اخبار الساعة
هو أبو الفتوح عبد الله بن عبد القادر بن أحمد بن محمد التليدي الحسني. ولد بقرية الصاف من قبيلة بني غرفط سنة 1347هـ
تربى في محيط بعيد عن السنة، ويلمز أهلها بمجانبة الملة، وجلس على هذا سنوات عديدة ومع هذا ففي شخصيته ذكاء ونبوغ، وجلد وصبر على الطلب، سريع الغضب، وعصبي المزاج، لكن ما يفيء إلى رشده إلى ويعيد النصاب إلى الميزان، فهو مع تلك الشخصية القوية، قوي على نفسه، رجاعٌ إلى الحق، متأسف على خطأه حالة تعصبه .. ثم يبحث بالدليل .. ويتبع ما يرى أنه الحق نسبه يعود إلى آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام من أبناء الحسن رضي الله عنهم.
نشأ كأي ناشئ للعلم بحفظ كلام الله عز وجل، ثم ذهب إلى قرية [امجازليين] وقرأ عدد من المتون التي يبدأ بها الطالب، ثم التحق بمعهد طنجة الديني، ولم يعجبه سير الدراسة، وفي السنة الثانية بدأ يلتحق بأهل العلم داخل وخارج هذا المعهد، ويدرس ما رأى هو الأصلح والأنفع دون تقيد بدراسة المعهد .. ودام على هذا ثمان سنوات يقرأ على علماء طنجة .. وهي تعتبر دراسته الابتدائية والثانوية .. ورضع فيها الأشعرية والصوفية..
ومن صور هذا التعصب المقيت البعيد عن هدي طلاب العلم واتباع الهدي النبوي المحمدي، والذي يبين لك صور من صور التشكل الفكري للتربية الصوفية!! المسماه (أخلاقية) .. وآفة التعصب المذهبي!!
يقول الشيخ أبو الفتوح عن نفسه:
"وبما أنه كان قد قرأ الفقه المالكي وتمكَّن فيه أصبح متعصباً للمذهب تعصُّباً مُزرياً بدينه وبأخلاقه؛ بل وبإنسانيته ... فقد كان كثير الخصام والجدال مع الطلبة المتفتحين الذين يراهم يحافظون على العمل بالسنن، كوضع اليمنى على اليسرى في الصلاة أو رفع الأيدي عند الركوع وعند الرفع منه ... وما إلى ذلك مما خالف به المالكية السنن الصحيحة.
فكان لذلك ينكر عليهم ويعاديهم ويراهم في نظره مبتدعة كما كان يسمعه من شيوخه الذين تلقى عنهم الفقه. فقد كانوا كثيراً ما يحذرون الطلاب من أهل الحديث الذين يعملون بالدليل من غير تقيُّد بمذهب خاص، ويرمونهم بالزندقة والخروج من الإسلام، وسمع مراراً شيخاً له ينكر على الوضع ويقول مشيراً للعاملين به: {ويقبضون أيديهم، نسوا الله فنسيهم، إن المنافقين هم الفاسقون}
فهذا وأمثاله هم الذين ربوه على التعصُّب وتقليد الإمام مالك وعلماء مذهبه، وإن كانوا مخالفين لصريح السنَّة الصحيحة، فتأثر بذلك ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للحق؛ بل كان قد رَسَخَ في مخيلته أن كلَّ ما في كتب الفقه مبنيٌّ على الكتاب والسنة، حسب ما كان يسمع من شيوخه القاصرين الذين لا صلة لهم بالحديث النبوي والسنة المحمدية إلا من جهة السماع والتبرُّك)
[ذكريات من حياتي ص44-45].
وهذه ما هي إلا صورة تكشف لك ما يعتقده متعصبة المذاهب من الأشعرية الصوفية وغيرهم لأهل السنة، وما وصل إليه هذا الطالب الذي غُرر به في بداية الطلب وحقن قلبه غلاً عليهم إلا التكفير!! والنظر إلى المهتدي بالسنة على أنه مجانب للحق، بل للإسلام!!
