أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

الحراك الجنوبي والحوار الشمالي!

- عبدالله مصلح

ثمة تحديات متعددة ومتباينة تقف في طريق مؤتمر الحوار الوطني القادم المزمع عقده أواخر شهر مايو القادم، 
وأخطر تلك التحديات تتمثل في صعوبة مشاركة الحراك الجنوبي في الحوار، وتكمن هذه الصعوبة في عدم وجود كيان جنوبي موحد يضم مختلف المكونات الجنوبية.
ففيما يعد البعض الحراك الجنوبي هو الحامل الرئيسي للقضية الجنوبية، إلا أن هناك الكثير من المكونات والفعاليات والملتقيات التي تدعي وصلاً بالقضية الجنوبية، بالإضافة إلى عدد من القيادات الجنوبية -المتواجدة في الخارج- المحركة والمنظّرة والداعمة لأياديها في الداخل.
وبالنسبة لتلمس موقف أبناء الجنوب من الحوار الوطني أو الوحدة اليمنية ثمة تباينات واضحة حيال ذلك، تكاد تنحصر في أربع جهات أصلية في الشارع الجنوبي، وهي :

دعاة فك الارتباط
وهؤلاء قد لا يشكلون أغلبية عددية حقيقية، لكنهم يمثلون الصوت الأعم والأبرز والأقوى والأكثر انتشاراً في أوساط الجنوبيين بمن فيهم العجائز وأطفال المدارس، إلى درجة أن بعض القيادات السياسية والحزبية لا تقوى على مجابهة هذا الصوت حفاظاً على مكانتها القيادية المجتمعية، وحتى لا تفقد احترام أبناء الجنوب لها.
وهذا الصوت كان قد بدأ يخبو عند اندلاع الثورة الشبابية الشعبية، مقابل بروز الأصوات الوحدوية التي بدأت تتنفس الصعداء، لكن طغيان التسوية السياسية على الفعل الثوري، أعاد صوت الانفصال الجنوبي إلى الصدارة مستغلاً انعدام وجود فارق حقيقي في حياة المواطن الجنوبي سواء قبل الثورة أو بعد الثورة.
قد يكون لبعض قيادات هذا الفريق أطماع سياسية يرون أنها لن تتحقق إلا بالانفصال، ولذلك يعتقد هؤلاء أنه ليس من مصلحتهم إيجاد أي نوع من المعالجات الوطنية والإقليمية والدولية للقضية الجنوبية، وبالتالي لا يسعون للحل بقدر سعيهم إلى سدّ منافذ الحلول المتاحة، ويطرحون شروطاً أشبه بالتعجيزية إن لم تكن مستحيلة، على غرار ما طرحه نائب الرئيس السابق الأستاذ علي سالم البيض للجنة الوساطة أثناء مؤتمر القاهرة قبل أشهر؛ وحين التقت هذه اللجنة بالبيض ونقلت له قبول جميع القيادات الجنوبية (القاهرية) - وفي مقدمتهم الرئيس علي ناصر محمد- قبولهم بزعامة الرئيس علي سالم البيض الذي وافق على قيادة الجنوب في حوار وطني تحت سقف الوحدة ولكن بشروط أهمها: إنهاء اتفاقية جدة الحدودية بين اليمن والسعودية، وإعادة النظر في اتفاقية الحدود مع سلطنة عمان، بل والسعي إلى مناطق هي أقرب لدولة الإمارات منها إلى عمان!!!
قد تبدو هذه لغة غاضبة من الرئيس البيض تجاه دول الخليج التي ساندته ابتداء وخذلته مؤخراً كما يشعر هو، ولعل هذا ما دفع البيض للارتماء في حضن إيران، ليس حباً فيها أو قناعة بها، وإنما هي محطة اضطرارية أشبه بمغازلة (جلفة) لاستعادة الموقف الخليجي بجانبه.
لكن يبدو أن الموقف الخليجي وتحديداً ’’السعودي’’ يسعى لاستبدال البيض باحتواء شخصية جنوبية أخرى لا تقل تأثيراً جنوبياً عنه، وهو القيادي حسن باعوم، الذي لا يزال متواجداً في المملكة العربية السعودية ويحظى برعاية صحية وشخصية وإنسانية وسياسية أيضاً من قيادة المملكة ومن كثير من التجار الجنوبيين هناك. إلا أن بعض المتابعين يرون استحالة نجاح السعودية في استمالة باعوم، بل إن البعض يذهب إلى أن البيض قد يكون أسهل للاستمالة منه إلى باعوم.
بالإضافة إلى الدعم الخليجي - باستثناء القطري - للتيار السلفي الذي صار متواجداً ومتماهياً مع الحراك في الجنوب والذي بدأ يحتل مواقع كانت إلى سنوات قريبة يسيطر عليها حزب الإصلاح .
ويبدو أن ألمانيا تتجه للضغط على البيض وإقناعه بترشيد خطابه الإعلامي وتطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي الرافض للتعامل مع جمهورية إيران.. وتتداول معلومات أن ألمانيا وجهت للبيض تهديداً بإلغاء موافقتها على إقامته في أراضيها.
كما كان نائب السفير الألماني بصنعاء أكثر وضوحاً خلال لقائه بمجموعة من شباب الجنوب، إذ يقول: إن جنوب اليمن لا يعيش وضعاً احتلالياً بالمطلق، ومثل هذه الدعاوي ليست صحيحة من وجهة نظر القانون الدولي؛ فالجنوبيون هم من ذهب إلى الوحدة ولم يجبرهم عليها أحد. أما فيما يخص قراري مجلس الأمن الدولي (924/931) فهما قراران واضحان يحملان دعوة للحوار بين أطراف متنازعة، دون شروط، ولم يذكر أن الحوار بين شمال وجنوب على الإطلاق.
وبالرغم من كل ذلك لا أحد يقوى على نكران قوة تأثير الرئيس البيض في الشارع الجنوبي في الوقت الراهن، ولا يزال يحظى بشعبية جنوبية متنامية بل وجارفة لكل الأصوات الهامسة بالوحدة إلى درجة المهاجمة الشرسة لأغنية الفنان الشهير-ابن عدن- الراحل/ أحمد بن أحمد قاسم، التي يقول فيها:’’ من كل قلبي أحبك يا بلادي يا يمن’’ فما عساه أن يفعل ’’باصرّة’’ أو حتى المحافظ ’’الوحيد الرشيد’’؟!

