أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

النبوءات العاجزة في اليمن

- د. مطلق سعود المطيري

العجز السياسي الذي يحاصر العالم العربي من كل اتجاه ليس عجزاً مستقلاً عن الحالة العامة، فالنجاح على مستوى الدول نجاح بنائي متكامل يعطله الجزء ويحركه الكل، فالفساد الثقافي يسلم للفساد السياسي والاقتصادي، منظومة متكاملة تنهض جميعها أو تسقط جميعها، ليس المقام مقام مراجعة فكرية ولكنه مقام يساعد على الوصف العام بدون أن يكون جزءاً منه، فالحال مثل من يلقي خطاباً سياسياً وسط جمهور حضر لمشاهدة مسرحية اجتماعية ساخرة، لا المقام مقام ولا المقال مقال، نبوءة عاجزة لفكر تاريخي عاجز.

العجز الفكري شاهدناه عند بعض المفكرين الذين حللوا الأوضاع في اليمن على مقتضيات النبوءة العاجزة التي لاتنبه من فعل ولا تحرض لفعل، فهي نبوءة لا تشبه النبوءات في تفكيرها الابتكاري للحلول، فمعظم الكتاب العرب الذين تعرضوا فكرياً للحالة اليمنية اعترضوا على تاريخ اليمن المتناقض: القبلية والمدنية، والمذهبية، وأسقطوا إنسان اليوم وحضارته، فمشكلة اليمن عند الفكر العربي تكمن في تاريخه فإن تجاوز اليمن التاريخ تجاوز مشكلته، ولم يذكروا طريقاً جديداً غير التاريخ ليتجاوز اليمني اليوم تاريخه، أي حبس اليمن في التاريخ والتفرج عليه، وهذا ماذهب إليه البعض، ترك اليمن لإيران لتشبع به على حد وصف هذا البعض وتقسيمه إلى دويلات، وهنا تسقط إيران في الوحل اليمني، نبوءة عاجزة في ظاهرها وغير أخلاقية في مبدئها وانتهازية في سياستها، وتحمل من التاريخ غباءه وعجزه.

المشكلة اليمن ليس بالتفكير به كقضية لها أبعادها وحدودها الفكرية وليس أنه موطئ مصالح استراتيجية تتكسر على أبوابه سيوف المتنافسين، مشكلة اليمن الأولى أنه يريد أن يتجاوز تقسيمه بتقسيم وقبليته بقبيلة ومذهبيته بمذهب، وهذا الذي يسميه المفكر العربي وحلاً ويريد أن يسحب إيران له، ونسي المفكر أن هذا الوحل يمني عربي وليس إيرانياً، فطهران تريد الاستفادة منه وليس الغرق فيه، فإن خسرت مكاسبها تجنبت الوحل لليمن والعرب لخوض غماره وصراعاته، مثل الوحل العراقي استفادت منه إيران وغرق فيه العراقيون.

لا نريد أن يكون اليمن وحلاً يغرق فيه الإنسان اليمني ويحيا به مشروع مذهبي توسعي يجيد صانعوه العوم في الأوحال، الأمر ليس بسيطاً ولكنه ليس عسير، فالحوثيون جزء من تاريخ اليمن وجزء من صراعاته فلا مجال لهزيمتهم إلا بيمنيتهم التي يتنبؤ البعض لها أن تتحول إلى مستنقع سياسي للمشاريع الخارجية، فتلك النبوءات العاجزة تبشر بهزيمة اليمن في صراعات اليمن، ولكي لا يخسر اليمني يمنه السعيد يعيد النظر في قراءة الوحل العراقي جيداً الذي غرقت فيه جميع الطوائف العراقية وتحولت بإرادة الغرق إلى أسماك يأكل القوي بها الضعيف، فتاريخ اليمن لا يصنع الأوحال فقد جرب الرئيس المصري جمال عبدالناصر السباحة في الشأن اليمني فغرق اليمن وبقي ناصر في بلاده بطلاً قوياً خسر الصراع في اليمن ولم يخسر مكانته، فدعوة طهران للغرق في الوحل اليمني دعوة لإغراق اليمن وليس لإغراق طهران..

Total time: 0.0645