ولا تنسى التأمل إلى حقيقة قراءتهم للسنة؛ فما هي إلا للتبرك فقط!!
وتمعن تألم هذا الشيخ الفاضل ممن كان سبباً في تعصبه وحقده وبغضه وعدائه لأهل السنة!!
وأنظر إلى استدلاله بالآية كما مر معنا سلفا، وتأمل استدلالات أهل الأهواء المتعصبين وهذا غيض من فيض، تحريف للآيات والأحاديث وليّ لأعناق النصوص لتوافق مذهبهم المنكوس!!
ومن تلك الصور العجيبة التي تدلك على تعصب أشياخه الأشعرية الصوفية، قوله:
"كان مرة أيام عطلة الصيف قد اشترى "زاد المعاد" للحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى، واعتكف على قراءته ووجد لقراءته حلاوة ونشوة، وبعد أن قطع شوطاً ذكره لبعض شيوخه المشاركين الأتقياء، فقال له: ائتني به، فلما أتاه ونظر عنوانه ووجده يحمل اسم "زاد المعاد في هدي خير العباد" للإمام الحافظ شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن القيم الجوزية الحنبلي، قال له: إنَّ هذا على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، ونحن مالكية فلا يجوز لنا العمل به أو نحو هذا" ص45
ولقد كان لشيوخه الاشعرية الصوفية المتعصبين الصوفيين أثراً سيئاً في مقتبل عمره، ولقد أبعدُهُ عن السنة، يقول في ذلك:
يقول عن نفسه "واقتنى مرة شرح الإمام النووي رحمه الله تعالى على صحيح مسلم، فافتتح مطالعته، وقطع فيه شوطاً أيضاً، ووجد النووي يرجِّح ما في الأحاديث ويزيِّف ما سواها من المذاهب، فتحيَّر في ذلك وبعد مدة مال إلى طريقة النووي في العمل بالحديث، فشاور الشيخ المتقدِّم في اقتناء الكتاب فحبَّذ له ذلك، ثم قال له: إن طريقته كيت وكيت فهل يمكن للإنسان أن يترك المذهب ويعمل بالحديث، فغضب غضباً شديداً وقال: لا لا إن فقهنا مغربل والحديث فيه الناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيَّد، والعام والخاص ... ونحن لا ندري تطبيق ذلك، وأئمتنا رحمهم الله قد كفونا المئونة في ذلك فخدموا لنا الدين وتركوه لنا صافياً ... أو كلاماً نحو هذا.
فكان كلام هذا الشيخ عفا الله عنه مثبطاً له عن الاشتغال بعلم السنة والعمل به حتى منَّ الله تعالى عليه بذلك كما يأتي ذلك .. " ص45-46.
هذه هي صورة فالاشعرية الصوفية الذين يدرسون الحديث للبركة لا للعمل به، فيحجبون طلاب الحق عن رؤية الحق .. والله المستعان.
ولقد كان في تلك الفترة زوايا وتكايا الأشعرية الصوفية ومساجدهم، يدرسون البردة
يقول عن نفسه : "ثم بعد الدرس يذكرون الله تعالى ذكراً جماعياً، ثم يقرؤون بردة المديح يتخلَّلها سماع بعض المنشدين، ثم يختمون بقراءة دلائل الخيرات، هذا كان دأبهم" ص46.