دعاة الفيدرالية الثنائية
لا يختلفون كثيراً عن فريق فك الارتباط، اللهم إلا في الوسائل والأدوات وليس في الغاية والأهداف المشتركة، ومع ذلك لا يجرؤون على الإفصاح عن موقفهم هذا داخل المحافظات الجنوبية، وإنما من أماكن تواجدهم في عواصم عربية وأوربية، ولعلهم يريدون المواءمة بين أهدافهم الداخلية (الانفصالية) وبين علاقاتهم الخارجية (النفعية)
وهناك تواجد لبعضهم ممن عانى في الجنوب وتعرض للسجن أثناء حكم الحزب الاشتراكي، مثل القيادي عمر جبران.

أصحاب الفيدرالية المتعددة
وهؤلاء أقرب للوحدة من الانفصال، ولعل جلّهم إن لم يكن جميعهم محسوبون على أحزاب سياسية في إطار اللقاء المشترك، غير أن مواقفهم تلك لا تزال معظمها حبيسة حناجرهم، ولا يمكن لهم التفكير في الجهر بدعوتهم شبه الوحدوية في مجتمع يحمل من الغضب ما يدفعه للانسلاخ عن يمنيته كمسمى ناهيك عن نظام!
ومعظم المنتمين لهذا الفريق منضوين في أحزاب سياسية وفي مقدمتها أحزاب اللقاء المشترك وحزب المؤتمر الشعبي العام.

