أخبار الساعة » السياسية » عربية ودولية

غطرسة القوة والدبلوماسية الخشنة ! بقلم : عوني صادق

- ادريس علوش

غطرسة القوة والدبلوماسية الخشنة !

عوني صادق

 

في البداية كان العالم غابة وكان القانون السائد فيه "قانون القوة"، وحتى اليوم لا يزال العالم نفس الغابة ولا يزال القانون السائد فيه نفسه "قانون القوة"، بالرغم مما يقال من أنه أصبح عالما متحضرا ومدنيا وأهم شعاراته احترامه لحقوق الانسان وحريته واستقلاله. وفي عملية الانتفال من الغابة إلى الحضارة المدعاة والمدنية المزعومة كان الحوار سبيلا إلى ذلك، وكانت "الدبلوماسية" اختراعا حضاريا ووسيلة مدنية لإدارة هذا الحوار بين الدول والشعوب والجماعات، أو هذا ما يقال. لذلك حملت كلمة "الدبلوماسية" معنى "فن التفاوض" بين الدول، مثلما حملت معنى "اللباقة" و "حسن التدبير" كشكل وأسلوب في التعامل، ليكون "الدبلوماسي" في النهاية هو الشخص "اللبق، حسن التدبير"، سواء كان يعمل في السلك الدبلوماسي أو لم يكن. وإذا كانت الدبلوماسية هي اللغة الناعمة لتمرير السياسات الخشنة، فإن الدبلوماسية الأميركية تبدو انعكاسا صادقا للسياسات الأميركية الخشنة، بلا لباقة أو حسن تدبير.

 

في الثامن والعشرين من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عقد مجلس الأمن جلسة خصصها لمناقشة التقرير الدوري للأمين العام للأمم المتحدة حول تنفيذ القرار 1559 الخاص بلبنان، وبعد الجلسة مباشرة أصدرت المندوبة الأميركية في المجلس، سوزان رايس، بيانا مكتوبا هاجمت فيه سوريا بشكل اعتبر غير مسبوق، تناغم ما جاء فيه مع تصريحات سابقة لرئيسة الدبلوماسية الأميركية وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ومع أخرى لمساعدها جيفري فيلتمان، وانطوى على تهديدات وتلويح بأكثر ما تتيحه غطرسة القوة من خروج على الأعراف الدبلوماسية.

وفي بيانها، اتهمت رايس، وقبلها كلينتون وفيلتمان، سوريا بمواصلة تهريب السلاح، ومنه صواريخ سكود، لحزب الله في لبنان، وهو ما أقلق ثلاثتهم على لبنان، فاعتبرته رايس "تجاهلا فاضحا لسيادة لبنان وتكامل أراضيه ووحدته واستقلاله السياسي" بما يفهم منه أن الولايات المتحدة الأميركية حريصة على لبنان وسيادته واستقلاله السياسي أكثر من سوريا، وهو ولا شك حرص يشبه ذلك الحرص الذي أظهرته الولايات المتحدة على العراق وسيادته ووحدته واستقلاله السياسي، ومثل الحرص الذي تبديه واشنطن اليوم على السودان وسيادته واستقلاله! ولعلنا نكتشف لاحقا أن هذه الهجمة الأميركية الجديدة على سوريا تأتي من حرص مماثل عليها وعلى سيادتها واستقلالها السياسي!

فيلتمان من جانبه، في حديث له مع صحيفة (النهار- 29/10/2010)، حمل سوريا المسؤولية "عن أي اضطرابات أو أعمال عنف يقوم بها حلفاؤه على خلفية المحكمة والقرار الظني"، رافضا أن يكون موضوع المحكمة الدولية مسؤولة عن الوضع المتوتر في لبنان، ومؤكدا أنه لا مجال للتخلي عن المحكمة لأن "لبنان يحتاج إلى الاستقرار والعدالة"، وليس الاستقرار وحده. هكذا، فبعد حرص رايس على لبنان وسيادته واستقلاله، جاء حرص فيلتمان على "العدالة" في لبنان، وإن لم يقل لنا أية عدالة يقصد؟ هل هي العدالة الأميركية التي رأيناها وسمعنا عنها في العراق، أم التي تمارسها القوات الأميركية في أفغانستان، والتي كشفت عن جوانب منهما مؤخرا وثائق ويكيليكس؟

النماذج كثيرة وقائمة المواقف والتصريحات لمن يريد طويلة، وكلها تدل على حقيقة وطبيعة "الدبلوماسية الأميركية". لكن السؤال الذي لا بد منه في هذا المقام هو: لماذا هذه الهجمة الأميركية التي تبدو مفاجئة بعد أشهر من مغازلة سوريا والتشبيب بها؟ 

قضية صواريخ سكود قديمة بدأت عندما أطلقها رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز في نيسان/ أبريل الماضي، ثم التقطتها الدبلوماسية الأميركية على لسان فيلتمان الذي قال يوم 21 منه، في جلسة استماع للكونغرس، إن الولايات المتحدة "تستشعر القلق البالغ... وإذا صحت الأنباء فسيتعين علينا دراسة كل الأدوات المتوفرة لنا من أجل جعل سوريا تصحح هذا العمل الاستفزازي"، مضيفا: "لقد أثبتت الولايات المتحدة في السابق أنها قادرة على التحرك، وأعتقد أن كل الخيارات مطروحة في هذا الشأن".

 

لقد كان ذلك تهديدا لحقه غزل لم ينجبا شيئا، والمسألة منذ البداية في غاية الوضوح... لقد ورث أوباما بوش وحروبه وخسائره وفشله، فشل للقوة وفشل للدبلوماسية، فتظاهر أنه غير سلفه، وأنه من أنصار الدبلوماسية وليس من أنصار الحرب. نصحه مستشاروه، وكلهم يهود وصهاينة، أن يجرب الإيقاع بسوريا لسحبها من "محور الشر"، فإن نجح ضرب العصافير بالجملة: إيران وحزب الله وحماس، وحتى المقاومة العراقية، فتسقط كل ملفات المنطقة في يديه، ويأتي بما لم يأته الأوائل! أما إن فشل فالعصا موجودة دائما ! لكن سوريا كانت قد تعلمت دروسا كثيرة بعد 2005 و 2006، ففشلت الخطة وانكشف الكمين. الآن يبدو أن أوباما وإدارته، وكل الصنائع في تل أبيب وفي بيروت وغير بيروت، في مأزق، فما العمل؟ لقد قدموا الجزرة وتبين للسوريين أنها مسمومة، فكان لا بد من العودة إلى العصا، والتهمة جاهزة: "زعزعة الاستقرار في لبنان"! كما جاء على لسان كل من كلينتون وفيلتمان ورايس وكراولي.

 

الرئيس الأسد قال لصحيفة (الحياة) اللندنية، إن الولايات المتحدة تزرع الفوضى في كل بلد تدخله. هل ابتعد الرئيس الأسد عن الحقيقة؟ أليست هذه الحقيقة ماثلة في فلسطين والعراق وأفغانستان والسودان، بل وفي باكستان واليمن؟ لقد رد كراولي على "اتهام" الأسد مدعيا أن الدور الأميركي في المنطقة "دور بناء"، مكررا اتهام سوريا ب "زعزعة الاستقرار في لبنان وفي المنطقة"... ولكن هل هناك من لا يرى من يزعزع بل من يدمر المنطقة وليس فقط يزعزع استقرارها؟     

Total time: 0.0548