دراسة مختصرة عن دور ومكانة اليمن في نشر الإسلام (1)
والكتاب مليء بالمعلومات القيمة والجديدة عن دور القبائل اليمنية في فتح الديار المصرية في عام 20هـ / 641 م وفي رواية أخرى تقول إنّ فتحها كان في 21 هـ / 642 م ، بقيادة القائد الفذ عمرو إبن العاص الذي كانت تحت إمرته قرابة أربعة آلاف مقاتل من القبائل اليمنية ــــ كما تذكر الروايات الإسلامية ـــ وكان القائد عمرو بن العاص صاحب دراية وخبرة واسعتين في فنون القتال , ويصفه الكندي قائلاً : وكان عمراً ذا رأي ، وشجاعة نادرة ، فقد دوخ جحافل الجيوش الرومانية في مصر ونشر في قلوبهم الرعب ، وبفضل قيادته الرائعة , وجنده الأشداء سقطت المدن المصرية الواحدة تلو الأخرى ، ولم يمض وقت قصير حتى أنشأ ابن العاص الفسطاط في الديار المصرية عاصمة للدولة الإسلاميــة .
وقد أشار الكاتب إلى أن الفضل في فتح الديار المصرية كان للقبائل اليمنية المختلفة وقد ذكرت المراجع التاريخية أنّ القبائل اليمنية ، كانت تمثل القوة الضاربة في جيش عمرو بن العاص الذي كان مؤلفاً من أربعة آلاف ـــ كما قلنا سابقا ً ـــ وهناك من ذكر أن عددهم كان ستة آلاف مقاتل ، وتذكر المراجع أسماء القبائل اليمنية التي شاركت في الفتح على سبيل المثال : الأزدية ـــ أكبر القبائل اليمنية على الإطلاق ــــ خولان ، همدان ، الصدف ، تجيب ، حضرموت ، كندة ، المهرة ، مراد ، غافق ، جذام ، لخم ، البلي .
وتقول الروايات التاريخية أنّ عمرو بن العاص عندما شرع في بناء أول حاضرة إسلامية في مصر هي الفسطاط ، كان للقبائل اليمنية السهم الوافر في بنائها ، حيث كانوا أكثر القبائل العربية التي استوطنت حاراتها..
ولا بد لي في هذه الدراسة من ذكر الأماكن المختلفة التي كان للقبائل اليمنية الأوفر في خططها وحاراتها في مصر عن باقي قبائل الجزيرة العربية الأخرى ، وهي التي أشار أليها الباحث محمد زكريا بعنوان ( قراءة في صفحة من صفحات تاريخ اليمن " الفتوحات اليمنية في الديار المصرية " )
خامس عشر : القبائل اليمنية في الجيزة
والحقيقة أنّ القبائل اليمنية لم تستقر في الفسطاط فحسب ، بل استقرت في أماكن أخرى داخل مصر كالجيزة ، وهي التي تقع على الضفة الغربية من وادي النيل حيث اختطت بها بطون من حمير عام 21 هـ / 642م ، في أعقاب الفتح مباشرة ، وذلك بعد أنّ جعل عمرو فريقاً من جيشه بهذا الموضع غرب النيل ، وقد كتب إلى الخليفة عمر بن الخطاب يخبره بأنّ همدان التي شاركت في أعمال الفتح ، وغيرها من آل ذي أصبح ، ونافع ومن كان منهم أحبوا المقام بالجيزة ، وتضيف بعض الروايات أن عمرو” بنى لهم ـــ (أي القبائل اليمنية ) ـــ حصناً في الجيزة يعتصمون به عند الخطر ، وشرع في بناء الحصن سنة 21 هـ / 642 م وأتمه سنة 22 هـ / 643 م ، ومن المحتمل أنّ عمرًا كان يهدف من وراء ذلك إلى زيادة تأمين الجانب الغربي من مدينة الفسطاط . وتذكر الروايات أن غالبية القبائل اليمنية التي استقرت في الفيوم كانت من حضرموت وعلى وجه التحديد من قبيلة الصّدف وهي بطن من حضرموت اليمنية .
