أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

لماذا تحارب واشنطن إرهابا وتتغاضى عن آخر؟

- القدس العربي - الطاهر ابراهيم
جربت واشنطن أن تتخذ عملاء لها من طائفة السنة المنتشرة في المشرق العربي، فدعمت الانقلابيين ابتداء بحسني الزعيم إلى عبد الناصر إلى البعثيين في سوريا والبعثيين في العراق. لكنها في كل مرة كانت خطتها تفشل لسبب أو لآخر، فقد كانت تعتمد على رجال من المسلمين السنة ينتهي دورهم عندما يموتون ولا يرثهم طاغية آخر من أهل السنة، أو قل إنهم لم يكونوا فعالين بما يكفي لتطويع المجتمع السني.
مات عبد الناصر وخلفه السادات الذي اضطر –لإبعاد منافسيه من ورثة عبد الناصر- أن يفتح السجون ويفرج عن الإخوان المسلمين الذين استعادوا دورهم. بل زادت شعبيتهم أكثر في عهد حسني مبارك. أما البعثيون في سوريا كما في العراق،فانشغلوا بانقلابات ضد بعضهم البعض ، حتى رسى المزاد على العلوي حافظ أسد.
كما رسى المزاد في العراق على البعثي السني صدام حسين، الذي كان يستشعر بخطر إيران على العراق وعلى العرب. حاربها ثماني سنوات، وهو ما أثلج صدر واشنطن. عندما شعرت بانحيازه إلى أهل السنة حاربته حتى انتهت به إلى حبل المشنقة.
رغم أن زعماء إيران كانوا يسمون واشنطن الشيطان الأكبر، إلا أنهم كانوا يبيعون ويشترون معها، وأن آخر ما كانوا يفكرون به هو الإسلام، فقد كانت العلاقة معها تعطيهم تفوقا على أهل السنة منافسيهم في المنطقة. وقد وجدت واشنطن ضالتها عندهم.
في سوريا تبين لواشنطن أن حافظ أسد هو من تريد، وأنه الحاكم المثالي عندها. فكان ركن الزاوية الذي اعتمدته بالمنطقة. حكم سوريا 30 عاما بالحديد والنار. وقد أصدر، أمام سمع وبصر واشنطن، قانونا لم يصدر أفظع منه في تاريخ العالم – قديمه وحديثه- وهو القانون 49 لعام1980 الذي يحكم بالإعدام على مجرد الانتماء للإخوان المسلمين. لكن أهم عيب كان في حافظ أسد أنه بشر وأنه سيموت مهما طال عمره، فأوحت إليه واشنطن أنه لا مانع لديها من توريث أبنائه. فرتب الأمر على أن يتم توريث ابنه بشار من بعده بعد مقتل أخيه باسل.
بدأ حافظ أسد ترتيب أوضاع سوريا ولبنان،فكان لواشنطن ما أرادت. كان يتدخل بكل صغيرة وكبيرة في لبنان. وفي عهده مكّن للشيعة في لبنان، وكان حزب الله هو يده الطولى في لبنان. ومع أن إسرائيل تتأثر بكل بندقية توجد على حدودها، فقد أغمضت واشنطن عينها عن ترسانة هذا الحزب التي أصبحت أقوى من سلاح الجيش اللبناني، ليكون الحزب أقوى من أي ميليشيا سنية قد تنشأ في المنطقة، وهذا ما رأيناه عند تدخل حزب الله لدعم بشار في قتاله مع الفصائل السنية في سوريا.
كما أشرنا سابقا، فقد شعرت واشنطن بقوة جيش العراق بقيادة صدام حسين، وأنه صار خطرا على نفوذها في المنطقة، فاستدرجته إلى احتلال الكويت عام 1990، ثم شكلت تحالفا ضم 30 جيشا لإخراجه من الكويت. كانت نتيجة هذه الحرب أن واشنطن سلخت كردستان عن العراق. كما طبقت –بعيدا عن مجلس الأمن- حظرا جويا على المناطق الشيعية في الجنوب.
أما إيران فلم تكتف بهيمنتها على العراق وسوريا ولبنان، فقد أكملت مؤامرتها على أهل السنة عندما مكنت للأقلية الحوثية في اليمن، حتى أكملوا سيطرتهم على معظم الشمال اليمني بما فيه العاصمة صنعاء،تم ذلك تحت سمع وبصر واشنطن، فلم تحرك سكنا وكأنهم يعملون لحسابها.
في معضلة الوقت الحاضر، سكتت واشنطن عن تنامي تنظيم الدولة الذي لم يكن عدد مسلحيه يزيد عن بضع مئات في العراق حتى بداية عام 2013. بل إنها أغمضت عينيها عن اجتياح ميليشيا هذا التنظيم للموصل وما جاورها، حتى كاد التنظيم يسيطر على معظم المنطقة السنية في شمال غرب العراق. ولأمر ما سكتت واشنطن عن تنامي قوة تنظيم الدولة.
مؤخرا في مؤتمر جدة أعلنت واشنطن أن التحالف الذي تزمع تشكيله سوف ينهي تنظيم الدولة وينهي حكم بشار أسد. لكن طائراتها الحربية لم تخطئ مرة واحدة فتقصف جيش بشار، لكنها عند قصفها مواقع تنظيم الدولة، كانت تلقي قنابلها على فصائل سوريا لم يسبق أن مارست الإرهاب. فقد قصفت جبهة النصرة وأحرار الشام وصقور الشام. وحتى أنها قصفت حزم التي تعتبرها واشنطن من المعارضة المعتدلة.
لم يستطع أوباما أن يجيب عن عدم قصفه الميليشيات الشيعية التي عاثت في سوريا تدميرا وقتلا. وأجاب عن عدم استهدافه نظام بشار بأنه لا يريد أن يرى من بعده فصائل إرهابية مثل داعش والنصرة، وكأن حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى بريئة من من الإرهاب كبراءة يو سف عليه السلام. وهو يعلم أن هذه الميليشيات قتلت من السوريين أضعاف ما قتله تنظيم الدولة في العراق وسوريا.
الطاهر إبراهيم

Total time: 0.0598