القابعون تحت سقف الوحدة
وهم دعاة حلّ القضية الجنوبية تحت سقف الوحدة اليمنية، باعتبارها –من وجهة نظرهم- قضية حقوقية في المقام الأول، لا تستدعي سوى إصدار بضعة قرارات كفيلة بمعالجة تلك القضايا الحقوقية، ويرون ما عدا ذلك مجرد ابتزاز سياسي ومتاجرة بحقوق البسطاء لأطماع سياسية تسلطية من قبل من يعتبرونهم خصومهم السياسيين.
ويبرر هؤلاء موقفهم بالقول إن انفصال الجنوب سيخلق حروباً ضارية داخله، وسيؤدي إلى ظلم وإقصاء وانتقام أبشع مما هو حاصل الآن.
ويستدلون على كلامهم بانعدام الانسجام المجتمعي على مستوى المحافظات الجنوبية؛ فابن الضالع لا يرغب في أن يحكمه ابن أبين، والعكس كذلك. بالإضافة إلى رغبة أبناء حضرموت في الانفصال عن الانفصال ذاته، وإقامة دويلة حضرموت بمنأى عن غيرها من المحافظات الجنوبية التي يعتبرونها مجرد مناطق بدوية غير مسالمة بطبيعتها المتناقضة مع الخصوصية الحضرمية الهادئة.
غير أن هؤلاء متهمون من قبل الشارع الجنوبي بارتباطهم الوثيق مع نظام الرئيس السابق، وقد يكونوا متورطين بمصالح واسعة لا تخلو من عدم مشروعية وتستوجب محافظتهم عليها من خلال إبقاء الأوضاع على ما هي عليه.
وأبرز كيان جنوبي ينادي بمعالجة القضية الجنوبية تحت سقف الوحدة اليمنية هو ’’الملتقى الوطني لأبناء الجنوب’’ الذي أعلن عن نفسه قبل أشهر، ومؤخراً أعلن افتتاح فرعه في صنعاء، ويقود هذا الملتقى موظفون كبار في الدولة ومحسوبون على المؤتمر الشعبي العام، مثل منصور علي رشيد –مسؤول في جهاز الأمن السياسي- والدكتور عبدالعزيز بن حبتور –رئيس جامعة عدن.
ورغم واحدية هذا الملتقى، إلا أنه يؤخذ عليه من قبل البعض شخصنة المواقف والممارسات إلى حد تسمية منتسبي الملتقى في صنعاءبـ(مجموعة رشيد) ومنتسبي الملتقى في عدن بـ’’جماعة حبتور’’ومعظمهم من محافظة شبوة

