أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » تحليل ومتابعات

صعود محمد مرسي بالعين الإسرائيلية

- علي بدوان

قطع صعود الدكتور محمد مرسي، بفوزه في الانتخابات الرئاسية المصرية، الشك باليقين بالنسبة للدولة العبرية الصهيونية ولساستها وقادة الأذرع الأمنية والعسكرية فيها، الذين بقوا حتى اللحظات الأخيرة وهم يراهنون على فوز محسوب ومدروس للمرشح الفريق أحمد شفيق، حتى ولو كان بفارق ضئيل جداً على منافسه مرشح حزب الحرية والعدالة.

فقد خسرت مصادر القرار في "إسرائيل" رهانها، حيث شكّل صعود الدكتور محمد مرسي صاعقة على رؤوس أصحاب القرار فيها، الذين هاموا على وجوههم مرة ثانية، بعد أن هاموا عليها في المرة الأولى منذ اليوم الأول لانطلاق شرارات الثورة المصرية من قلب ميدان التحرير في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، وباتوا الآن أمام حسابات دقيقة لها علاقة بمستقبل العلاقات المصرية "الإسرائيلية"، كما لها علاقة بحسابات الدور المصري على المستوى الإقليمي خصوصاً بالنسبة للقضية الفلسطينية، وعلاقة النظام الجديد في مصر بحركة المقاومة الإسلامية (حماس). فكيف نقرأ ونستشف الموقف "الإسرائيلي" لصعود الدكتور محمد مرسي؟

حذر وترقب في "إسرائيل"

بداية نقول، إن العين "الإسرائيلية" التي تقرأ وتتابع الأحداث وتضع التقديرات المتعلقة بشأنها على طاولة البحث والتمحيص، هي عين السياسيين من صناع القرار، وعين قادة أجهزة وأذرع الأمن والجيش الرئيسية، إضافة لعيون مراكز البحث التي تساعد صناع القرار في تقدير الموقف واستصدار القرار المناسب.
وبالطبع، فإن صعود رئيس "إسلامي" لمصر يثير القلق والحذر والترقب في "إسرائيل"، أو النكد في أبسط الأحوال، خصوصاً وأن الدكتور محمد مرسي ترأس في فترات سابقة موقع مدير اللجنة المصرية الوطنية لمناهضة الصهيونية، قبل أن تخرج حركة الإخوان المسلمين في مصر من العمل السري لتصبح تحت عنوان "حزب الحرية والعدالة".

وفي التقدير العام الأولي، فإن صعود الدكتور محمد مرسي أعاد خلط الأوراق في الأطر القيادية "الإسرائيلية" مع انكسار واندحار رهانها المشار إليه أعلاه، فأحدثت نتائج الانتخابات الرئاسية في مصر إرباكاً كبيراً في مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي بادر فور إعلان فوز الدكتور محمد مرسي بإصدار بيان "معتدل ومجامل"، على حد تعبير الصحف العبرية التي صدرت صباح اليوم التالي، وفيه ما أسماه تقدير "إسرائيل" للمسيرة الديمقراطية في مصر واحترام نتائجها، مع التطلع إلى استمرار التعاون مع القيادة المصرية الجديدة على أساس اتفاق السلام ومعاهدة كامب ديفد الموقعة عام 1979.

في حين نصحه عدد من مستشاريه بأن يُمسك بسماعة الهاتف وأن يرسل التهنئة إلى الرئيس الجديد من فمه مباشرة، مع تذكيره (ومن غير أن يلتصق لسانه بحنكه على حد تعبير إحدى الصحف العبرية) بمعنى السلام وأهميته وأن يتمنى له النجاح في الحفاظ على السلام المتبادل.