سادس عشر : اليمنيون أمراء البحر في مصر:
ومثلما كانت القبائل اليمنية القوة البرية الرئيسة في جيش عمرو بن العاص ، فقد كانت أيضاً القوة الضاربة في البحر, فهي التي ساهمت في حماية الثغور في مصر من الأسطول البيزنطي الذي كان يعمل جاهدًا على الاستيلاء على الإسكندرية والتي كانت القاعدة البحرية الأساسية له في البحر الأبيض المتوسط قبل دخول المسلمين إلى مصر وطردهم منها . وقد شعر كل من القائد عمرو إبن العاص ، ومن تولى ولاية مصر من بعده وتحديدًا في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان المتوفي عام 86 هـ / 705 م ، والوليد بن عبد الملك المتوفي عام 99 هـ / 718 م ، أن اليمنيين مثلما كانوا فرساناً لا يشق لهم غبار في البر ، كانوا أيضاً بحارة لهم دراية وخبرة في فنون القتال في البحر بسبب شهرتهم التاريخية الطويلة مع البحر حيث كانوا همزة الوصل في الأزمنة البعيدة بين تجارة الشرق والغرب ما دفع بالإمبراطورية الرومانية سنة 24 ق.م محاولةً القضاء على الدولة الحميرية بسبب نشاطها التجاري الضخم في البحر الأحمر الذي كان يؤثر على نشاط موانيها التجارية المطلة على البحر الأحمر ، ولذلك تم الإعتماد على اليمنيين في طرد الرومان من الديار المصرية .
إضافة إلى ذلك فإن مشاركة اليمنيين في الدفاع ونشر الإسلام عن مصر الحبيبة لم تكن في منطقة أو مدينة معينة وإنما شملت مناطق ومدن مصرية مختلفة ، إذ تشير الروايات التاريخية أن أمراء البحر اليمنيين كان لهم كذلك دور بارز في فتح عدد من الجزر الواقعة في البحر الأبيض المتوسط ، فضلاً عن دور اليمنيين في فتح الإسكندرية ، إذ تشير الروايات التاريخية أن القائد عمرو بن العاص سار إلى الإسكندرية في عام 20 هـ / 641م ، لتخليصها من قبضة الرومان وكان في المدينة حامية رومانية قوية ، ورغم أن الميزان العسكري كان لصالح البيزنطيين في الإسكندرية إلا أن دور القادة اليمنيين في الجيش الإسلامي أدى إلى فتحها بقيادة أبرز القادة اليمنيين / عوف بن مالك الأزدي ، الذي أبلى بلاء حسناً أمام أسوار الإسكندرية وألقى في قلوب الرومان الرعب ، حيث حاصر المقاتلون اليمنيون المدينة حصاراً شديداً وضربت قبيلة المهرة مثلاً رائعاً في الشجاعة ورباطة الجأش في فتح الإسكندرية ، الأمر الذي دفع القائد عمرو بن العاص بمدحهم قائلاً : أما مهرة فقوم يقتلون ولا يقتلون ..وقد تم فتح الإسكندرية على يد الجيش اليمني في أول محرم عام 21 هـ / 642 م .
ولا يسع المجال للحديث عن المعارك الأخرى التي شارك فيها أبناء اليمن في فتح ونشر الإسلام في مصر فهنالك معركة بلبيس الشهيرة التي تعد واحدة من أهم وأخطر المعارك الفاصلة التي وقعت على أرض الديار المصرية ، فقد إنتصر المسلمين في هذه المعركة الشرسة مع الروم وتم هزيمتهم هزيمة منكرة مما مهد إلى سقوط المدن المصرية الواحدة تلو الأخرى مثل حصن بابليون ، عين شمس ، دلتا ، الصعيد الأوسط والأقصى ، الفيوم ، النوبة ، وقد ذكر أحد المؤرخين الرومان المعاصرين أن معركة بلبيس كانت بداية النهاية لوجود الدولة البيزنطية في مصر .
أما عن ضريح أمير الجيوش المشهور في بلبيس والذي سمي بأمير الجيش فإنه يعود إلى القائد اليمني شريك المرادي الذي إستشهد في بلبيس ، وقد حصرت أسماء الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين وفدوا مع عمرو بن العاص لفتح مصر وقاتلوا في جيشه والقائمة تطول بأسمائهم غير أن مقبرة خزيمة في صنعاء / عاصمة الجمهورية اليمنية وغيرها من المدن حيث يسجى شهداء مصرالشقيقة رحمهم الله ، هذه المقبرة التي تضم كوكبة من أبناء مصر تمثل دلالة كبيرة على وفاء شعب اليمن لمصر وللزعيم الخالد جمال عبد الناصر وجيش مصر الباسل الذي ساهم في الحفاظ على الثورة اليمنية ونظامها الجمهوري عقب قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962م ، وقد إستشهد من أبناء مصر الكنانة الكثير في مختلف مناطق اليمن وكان في مقدمة الشهداء المصريين على الأرض اليمنية نبيل الوقاد رحمه الله .
