أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

هل أنتصر "صالح" ..!!

- زكريا السادة

في قراءة سريعة للتأريخ اليمني المبعثر بأحرف سبئية وحميرية قديمة وكلمات رصدها المؤرخون عن حياة النزاعات والصراعات القبلية لم يتغير المشهد بشكل كبير عما كان عليه في السابق ، الحصارات والفتوحات القبلية وبقاء الثارات التي تتوارثها الأجيال على مراحل الصراعات التي مكثت طيلة تأريخ حكم "صالح" الرسمي الذي أمتد لأكثر من 33عاما مرت بظروف سياسية بدأت بمرحلة غير مستقرة ساعدت الرئيس "صالح" حينها بتجربة سابقة خدمته على مراجعة حسابات التحالفات مع زعماء قبليين فقدوا مكانتهم أثناء فترة حكم الرئيس "الحمدي" من بينهم زعيم حاشد "الأحمر" الذي كان الأول قد عايش تجربة الأخير وصراعاته أثناء الخدمة العسكرية ليتمكن من الترتيب لرئيسين بعد مقتل "الحمدي" وكان يعرف مدى خطورة المرحلة التي ستكون بعد انفراط عقد حكم الرئيس "الحمدي" ومرحلة الصراع المستميت على  السلطة ، تلك المرحلة التي أوقدت قوى صراع استسلمت لقائد عسكري سارع إلى أحتوى الخصوم القبليين عبر دراية تامة بحجم الأموال التي تكسب تلك الولاءات والوعود بتعزيز مكانتهم في مفاصل الدولة وسارت الدعوة بمخاطبة الشعب بقيادة الرجل الجديد الذي يحمل رتبة عسكرية وعلاقات قبلية منحته هذه التجربة الكثير عن تفاصيل بيئة مشبعة بالانتماء إلى القبيلة والتقرب لها عبر زعماء قبليين ينتمون إلى منطقة جغرافية واحدة ، تمكن "صالح" بعد سنوات فقط من السيطرة على كل تلك الاختلافات بمساندة الحلفاء عاماً بعد آخر وأستطاع تغييب شخصيات تحمل الفكر التصحيحي التي رفضت توغله بممارسات الرجل العسكري والقبلي في نفس الوقت ، البنية التحتية التي عمل عليها الرئيس "الحمدي" في بناء هيكلة الدولة عبر مؤسسات كانت هي من ستحل محل القبيلة ساعدت "صالح" طيلة فترة حكمة على إرضاء غالبية الشعب ولو أن القبيلة هي من حلت مكان تلك المؤسسات إلا أن ذلك الإطار في شكل الدولة عمل على بقاءه لأكثر من 33 عام , لا ننكر أن الفطنة القبلية "لصالح" والدهاء العسكري الذي أكتسبه من "الحمدي" في احتواء الكتاب والمثقفين والشعراء بطريقة تخدم مرحلته ، لا ننسى أن السلك العسكري قد أحتوى الكثير من تلك التحالفات فكانت الرتب تمنح لرجال قبليين برزوا في تلك المرحلة وهذا ما ربط علاقة شخصية وطيدة بين "صالح" وحلفاءه ، الغوص في الكثير من التفاصيل تصل بنا إلى مرحلة طويلة من حكم "صالح" الذي يعتبر من أهم ما صنع واقعنا الذي نعيشه ولو كانت تلك الفرصة الذهبية التي رافقت مرحلة إصلاح وبناء في مختلف مؤسسات الدولة لكان وضعنا الذي نعيشه يختلف عما آلت إليه الأمور في وقتنا الحاضر ، السياسة الجلية والواضحة في تلك المرحلة كانت تقوية طرف ضد آخر وتمكين جماعة ضد أخرى وهذا ما يجعل الحاكم يعيش على صراعات لا طائل لها ، ولا ننكر أن أي مرحلة من تلك المراحل برز فيها رجال دعوا لبناء الوطن بوسائل محدودة لكنهم تاهوا في خضم سياسة عنيده لرجل عاش ليحكم لا ليبني .