بعد ذلك رحل الشيخ إلى فاس للالتحاق بجامعة القرويين، ولم يدم طويلاً بسبب الأوضاع الغير مستقرة في المنطقة من أثر الاستعمار، فاكتفى وعاد لبلده، وفي بلده بدأ يعلم، ويحضر لدى عدد من شيوخه
يقول عن نفسه :" عرض احتفال ديني في بعض المساجد، فحضره مع أولئك الطلبة سوياً، فإذا به يفاجأ بالمنشدين مع استعمالهم آلات العزف، فأنكر ذلك واغتاظ، وقال لطلبته: الضرب بآلة العزف وبالمسجد حرام، فكيف يتعطاه هؤلاء؟ فطمأنوه، وقالوا له: إن هؤلاء فيهم علماء، وهم أعرف بذلك منا، فسكت مجاملةً لهم" ص51
وبعد هذا أتت نقلة نوعية للشيخ، والتزم بالحديث وأهله، وإن كانت نقله نوعية فيها ما فيها وعليها وما عليها، ولكنها زعزعت فيه جموده الفكري، وتعصبه المذهبي، فانتقل إلى المدرسة الصديقية القبورية البدعية الغير مذهبية، ومن خلالها تعرف على عدد كبير من الموافقين والمخالفين لهذه المدرسة الصديقية من طالبي علم الحديث، وانفتح على الخارج، ويقول عن هذه الفترة:
"وفي هذه الأثناء اتَّسعت دائرته العلمية، وذهب عنه جمود المقلدة المتعصِّبين، وحُبِّبَ إليه العمل بالسنة والدليل، ووجد عند هؤلاء العلماء من أنواع الثقافة الإسلامية الشاملة ما لم يسمع به عند المشايخ وما يسمون عند الناس في طنجة بالعلماء والفقهاء .. بل حتى علماء فاس ووجد نفسه كأنه ولد من جديد، أو كأنه كان ساكناً في غرفة ضيقة فخرج منها إلى فضاء واسع فسيح"
وبدأ مرحلة جديدة مقاطعاً الطاعنين في أهل الحديث، يقول عن ذلك:
"وعندما حَبَّبَ الله إليه الحديثَ النبويَّ، وهداه للعمل به دون ما سواه من الأقوال المخالفة له، وأصبح مخالفاً لما عليه الجماهير من أهل بلده، رماه جماعة من أهل العلم ومعارفه بالانحراف عن الحقِّ، وطعنوا فيه، وسلقوه بألسنتهم، وتنكَّروا له، فقاطعهم جميعاً، وانسحب من تلك الجمعية القرآنية، ولم يعد يتَّصل بغير أهل الحديث، والمنصفين من غيرهم، وأقبل على شأنه ومطالعة ما يهمُّه من كتب التفسير والحديث والفقه الإسلامي المقارن والرقائق والزهديات"
وخلال هذه الفترة قد أنكر بعض البدع مثل الحداد، وعدم إقامة الأضحية لموت فلان من الناس، فيقول : "من البدع الضالَّة التي اعتادها أهل العصر خلافاً لما جاء به الهديُ النبوي" ص54.
تأمل!! الفرق بين حياته السابقة وحياته بعد أن التقاء بأُناس يهتمون بالحديث وهم على دخن!!
ثم شد الرحلة لرؤوس تلك المدرسة كأحمد بن الصديق الصوفي في منفاه، ودرس عليه وتأثر به، وبايعه على طريقته الشاذلية وأجازه فيها!!
عاد بعد ذلك لطنجة بعد عودته حصل له الإنكار لما عليه من معتقد الاشعرية الصوفية
يبين لك الشيخ عقيدته وتدرجه إلى أن ترك عقيدة الأشاعرة وتاب وتمسك بعقيدة أهل السنة، حيث يقول عن نفسه:
" كان في بداية أمره على مذهب الأشاعرة المتأخِّرين الذين مَزَجوا عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى الحقَّة ببعض عقائد المعتزلة، لكنه كان له مَيْلٌ إلى مذهب السلف لقراءته أيام الطلب رسالة ابن أبي زيد القيرواني مراراً، وعقيدته المذكورة في رسالته سلفيَّةٌ مَحْضَة.
ولما اتصل بشيخه الحافظ أبي الفيض رحمه الله تعالى أعطاه كتاب "التوحيد" لابن خزيمة، و"الاعتقاد" للبيهقي، و"الدرة المضيئة" وأمره بقراءتها، فلما قرأها، وقرأ معها "العلو للعلي الغفار"، و"اجتماع الجيوش الإسلامية"، و"الإبانة" للأشعري، و"الطحاوية"، و"لمعة الاعتقاد" خرج من قراءتها كلها باعتناق مذهب السلف، فأصبحت بفضل الله تعالى عقيدته سلفية محضة، وزاد تمكُّناً في ذلك، بعد أن قرأ كثيراً من كتب التفسير وشروح الحديث التي تتعرَّض لمذهب السلف والخلف.