إن هذا القلق والحذر والترقب بان بشكل صريح وفصيح عبر بيان نتنياهو المُجامل، وبان أيضاً من خلال إحجام الكثيرين من القادة وصناع القرار في "إسرائيل" عن التعليق على الحدث المصري الأخير وتفضيلهم الصمت، وهو الصمت الذي فسرته الصحف العبرية باعتباره يدل على مؤشرات غير مريحة، ويبعث في كوامنه على القلق.

الخوف على المعاهدة

إن الخشية "الإسرائيلية" واضحة من عهد مصري جديد، يمكن له أن ينتقل بمصر العربية من حال إلى حال، بعد سبات عميق دام لأكثر من ثلاثة عقود ونيف، كانت فيه مصر العربية خارج دائرة الفعل والقرار في بيئتها الإقليمية، وقد تحولت إلى بلد جائع يعتمد في لقمة عيشه على إمدادات القمح والمعونات الأميركية الخارجية العسكرية وغيرها، والتي تقارب قيمتها نحو "مليار ونصف المليار دولار من المساعدة السنوية"، وفق أغلب المصادر الموثوقة.

إن قلق الدولة العبرية الصهيونية، وهلعها من فوز الدكتور محمد مرسي يعود لتخوفها من إمكانية اهتزاز معاهدة كامب ديفد بالرغم من الوعد الذي أطلقه الرئيس مرسي بالحفاظ على الاتفاقيات الموقعة، باعتبار أن السلام معها ليس أكثر من ميراث سلبي فُرض عليه. وما دام الأمر فُرض عليه فإن احتمالات إعادة النظر فيه واردة جداً في فترة قادمة وفي ظروف تالية من حياة مصر والشعب المصري، وهو ما يضع العديد من إشارات التساؤل عند صناع القرار في "إسرائيل" تحسباً لتطورات محتملة على جبهة العلاقات مع مصر وإمكانية حدوث متغيرات جدية في البيئة الإقليمية ولو بعد حين.

فالقراءة المُدقَقَة للتقديرات "الإسرائيلية" بعد صعود الدكتور مرسي تشي بقلق "إسرائيل"، كما تشي بمرحلة آتية لن تكون سهلة على صعيد العلاقات المصرية "الإسرائيلية". وقد تصل الأمور في مرحلة متقدمة إلى حدود من المكاسرة بشأن بعض القضايا ومنها مسألة الوجود العسكري المصري في سيناء.
الأسئلة في "إسرائيل"

إن تزاحم الأسئلة في "إسرائيل"، وتزاحم الأفكار وتنوعها، واختلاطها، بالنسبة لمصر ما بعد الانتخابات وصعود الرئيس الدكتور محمد مرسي يولّد بالضرورة ارتباكا شديداً لدى صناع القرار في الدولية العبرية، الذين باتوا الآن أمام حيرة من أمرهم للإجابة على مجموعة من الأسئلة الصعبة التي يقف على رأسها السؤال المتعلق بموقع مصر الجديد بالنسبة للقضية الفلسطينية، وانتقالها المؤكد من موقع الوسيط بين "إسرائيل" والطرف الفلسطيني كما كان الحال طوال الفترات الماضية، إلى موقع المنحاز للطرف الفلسطيني.
فموقع مصر الجديد بالنسبة للقضية الفلسطينية سيعطي تفعيلاته بالنسبة لأكثر من عنوان، منها ما يتعلق بحصار قطاع غزة على سبيل المثال، ومعبر رفح، والأنفاق التي كانت وما زالت ممراً للحجر والبشر والغذاء والدواء في ظل الحصار الظالم المضروب على القطاع منذ سنوات خلت، والعلاقات مع حركة حماس، وحتى الانتشار العسكري المصري في سيناء، وهو الانتشار الغائب منذ توقيع معاهدة كامب ديفد عام 1979، والذي يتوقع له أن يعاد النظر به بعد أكثر من ثلاثين عاماً من توقيع معاهدة كامب ديفد التي حظرت أي وجود عسكري للقوات المسلحة المصرية على أرض سيناء التي تبلغ مساحتها أضعافا عدة من مساحة أرض فلسطين التاريخية.