بعد ثورة 2011م كان للواقع وجه آخر أمام تخلي بعض حلفاء "صالح" للاستمرار تحت أمرته فكانت التناقضات التي صنعها طيلة فترة حكمة تقف في وجه من أعلنوا الخروج عن عباءته ، لكن الحشد الكبير للواقع جعل "الزعيم"  يفكر ملياً لصد أي حرب ضده وبدء حشد التحالفات قبلياً وعسكرياً لتصفية رأس الأفعى التي طالما وصف حكمه بذلك ، التوصل إلى إخراج "صالح" من رئاسة البلاد مع احتفاظه برجال من حوله والتواصل عبر تحويلتة الخاصة التي باتت تعرف باسم "الزعيم" شكلت له انتصار ضد من اعتقدوا أن المشهد السياسي بات في متناول أيديهم وأن الدولة ستدار عبر حقائب وزارية يتم من خلالها إدارة الدولة ، الأمر تغير تماماً بمجرد استدعاء الحلفاء السابقون ممن لهم علاقة سابقة بشخص "صالح" ولم يكن ذلك وحده يكفي فإدارة الصراعات يحتاج إلى تحالفات جديدة وفتح جبهات ضمن أرشيف طويل ودراية بواقعنا الذي نعيشه ، "صالح" أستطاع أن يصنع قوى متصارعة للاستفادة بشكل كبير من حلفاء دوليين ومحليين وكان كل ذلك يصب في خدمة كرسي الحكم ، لم يكذب الرجل الذي أعتقد أنه موحد اليمن الجديد بمصير واقع ستشظى وحروب طائلة أتت هذه الدراية بعد صناعة عشرات الأعوام من حكم اليمن ، المؤسسة العسكرية الأهم والأقوى في اليمن ظلت تحت مخطط التقسيم تتلقى العناية في توزيع القوة بيد أقارب "صالح" ليشكل عبأ على مرحلة ما بعد الحكم فالولاءات خاضعة لتلك التعيينات السابقة ، والأهم في انتصار "صالح" بقاء حقائب وزراية تتبعه بعد خروجه من السلطة فالحزب الذي يديره يظل مظلة لبقاء الحلفاء والمناصرين ومحل ثقة ببقاء المصالح المتبادلة ، الحروب التي أدارها "صالح" في صعدة  كانت عنوان لخطط رسمها آنذاك خصوصاً بعد أن أنشق قائد حملته اللواء علي محسن وأعلن انضمامه إلى ثورة هي كانت نتاج سياسات خاطئة أصلاً ، هذه النقطة من تأريخ الحرب أعادت "صالح" لتوجيه ضربة مضادة تجاه من خرجوا عن طوعه عبر جماعة "الحوثي" التي نالت اعتذار الجميع واستفادت من هذه المرحلة وبدأت مرحلة الاستفادة لإدارة صراع ظل يُرقب عن كثب ليقدم له ورقة تلو أخرى بشراء مواقع عسكرية وإسقاط معسكرات كانت تابعة لنجله ، نعم "الحوثي" أمتلك الدعم المالي من دولة نووية إسلامية لكن الأهم إدارة المعركة على أرض الواقع عبر معلومات قدمها الأول بطبق من ذهب وتشير الاتهامات إلى أن "صالح" أجرى اتصالات عدة مع قادة عسكريين  للتعاون مع هذه القوة الجدية لضرب خصومه , المعارضة التي خبرها طيلة فترته حكمه لم تكن قوية فرموزها شركاء أو متعاونون كانوا صنيعة دهاء هذا الرجل ولم يقدر أحدهم أن يعارض من صنعهم أصلاً للمعارضة فكنا نجد إحجام رموز حزبية من مجابهته أو التنديد بممارسات قد يتخذها ضدهم وإن لجئت تلك الشخصيات لكشف معلومات عبر وسائل إعلامية كانت مجهولة الهوية .
في فخ تصفية الخصوم أخرج "صالح" خصومه خلال فترة وجيزة ولم ينتهي ذلك اللعب في حساباته الطويلة بل أمتد لإغراء من بات يعرف بحلفاء السر للتوسع في محافظات عده منها إب وتعز أو إقليم الجند ، وهذا هو مربط الفرس بين حرب يحمل الطابع المذهبي والسياسي ، هذه الدراية منه بتوريط الآخر بحرب تخلي فضاء سهل أمامه لإعادة اللعب في العاصمة وحيداً بعد أن طالبت محافظات جنوبية بالانفصال عن شمال اليمن ، تأريخ من حكموا اليمن من الإمامة حرية بأن تكشف أن تعز كانت العاصمة للإمام رغم غالبية الشافية أو السنة فيها ولم يظهر حينها الاختلاف المذهبي بل كانت المحاكم تطبق مذهب الشافعية والمناطق الزيدية بمذهبها هذه الحرب التي ستقحم جماعة "الحوثي" في إحلال الشراكة مع "صالح" ، ولن يتوقف الأمر عند ذلك فالتقسيم الذي رُسم له سيعيد تشكيل خارطة جديدة إن استمرت الحرب على ما هو عليه في تلك المناطق .       

Total time: 0.0593