أخبار الساعة » السياسية » عربية ودولية

تركيا في مفترق طرق.. على الناتو منع سقوطها في يد بوتين

- 24- ميسون جحا

رغم الاضطرابات السياسية التي شهدتها تركيا مؤخراً، وتقاربها مع روسيا، تبقى تركيا عضواً رئيسياً في حلف الناتو، وتقع على مفترق طرق لأكبر تهديدين يواجههما حلف الأطلسي، روسيا الطامعة في أوكرانيا شمالاً، وداعش المتخندق في سوريا والعراق جنوباً. 
 

في هذا الإطار، كتب ماثيو بريزا، السفير الأمريكي السابق في أذربيجان، وزميل رفيع في الأتلانتيك كاونسيل، في مجلة نيوزويك الأمريكية، أن المحاولة الانقلابية الفاشلة ليلة ١٥ يوليو( تموز) أثرت إلى حد كبير على قدرات تركيا الاستراتيجية بالنسبة إلى الناتو. في تلك الليلة تحركت مجموعة من الضباط الكبار المتهمين بتواطؤهم مع رجل دين تركي، فتح الله غولن، المقيم في بنسلفانيا، وقصفوا البرلمان التركي، وأرهبوا السكان عبر التحليق بطائرات من طراز إف -١٦ فوق سماء اسطنبول وأنقرة، وفتحوا النار على رجال شرطة ومدنيين. كما حاولت قوات خاصة قتل الرئيس رجب طيب أردوغان داخل فندق كان يقضي فيه إجازة مع أسرته. 

التماس لافت
ويشير بريزا إلى أن الانقلابيين أوشكوا على تحقيق مرادهم، وإغراق تركيا في فوضى سياسية، وربما حرب أهلية. ولكن في الساعات الأولى ليوم ١٦ يوليو( تموز) خرج مئات الآلاف من الأتراك إلى شوارع أنقرة واسطنبول ومدن أخرى، استجابة لالتماس لافت وجهه إليهم رئيسهم، أردوغان على شاشة موقع فيس تايم، من هاتفه النقال، لأجل حماية الديموقراطية. 

أنباء طيبة
ويرى الكاتب أن هذا الانتصار "لقوة الشعب" يفترض أن يكون بمثابة أنباء طيبة بالنسبة لكل من تركيا وجميع حلفائها. ولكن، عوضاً عن شجب الانقلاب بكل وضوح، ودعم حكومة دولة عضو في الناتو، وحظيت بنسبة ٥٢٪ من أصوات الناخبين، جاء رد وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، فقط على شكل دعوة لإرساء السلام والاستقرار. وبعد يومين من المحاولة الانقلابية، حفر كيري حفرة أعمق، محذراً أردوغان من أن عملية القمع التي تلت المحاولة، قد تهدد بقاء تركيا كعضو في الناتو. 

فضح خطة 
ويلفت بريزا إلى أن قلق وزير الخارجية الأمريكي قد يفهم من قسوة الرد الذي اعتمدته أنقرة عقب الإنقلاب. فقد تم خلال أقل من شهر، بعد ١٥ يوليو( تموز)، اعتقال عشرات الآلاف، وتسريح أكثر من ٥٠ ألف موظف. وقد رأى عدد من زعماء الغرب، أن حجم وسرعة تلك الخطوات قد فضحت خطة رسمها الرئيس التركي أردوغان، منذ بعض الوقت، من أجل سحق المعارضين لسياساته حال توافر أية حجة. 

دعم 
من جهة أخرى، يقول الكاتب، خرج أكثر من مليون تركي من شتى الأحزاب والأطياف السياسية والاجتماعية، وتجمعوا في ساحة الاستقلال في اسطنبول، في ٧ أغسطس(آب)، للتعبير عن تضامنهم مع حكومتهم لاستئصال شبكة غولن. ويعتقد هؤلاء، كأردوغان، أنه يجب التخلص من الغولنيين الذين تسللوا إلى الجيش والقضاء والشرطة، وحتى المؤسسات العلمية والثقافية التركية. 

تهديد غير مسبوق
وفي كل الأحوال، يقول بريزا، غضب الأتراك بشدة جراء تهديد كيري غير المسبوق بطرد تركيا من الناتو، وخاصة بعدما توقعوا أن يظهر أكبر مسؤول خارجي في الحلف تضامنه معهم، وهم يتعرضون لخطر شديد. ويضاف إليه، حيرة استبدت بالأتراك جراء رفض الولايات المتحدة ترحيل غولن، والذي يعتبرونه إرهابياً نتيجة تدبيره للمحاولة الانقلابية. 

استغلال سريع
من ثم سارع، كما يشير الكاتب، الرئيس الروسي بوتين لاستغلال هذا الانقسام بين أنقرة وواشنطن. فقد كان بوتين أول من اتصل بأردوغان عقب المحاولة الفاشلة، ودعا نظيره التركي لزيارته. وقد تم اللقاء بين الرجلين في سانت بطروسبورغ في ٩ أغسطس( آب). 

لا اختراق كبير
وبالرغم من عدم تحقيق الزعيمين اختراقاً كبيراً، فقد بدآ في تطبيع العلاقات الثنائية بعد قطيعة دامت سبعة أشهر، في أعقاب إسقاط تركيا لمقاتلة روسية، اخترقت أجواءها في ٢٤ نوفمبر( تشرين الثاني) الأخير. 

وبرأي الكاتب، جاء أبرز إنجاز ملموس تحقق من اجتماع سان بطرسبرغ، عبر تعهد البلدين تنسيق سياساتهما في سوريا، حيث تدعم روسيا الرئيس السوري بشار الأسد، فيما سعت تركيا للإطاحة به. 

معرفة بالتاريخ
ويلفت بريزا إلى أنه، في نهاية المطاف، لن يستطيع بوتين إبعاد تركيا عن الناتو، وحيث ما زالت تفرض روسيا عدداً من العقوبات الاقتصادية على أنقرة عقاباً على إسقاط الطائرة. ولكن الأهم، على الأتراك أن يتذكروا تاريخهم الذي يضيء على حروبهم العديدة ضد روسيا، وجشع روسي، عمره مئات السنين، للسيطرة على المضائق التركية التي تصل البحر الأسود بالمتوسط. وإن روح تركيا الوطنية تتواجد في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وليس في روسيا. 

استدارة
وربما حدثت أخيراً استدارة أمريكية، تلت اجتماع أردوغان ـ بوتين. فقد التقى بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، بأردوغان في أنقرة في ٢٣ أغسطس( آب)، وهي الزيارة الأولى لمسؤول غربي لتركيا بعد الانقلاب الفاشل. وقد ساهم البيت الأبيض في الإعداد للزيارة عبر شجبه بشدة حادث التفجير الانتحاري الذي استهدف صالة أعراس في غازي عنتاب. وقال البيان الأمريكي إن "الولايات المتحدة تقف مع الشعب التركي في دفاعه عن الديموقراطية في وجه جميع أشكال الإرهاب. وتعتبر تركيا شريكاً وحليفاً قيماً في الناتو". 

وينهي بيريزا مقاله بعبارة: "على الولايات المتحدة ترحيل غولن. لأن بقاء تركيا داخل الناتو أكثر فائدة وقيمة من تواجدها خارجه". 

Total time: 0.0519