وأستغل هذه المناسبة أن أؤكد إلى أن المرحوم السيد حسين الشافعي نائب الرئيس المصري جمال عبد الناصر رحمهم الله ، أثناء مقابلة تلفزيونية مسجلة له مع قناة الجزيرة ربما عام 2004م، في برنامج شاهد على العصر مع مقدمه المذيع/ أحمد منصور ذكر أثناء إتصال هاتفي مع الأخ محسن العيني رئيس وزراء اليمن الأسبق الذي عبرهاتفياً عن شكر اليمن لما قدمته مصر من عون ومساعدة ، فكان جواب حسين الشافعي – رحمه الله - أن مصر عندما قامت بمساعدة اليمن لم يكن ذلك إلا رد الجميل منها لفضل اليمنيين الذين كان لهم الدور الأول والكبير في فتح مصر ونشر الإسلام فيها بقيادة عمرو بن العاص ، والذي كان برفقته بين 3500- 4000 مقاتل يمني شاركوه في فتح ونشر الإسلام في مصر .
أخيراً وكما سبق أن ذكرنا في مرحلة سابقة لا يفوتني القول أن القائد / عمرو بن العاص وجيشه اليمني نشروا الإسلام في فلسطين أولاً ، وبعدها إستأذن القائد / عمرو بن العاص من الخليفة عمر بن الخطاب بفتح مصر ، فأذن له وقام ومعه المقاتلين اليمنيين بفتح ونشر الإسلام في مصر واستشهد منهم الكثير في فلسطين وفي مصر خلال الفتوحات الإسلامية ، ولا بد من الإشارة إلى دور الحضارم في الكوفة والبصرة في العراق فبالإضافة إلى أن القبائل العراقية تعتز اليوم بنسبها وأصولها وتحفظ في ذاكرتها تاريخ نزوحها من جزيرة العرب موطنها الأول وإستقرارها في العراق فإن القبائل القحطانية من الأزد وخزاعة ونهم ومن القبائل العدنانية إباد وتغلب وبكر وربيعة ، وأثناء الفتوحات الإسلامية كانت قبائل اليمن بالكوفة هي الغالبة وكذلك في مدينة البصرة ، كما كان للحضارم دوراً عظيماًَ في الهند حيث قاموا بنشر الدعوة الإسلامية في ربوعها وكذلك في أندونيسيا ، وفي سلطنة بروناي ، وسنغافورة وماليزيا ، كما إنتشر الحضارمة في آسيا الوسطى مثل أوزباكستان وتركستان وسمرقند ، كما تردد الحضارمة على شرق أفريقيا منذ ما يناهز 700 سنة ، وإنتشروا كذلك في الصومال والحبشة وجزر القمر ودول القرن الأفريقي .
وهذا الإنتشار الحضرمي / اليمني في عدد من الدول كان بهدف نشر الدعوة الإسلامية كدليل على حضارة وطابع أهلها ، وهذا كان له شأن كبير لازمهم في بلدانهم وأسفارهم ، وإذا كان خراب السد الرئيسي الكبير – سد الخلفة – شرقي قبر النبي هود الذي سبق ذكره آنفاً ، فذلك يعد من أكبر عوامل هجرتهم من بلادهم ، وهنا يشير الباحث قائلاً لماذا لا يكون خراب السد عملاً نا فعاً لبلدان أخرى ، وأنه لم يكن بحال من الأحوال دليل سلبي بل أنه دليل إيجابي للجانبين لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار سيطرة الحضارم بتلك المجتمعات وقدرتهم على تثبيت أقدامهم والمناصرة الكاملة للإسلام الذي رفرفت أعلامه في تلك البقاع ، وسلوكهم المثالي وكونهم كراماً ناجحين في شئون دينهم ودنياهم ، والتقاء هذه النيات الخالصة المخلصة لله تعالى .
كما أن هذه الأدوار المشرفة لليمنيين جاءت نتيجة تعاملهم الصادق في الدول التي إستقروا فيها وبالتالي الأمل كبير في أن اليمنيين الموجودين الأن في أماكن غربتهم الإقتداء بإ سلوب الأجداد من خلال التعامل الإنساني مع الأخرين والإستمرار في تقديم الصورة الناصعة البياض للإسلام وسلوكه الحسن وأخلاقه الفاضلة .