وهو ينصح أهل العلم بقراءة عقيدة ابن أبي زيد القيرواني، و"العقيدة الطحاوي"، و"الاعتقاد" للبيهقي، و"الإبانة" للأشعري ... رحمهم الله تعالى" ص96.
وكذلك أثرت هذه النقلة على مذهبه الفقهي، ومنهجه في التلقي فيقول بأنه:
"يأخذ بما دلَّ عليه الدليل من الكتاب والسنة الصحيحة، دون تقيُّد بمذهب من المذاهب المعروفة، إلا إذا تعارضت الأدلة، وتشعَّبت الأقوال، فيختار أحوط ما قال به بعض الأئمة" ص97.
ولقد تاب وآب مما تلقنه المدرسة الصوفية الصديقية الغمارية من سب بعض الصحابة رضي الله عنهم فيقول عن نفسه:
"أنه كان يسبُّ معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وسَمُرة بن جندب، ثمَّ رجع عن ذلك، فحرَّق كتاب "النصائح الكافية" لابن عقيل الذي أُلِّف في معايوة وأضرابه وأتباعه ... وينصح بعدم قراءته للمُبْتدئين، لأنه مليءٌ بالأباطيل والأكاذيب التاريخية" ص106
نسأل الله له الرحمة والمغفرة، ومن هذا المعين، فقد ألف عدداً كبيراً من الكتب يزيد على الثلاثين مؤلفاً، تراجع عن عددٍ منها، وهو غير راضي عن عددٍ آخر .. ومن مؤلفاته:
1- تهذيب جامع الترمذي.
2- تهذيب الخصائص الكبرى
3- جواهر البحار بصحاح الأحاديث القصار
4- إتمام المنة بشرح منهاج الجنة في فقه السنة
5- دلائل التوحيد انطلاقاً من القرآن والكون
6- تهذيب الشفا
7- الجواهر والآلئ المصنوعة بتفسير كتاب الله بالأحاديث الصحيحة المرفوعة
8- نصب الموائد في الفتاوى والنوادر والفوائد
9- أسباب هلاك الأمم
10- المبشرون بالجنة
11- الأنوار الباهرة في فضائل الذِّرية الطاهرة
12- فضائل الصحابة في القرآن والسنة وموقف الشيعة منهم
13- تهذيب الاستنفار في غزو التشبه بالكفار
14- القدس وكيف احتله الصهاينة؟
15- المرأة المتبرِّجة وأثرها السيء في الأمة.
16- أهل السنة والشيعة بين الاعتدال والغلو.
17- بداية الوصول بلُبِّ الأمهات والأصول.
نسأل الله لنا وله المغفرة والجنة، كان رحمه الله منبراً وعلماً .. وما زال .. مقصداً ومرشداً .. نبذ التصوف، وحارب التقليد، وغزا التعصب وأهله، وتاب لعقيدة أهل السنة، وترك الأشعرية!!
فهو نبراس .. وأسوة .. حياته جهاد وكفاح .. في طلب الحق
فحقيقٌ بهؤلاء أن يرشدوا ويعودا .. ويتأسوا بهؤلاء الأعلام .. أئمتكم وعلمائكم وكبرائكم الذين عادوا للحق، ونبذ الشرك والتأويل والتحريف، واحرقوا خِرقَ الإدعاء .. ليصفوا بصفاء السنة، ويتمسكوا بعقيدة أهل السنة .. فالله الله بأنفسكم خيراً، والعاقل يعقل ويتفكر .. وإن في قصص هؤلاء لعبرة وعظة .. فهل من معتبر؟!!
المصدر: حساب فضل السلف على الخلف