محمد حسين النظاري
شهداء السبعين
لم يكن المعني بالقتل -الاستشهاد- في يوم السبعين الدامي 21 مايو 2012، جنودنا البواسل –شهداء الواجب- والذين كانوا يتدربون ليسعدوا عامة الشعب في يوم وحدته المجيدة.. المقصود هو قتل الشعب كله من اقصاه الى أقصاه، ومشروع القتل يبدأ من نشر الحزن ليس في قلوب ابناء وأهالي وأصدقاء الشهداء، ولكن في قلب كل من جعل الله بين جنبيه قلب يرفض قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأي حق في ازهاق أنفس بريئة لا ذنب لها سوى انها وهبت ارواحها فداءً لوطنها.
انه بحق يوم يمني أسود في وجه القتلة، صبغ بلون الدم الزكي الطاهر الذي تناثرت قطراته على اسفلت ساحة السبعين، بعد ان تطايرت اجسادهم اشلاء وتمزقت قطعا بحيث يصعب من خلالها معرفة أصحابها، في مناظر مأساوية لا تمت الى الدين السمح بأي صلة.
اي اناس اؤلئك الذين غسلت أدمغتهم، وتحجرت قلوبهم – مع ان من الحجر ما يفيض منه الماء - وأصبحوا لا يفرقون بين الحق والباطل، بل على العكس قلبوا الباطل حقاً فأيدوه، والحق باطلاً فحاربوه، ان هذا الفعل الخارج عن الفطرة الطبيعية للإنسان السوي تقودنا الى سؤال مهم: كم بقي من هؤلاء الوحوش يعيشون بيننا باسم الادمية؟، وإذا ما سنحت لهم الفرصة نهشونا كما ينهش الذئب فريسته.
لن نتحدث عن تفاصيل الحادث فالصورة ابلغ من الف كتاب، والدم المغدور أكثر من ماء البحر، والحسرة في قلوبنا جميعاً لا يمكن حصرها، ولكننا سنتحدث عن الخيانة والتواطؤ التي من خلالها يندس مثل هؤلاء -الخونة- بواسطة من باعوا انفسهم لقتل ابناء بلدهم.. فطريقة التنفيذ ليست اعتباطية بل نفذت بتكتيك عالي ينم عن ان الفاعل او الفاعلين يتمتعون بتأمين لوجستي قوي استطاع من خلاله اختراق كل الحواجز التي يفترض ان لها وقاية.
دعونا نفترض المخطط الافظع والذي كان يتمثل في أن يكون التنفيذ بعد 24 ساعة اي في صبيحة 22 من مايو حين يحضر فخامة الاخ الرئيس عبد ربه منصور هادي -رئيس الجمهورية- الاحتفال بهذا اليوم الكبير، ويحدث ما حدث وتكون فاجعتنا حينها أكبر، وتدخل البلاد وقتها في نفس المخطط الذي كان يحاك بها حين تم تنفيذ جريمة جامع النهدين بدار الرئاسة، والذي كان سيؤدي الى نفس ما كان يراد به للرئيس هادي لا قدر الله.. وهنا نؤكد أنه ينبغي ان يكون لرئيس الجمهورية نائب .
إن الادانة والشجب والتنديد لن تعيد لنا ارواح من استشهدوا، ولهذا فنحن محتاجون الى ان نبحث عن رد ابلغ من تلك المفردات التي اضحت لغة مستهلكة في سوق القتل اليومي الذي يشهده وطننا العربي برمته جراء الفوضى التي تجتاحه، نحتاج الى ان نعترف جميعاً بالخطر المحدق بنا، وألا نظل نزايد على بعضنا، فكلما قال طرف يوجد إرهابيون رد عليه الطرف الاخر بإجابة اسرع من البرق، انت مزايد وأنت تريد تخويف العالم وأنها شماعة رسمها البعض لرسم أهدافهم، بل ويزيد ويشكك في وجود الارهاب أصلاً، وبين التصديق والتكذيب يسيل الدم اليمني البريء.
بعد ما حصل لا عذر لأحد في بقاء الجيش مقسماً وضعيفاً مما جعله لقمة سهلة، وفي مرمى حجر الذئاب الناهشة في امننا واستقرارنا، ففخامة الرئيس هادي مطالب بتوحيد الجيش وإعادته تحت سيطرة القائد الاعلى للقوات المسلحة، وعليه الضرب بيد من حديد في وجه ورأس من يريد ان يستمر مسلسل الدم اليمني المراق على الارصفة والشوارع.
رحم الله اؤلئك الابطال الذين سالت دمائهم على ارضية السبعين، ومعهم اخوتهم ممن سبقوهم بالشهادة في جميع الميادين، وعزاؤنا مع اهلهم وذويهم ان هؤلاء من الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عينان لا تمسهما النار أبداً عينٌ بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله ) والذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم ـ: ( ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين : قطرة دموع من خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله، وأما الأثران : فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله)... رحم الله شهداء السبعين والهم اهلهم وذويهم والوطن اجمع الصبر والسلوان.. انا لله وإنا إليه راجعون