فريق الفرقاء!
هناك فريق جنوبي آخر يصعب تسميته بالفريق؛ لأنه يريد لذاته أن يكون كذلك، وإن كان يعمل تحت إطار منظم يطلق عليه ’’ملتقى أبناء الجنوب بصنعاء’’. وبالرغم من وجود تقارب -غير مقصود ربما- بين الملتقيين الأخيرين، من حيث العلاقات الحزبية والوظيفية والجغرافية ’’متواجدون في صنعاء أكثر من الجنوب’’، إلا أن الفارق الواضح بينهما أن أصحاب الملتقى الوطني لأبناء الجنوب’’ يشعرون بيأس شديد تجاه حظوظهم في ظل انفصال الجنوب، على خلاف منتسبي ’’ملتقى أبناء الجنوب بصنعاء’’ الذين يعتقدون بالحظ المزدوج وإمكانية بقاء مكانتهم ومصالحهم سواء في ظل الوحدة أو الانفصال!
وهذا ما جعلهم يبدون أكثر حصافة وجدوى وقابلية من غيرهم، إذ أنهم يرفضون بشدة تحديد موقف واحد من القضية الجنوبية، بل إنهم يعتبرون ذاتهم مجرد جسر تواصل بين كافة المكونات الجنوبية بمختلف توجهاتها. أي أنهم يمثلون منزلة بين المنزلتين أو بمعنى أصح مع كل المنازل، أشبه بفصيلة (o+) معطي عام، فهم ليسوا ضد الانفصال ولا مع الانفصال وليسوا مع الفيدرالية ولا ضدها.
ويبرر هؤلاء موقفهم (اللا موقف) بأن المطلوب حالياً ليس إبداء موقف ما، بقدر ما هو تجميع الجهود الجنوبية وإحداث تقارب جنوبي جنوبي في سبيل الخروج برؤية جنوبية موحدة تستند على رأي غالبية الشارع الجنوبي.
وبالرغم من أن هذا الملتقى يضم ممثلين عن معظم مكونات الحراك الجنوبي بشتى توجهاتها الانفصالية أو الفيدرالية أو الوحدة إلا أن هذا الملتقى لم يتورط كغيره في تقديم ذاته ممثلاً عن الحراك الجنوبي.
ولعل هذا ما جعله يحظى بقابلية مضطردة لدى كثير من المكونات الجنوبية. وفعلا استطاع هذا الملتقى تسجيل بعض النجاح في إحداث نوع من التقارب بين الفصائل الجنوبية، بل وإيصال الصوت الجنوبي الداخلي إلى الخارج بعد أن كان محصوراً على الصوت الجنوبي في الخارج؛ حيث استطاع الملتقى تنظيم عدد من اللقاءات الجنوبية الجنوبية أو لقاءات سفراء أو ممثلين أمميين مع أكثر من فصيل جنوبي.
ويقود هذا الفريق كلٌ من القبطان سعيد يافعي –عضو مجلس شورى حالياً ووزير نقل سابق، والدكتور صالح باصرة - وزير التعليم العالي السابق، وعلي سيف حسن –رئيس منتدى التنمية السياسية، بالإضافة إلى العديد من الشخصيات الجنوبية السياسية والاجتماعية والتجارية.
حوار جنوبي جنوبي
رغم أكثر من فشل سابق في التئام لقاءات جنوبية جنوبية سواء في القاهرة أو بيروت أو بروكسل أو ألمانيا وغيرها، إلا أن هناك توجهات محلية وإقليمية ودولية لا تزال تدفع وبقوة باتجاه حوار جنوبي جنوبي أولاً على طريق مؤتمر الحوار الوطني القادم. ومؤخراً تداولت أنباء عن إمكانية عقد لقاء مرتقب في العاصمة الأردنية عمان تحضره شخصيات جنوبية من داخل اليمن وخارجها، وبرعاية إقليمية ومباركة أممية، ولكن هل ينجح انعقاد هذا اللقاء؟ وإذا ما نجحوا في ذلك هل يحرز النتائج المرجوة منه؟ أم أن الأمر يتطلب مزيداً من اللقاءات والمفاوضات قد لا تتسع لها فترة (السنتين) الانتقالية. 
وهنا تتقافز عديد أسئلة متصلة بالحوار، على غرار: هل سيتم تأجيل موعد مؤتمر الحوار الوطني القادم المزمع عقده بعد ثلاثة أسابيع ’’الأسبوع الأخير من مايو القادم’’؟ وكم هي الفترة المطلوبة لتأجيل الحوار حتى يتم تنضيج المشاركة الجنوبية؟ وهل سيهتدي رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق إلى إصدار قرارات حقوقية جريئة لصالح القضية الجنوبية؟ وإذا لم يحدث ذلك فهل سينعقد الحوار دون مشاركة حقيقية للقوى الجنوبية؟ وحتى لو شاركت هذه القوى الجنوبية في مؤتمر الحوار هل سيتفق المتحاورون على نتيجة واحدة وحلّ يرضي الجميع؟ وإذا لم يحدث ذلك ما هي البدائل المتاحة وغير المتاحة؟ هذا ما ستجيبنا عليه قادمات الأيام الحوامل بالكثير من المفاجآت!!!

المصدر : صحيفة اليقين

Total time: 0.0689