من المهم أن يكون المتابع لما يحدث في بعض مناطق المحافظات الجنوبية ملماً بتفاصيل ما يسمى بالحراك، وهذا الإلمام، لا بد أن يتضمن المعرفة الدقيقة لفصائل الحراك وأهداف كل فصيل من هذه الفصائل المتعددة والعشوائية.. اليوم سأحاول باختصار أن أتحدث عن الفئتين الأساسيتين المكونتين للحراك، والتي تنضوي تحتهما كثير من التفرعات المتعددة الأهداف والإيديولوجيات.
من يتابع الحراك منذ بداياته، سيعرف جيداً بأن أفراده ينقسمون بدرجة أساسية من ناحية الهدف إلى فئتين.
الأولى: هم الحراكيون المُطالبون بمشروع بريطانيا السابق المُسمى بـ (الجنوب العربي)، وهؤلاء يسعون لتحقيق أهداف ترجع بداية نشأتها إلى ستينيات القرن الماضي، وفي الأصل أصحاب هذا المشروع، هم من أسسوا الحراك الحالي في بعض المناطق بجنوب اليمن وهم من يديروه اليوم مع بعض الشباب وليس المدعو علي سالم البيض الذي يعتبر واجهة مسيرة لا غير..
أصحاب هذا المشروع لا يتحركون في حراكهم انتقاداً للأخطاء أو درءاً للمظالم، أو مطالبة بالحقوق، ولكنهم يتحركون بهدف إلغاء يمانية جزء من اليمن نهائياً.
ولأجل ذلك، لن يعدلوا عن رغبتهم التشطيرية حتى لو تطهّرت اليمن من الفساد، ولو عم الرخاء، حتى لو تفضّل علينا “خادم المصباح” وجعل من اليمن في يوم وليلة أقوى دولة عربية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ..!!
السبب في ذلك، أن هذا النموذج المريض، تحكمه رغباته العنصرية ويستحقر أي شيء لا ينتسب إليه، فهو يعتقد بأن هناك فروقات عرقية بين أبناء جنوب الوطن وشماله، وهذا الشعور العنصري الكامن في قلوب البعض، في الحقيقة ليس جديداً، وكان طاغياً أيام الحكم الشمولي في جنوب الوطن عندما كانت البطاقة الشخصية هي من تحدد مسار حياة الفرد وموقعه آنذاك.
أما الفئة الثانية: فهم مطية الفئة الأولى، وهؤلاء - وهم السواد الأعظم - لا يريدون الانفصال بقدر ما يريدون تحقيق بعض المصالح الإنسانية والحقوقية والتي تختلف وتتفاوت.. فبعضهم ممتعض من الوضع الاقتصادي السيئ الذي انعكس على حياة الفرد بالسالب، وبعضهم-كما نحن تماماً- مستاء من عمليات السطو على الأراضي في كل جزء من اليمن، وغيرها من الدوافع، فالإنسان بطبيعة الحال لا تهمه القيم بقدر ما تهمه إشباع رغباته.
أمّا إذا أردنا الاقتراب أكثر من منهاج الحراكي الانفصالي الذي ينتسب للفئة الأولى والتي تحدثنا عنها آنفاً ونقصدها غالباً في مقالاتنا ذات اللهجة القاسية؛ فسوف نجد-على سبيل المثال لا الحصر- أن هذه الشخصية تنزعج إذا تم إنشاء مشروع تنموي في مناطقها، بل ويحاولون إفشال هذه المشاريع بكافة السبل النزيهة كانت أو الدنيئة.. كما أنها تصاب بخيبة أمل إذا سمعت أنه سيتم مقاضاة فاسد أو تاجر سلاح، لأنها في الأصل تستثمر وجود الفساد والمفسدين عندما تتحدث عنه عبر وسائل الإعلام لنشر الحقد وشحن القلوب بالضغائن..
في المُقابل، هذه الشخصية الانفصالية، تعيش ألقها وأفضل لحظاتها عند وقوع الكوارث، أو نشوب المشاكل والأعمال التخريبية، وتكون هذه الأحداث السوداء وردية في نظرهم أكثر، إذا سقط الجرحى والقتلى، لذا يحبون حبواً لاستثمار دماء القتلى والجرحى أبشع استثمار، عندما يصولون ويجولون وهم يتباكون ويذرفون الدموع ليس وجعاً وألماً على الجرحى أو القتلى أو الجوعى، وإنما دموع التماسيح التي تستثمر تلك الدماء والأوجاع وذلك الخراب الناتج عن أي عملية فوضوية.
هذه الفئة باختصار، رأس مالها الفوضى والخراب والدم والقتل، وهي بدون تلك الأحداث لا شيء ولن يُسمع عنها شيء..
ولا أغالي هنا إن قلت: إن هذه الفئة أشد عنصرية من تلك التي وجدت في الغرب في زمن قد سبق، وهم يستحقون بجدارة مسمى (عنصريو شبه الجزيرة العربية).. أفلا يستحق هؤلاء منا الازدراء والإهمال .. وأحياناً البصق على وجوههم؟.