والسؤال الأصعب في "إسرائيل" الآن يدور حول مستقبل العلاقات بين النظام الجديد في مصر بشخص رئيسه وبين حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حتى في ظل وجود المجلس العسكري وسلطته ومرجعياته وغياب البرلمان. فالدولة العبرية تعتبر الآن أن العمق الحيوي وحتى البشري لحركة حماس بات موجوداً، وأنها (أي حماس) أصبحت في وضع أفضل بكثير من السنوات الماضية التي كانت فيها العلاقات بينها وبين الجهات الرسمية المصرية متوترة على الدوام، فضلاً عن المتابعة الدقيقة التي كانت تقوم بها الاستخبارات العسكرية المصرية والمخابرات العامة لكوادر حركة حماس وأعضائها أثناء انتقالهم من وإلى القطاع، والقيام باعتقالهم بعضهم إن لزم الأمر.

سلام أبرد من البارد

إن التقديرات "الإسرائيلية" المستقاة من التصريحات والمواقف ومن الصحف العبرية التي صدرت على التو بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في مصر، تتوقع أن تسير العلاقات المصرية "الإسرائيلية" باتجاه سلام "أبرد من البارد" في أحسن الأحوال وعلى كل الصعد، بما في ذلك على صعيد الاتصالات السياسية المعتادة بين الدول وحتى على صعيد الدور المصري الكلاسيكي بالنسبة للموضوع السياسي الفلسطيني والتفاوضي مع "إسرائيل".

لكن وبالمقابل، فإن التقديرات "الإسرائيلية" السريعة تتوقع وقوع ارتباكات كبيرة في الساحة المصرية الداخلية نظراً لحداثة "الإسلاميين" في تجربتهم القيادية على مستوى بلد كبير كمصر، ونظراً لوجود إرث ثقيل يلف الوضع المصري الجديد برمته، وهو إرث تغوص فيه مصر في المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى الأمنية (شبه جزيرة سيناء هي مثال فقط على ذلك)، وهو ما سيضطر الرئيس الجديد -حسب الوجهة الإسرائيلية- إلى إيجاد السبيل لمنع الإفلاس الاقتصادي لمصر، والتأكد من أن الدولة ستواصل تلقي القروض الكبيرة من الولايات المتحدة ومن الأسرة الدولية، ولهذا الغرض سيضطر الرئيس الدكتور محمد مرسي إلى "ابتلاع الضفدع" الذي يسمى "اتفاق السلام مع إسرائيل" ومعاهدة كامب ديفد.
كما تتوقع المصادر "الإسرائيلية" وقوع الرئيس الجديد تحت اختبارات قاسية سيضطر فيها إلى أن يقرر ما إذا كان في نيته السير نحو مواجهة مع المجلس العسكري الأعلى أم ربما يجد السبيل الوسط، الذي يسمح لطرفي القوة هذين بأن تستقر مصر.

وعليه، تقدر أجهزة الأمن "الإسرائيلية" أن على الرئيس الجديد أن يتصدى لثلاث مشاكل فورية. أولاها تخفيف مستوى التوتر مع الجيش وخلق صيغة جديدة للتعايش بين المؤسسة العسكرية والرئاسة.
والثانية تعريف صلاحيات الرئيس في ظل غياب دستور جديد وبرلمان منتخب (فالمعركة على صلاحيات الرئيس في الجمهورية المصرية الثانية من شأنها أن تظهر كمعركة ضروس).

وثالثتها إيجاد صيغة ترضية لمجموع القوى المصرية التي شاركت في الثورة ولكنها خرجت من دائرة القرار مثل شباب الثورة، الذين صوتوا للإخوان المسلمين بصفتهم "أهون الشرور"، على حد تعبير إحدى الصحف العبرية.

 

تحليلات ـ الجزيرة نت

Total time: 0.0625