لقد أجملنا الحديث في هذه الدراسة عن جزء بسيط جداً لدور ومكانة اليمنيين في نشر الإسلام ، والذين قال عنهم الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : الإيمان يمان والحكمة يمانية ، هؤلاء الذين كانوا أصحاب الفتوحات قبل 1436عام ، فهل من الممكن أن يكونوا أبناء اليمن في عام2015 م هم أولئك الذين لعبوا وغيروا مجرى التاريخ وحولوا أنظمة دول وإمبراطوريات إلى دول عربية وإسلامية ؟
إن شعبنا اليمني في هذه الأيام يعيش أحلك وأدق سنوات حصاده الثوري منذ إندلاع الثورة السبتمبرية والإكتوبرية والسؤال هو : هل نحن قادرون على تخطي التحديات التي يمر بها شعبنا حتى يضرب باليمن المثل بأنه بلد الإيمان والحكمة ؟
ففي تسعينات القرن الماضي قلنا أن العالم يتمزق ويتشظى ، بينما اليمن يتوحد ، لكن الأمور في هذه الأيام غير ذلك ، إذا لم نحكم أنفسنا وأصحاب الرأي فينا ، فإن اليمن قد يتمزق ويتشظى أكثر مما يجول في الخاطر لأن الوضع في اليمن من كافة الأوجه يختلف كلياً عن الأوضاع في مصر والعراق وليبيا والبحرين وسوريا وبقية الدول العربية ..
و طالما والجميع مع ثورات التغيير التي إجتاحت المنطقة ، فإن بلادنا كغيرها من دول المنطقة وثورة الشباب التي إندلعت بالتزامن مع الثورات العربية هي سلمية شعبية وتنشد التغيير السلمي بما يؤدي إلى إصلاح المسارات السياسية والاقتصادية والمعيشية والإنسانية ، وإطلاق الحريات السياسية والاقتصادية وبناء دولة المؤسسات بما يضمن رفع مستوى المعيشة لأبناء الشعب في أنحاء الوطن والحفاظ على الوحدة التي بها وحدها دون غيرها ارتفعت هامة اليمن وكبر حجمه على المستويين العربي والدولي ، غير أن الأحلام والآمال التي ضحى لأجلها شباب اليمن كانت مجرد أحلام ، لم يتحقق منها شيئ ، الأمر الذي أدى بحركة أنصار الله أن تعلن عن قيام ثورة 21 سبتمبر عام 2014م بهدف تصحيح المسارات الثورية وبلوغ اليمن أمجاده ، وأن يواكب اليمن الأشقاء والأصدقاء ، وأن يكون حاضر اليمن في مقدمة الدول كما كان عليه في الماضي ، والأمل الخروج من هذه المأساة التي يديرها المتحاورون في الموفمبيك برعاية أممية بهدف إخراج اليمن مما هو فيه ، وننصح في الإسراع بإنقاذ اليمن قبل فوات الأوان .
إضافة إلى ماأشرنا إليه في هذه الدراسة نعلم جميعاً أن اليمنيين ضربوا المثل في التأثير في المجتمعات التي عاشوا واستوطنوا فيها ، فهل يمكن لليمنيين اليوم أن يضربوا المثل ويجتمعوا على كلمة واحدة هي إخراج اليمن من الوضع الذي تعيشه من أجل يمن حر جديد تعيشه الأجيال القادمة بأمن وسلام ورخاء في ظل دولة المؤسسات المبنية أساساً على العدل والمساواة بين أبناء الشعب بحيث يتم القضاء على الفساد الذي شاع وأنتشر في كل مؤسسات الدولة وكذا إنزال مبدأ الثواب والعقا ب دون تمييز بين شخص وآخر ، من خلال هذه السياسات الهادفة إلى التغيير الجذري يمكن لليمن أن يلعب دوره عربياً وإقليمياً ودولياً ، ويواكب أشقاءه وأصدقاءه بما يتفق وينسجم مع المتغيرات العربية والدولية وبناء دولته الجديدة دولة النظام والقانون .
والله وحده هو المعين ، ، ، وهو نعم المولى ونعم النصير
صنعاء في 18 فبراير 2015م
* رئيس المركز اليمني للدراسات الدبلوماسية والعلاقات الدولية