقرار بمعناه الشامل سواء من قبل جماعة الحوثي أو أي جماعة أو طرف أخر يستخدم العنف كوسيلة سياسية خلال هذه المرحلة يعكر الأجواء التي يجب أن تسود أثناء سير أعمال مؤتمر الحوار الوطني وبعده كما يقول المحامي أحمد الرحابي، فما تمارسه جماعة الحوثي سواء بسيطرتها على جزء من البلد مغتصبة لسلطة الدولة فيه وتتصرف فيه كحاكم خروجاً بذلك عن الشرعية الدستورية و إرهاب المواطنين بالعنف والسلاح وتحصيل الإتاوات والاعتقالات والتعذيب يشوش مسار الحوار، وهو ما يستوجب على الدولة أن تعجل من فرض سيادتها على كل الأرض اليمنية.

ولعل آخر جرائمهم الدموية هي  محاولة اغتيال الناشط شائق المراني أثناء خروجه من منزله في حي شملان بصنعاء,ما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة نقل على إثرها للمستشفى، وجاء الاعتداء على المراني بعد حديثه في برنامج 10:10 الذي بُث على الهواء مباشرة في قناة سهيل,والذي تطرق فيه إلى جرائم الحوثيين بحق أبناء صعده,متهماً الحوثيين بتصفية عدد من أقارب وتفجير منزله، وسبق ذلك تلقيه اتصالات هاتفية من قيادات حوثية هددته بالتصفية.يشار إلى أن المراني من منطقة مران بصعدة، وطرده الحوثيون من منطقته في الحرب الخامسة قبل أعوام.

لماذا يعرقلون الحوار؟

يأتي هذا في أكد مصدر سياسي يمني أن جماعة الحوثيين ليست جادة في نيتها الالتزام بمقررات الحوار الوطني الحالي في البلاد، وأنها لم تتوقف عن استيراد السلاح من الخارج وشرائه من الأسواق الداخلية للاستعداد لما سماها «معركة ما بعد الحوار الوطني»، وذكر في حديث للشرق الأوسط أنه منذ أن شاركت جماعة الحوثيين في الحوار الوطني وقبل أن تشارك فيه وهي تسعى سعيا حثيثا للحصول على أسلحة تمكنها من شن عمليات تخريبية حال خرج مؤتمر الحوار الوطني بنتائج لا ترضاها، وأضاف أنهم بدأوا يشعرون أن مخرجات الحوار لن تأتي على ما يطمحون إليه من الاعتراف بسيطرتهم على ما تحت أيديهم من مدن ومديريات في صعدة وغيرها، ولذا يحاولون تعطيل الحوار.

 وذكر أن الحوثيين لم يتوقفوا عن محاولاتهم الحصول على الأسلحة حتى بعد اشتراكهم في الحوار الوطني، مشيرا إلى أن قوات الأمن وخفر السواحل تمكنا خلال الشهور الماضية من توقيف عدد من شحنات الأسلحة المهربة إلى البلاد، والقادمة من إيران في طريقها إلى الحوثيين.

 وهو ما يشي إلى طبيعة العمليات التي تريد جماعة الحوثيين القيام بها، وأنه بات من الواضح أن الجماعة لم تستوعب حقيقة التغيير الذي حدث في البلاد، وأن من ضمن استحقاقات ما بعد مرحلة الحوار أن تبسط الدولة سيطرتها على كل التراب اليمني بما في ذلك محافظة صعدة وبعض المديريات في محافظات شمالية تسيطر عليها هذه الجماعة.

 ويسعى الحوثيون خلال الفترة الأخيرة إلى بناء تحالفات قبلية ومناطقية تقوم على أساس الولاء المشترك، ويستغلون الفقراء لتشكيل مجاميع خفيفة من المقاتلين يلجأون إليهم إذا ما نوت الدولة استعادة محافظة صعدة من أيديهم.

ورغم هذه المحاولات اليائسة والبائسة، إلا أنه من البديهي، وفقاً للمثيل، القول أن صالح والحوثيين وبعض مراكز القوى ، تعيش في أبراج عاجية ، منعتها من قرائة واقع اليمن بصورة صحيحة، ففي الوقت الذي يسعى الشعب اليمني ويعمل على بناء الدولة، من خلال ثورته واستمرار حضوره في الأحداث صغرت أم كبرت، يعمل المجتمع الدولي على دعم تلك الرغبة الشعبية اليمنية ويسخر إمكانياته القوية لتكون ورقة فاصلة لن تسمح مطلقا بفشل الحوار أو عرقلة بناء الدولة الحديثة، وما الإهتمام المستمر والكبير ومتابعة مجريات الأحداث في البلاد من قبل المجتمع الدولي، سوى دليل واضح على حرص دول العالم من أجل مواصلة السير خطوة خطوة حتى تحقيق وجود الدولة اليمنية المنشودة ، وعليه وجب تذكير تلك القوى المتحالفة وغيرها من مراكز القوى، أنها فقط تعمل بهمة عالية على تقديم نفسها إلى المحاكم الدولية، إن لم تستيقظ وتراجع حساباتها وتترك مشاريعها الصغيرة، لتعمل وتساهم وتشارك في بناء الدولة أو تتخلى عن أوهامها وتصمت، وستكشف الأيام صحة ما نقول، فإن كانت الدولة اليمنية الناشئة غير قادرة على إيقاف ومحاكمة تلك القوى بسبب تعقيد وصعوبة الوضع اليوم، وجب التذكير أيضا أن الشعب اليمني والمجتمع الدولي قادر على ذلك وهو لتلك القوى بالمرصاد.

Total time: 0.0587