الكل يشكو من الإقصاء وعدم التقبل من الآخر ، والكل يدعوا إلى عدم الإقصاء وإلى تقبل الآخر ، ولكن الكل كذلك يمارسون الإقصاء ولا يتقبلون الآخر! ، معادلة غريبة وعجيبة فالكل يتشارك في الشكوى وفي الدعوة وفي الممارسة كذلك ، والسبب الوحيد في وصولنا لهذا ، أننا حولنا الاختلاف المحمود إلى الخلاف المذموم ، لتصبح المشكلة في فقداننا لحرفي (الألف والتاء) ، ففي فقدانهما حولنا اختلافنا في الفكر والآراء وتنوعنا الرائع ، إلى خلاف دائم يحاول فيه كل شخصٍ منا أن يجبر الآخر على إتباع فكره ورأيه ، ما لم فأن هذا الآخر هو عدونا اللدود الذي لا نستمع رأيه دائماً وأبداً ، والذي دائماً ما نتهمه ونضطهده ونحاول بكل ما أوتينا من قوةٍ أن نقصيه ونبعده ، وبعد كان شعارنا: "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" ، أضفنا له لا النافية ليصبح شعارنا: "رأيي صواب لا يحتمل الخطأ ورأي غيري صواب لا يحتمل الخطأ" ، وكم تهنا وتخبطنا كثيراً بعد فقداننا لحرفي (الألف والتاء) ، فأصبح الخلاف محوراً لحياتنا اليومية! ، فأينما ولينا وجوهنا نجده تجاهنا !!
ولا أظن بأننا سنحتاج للكثير لنتجاوز ذلك ، فبالعودة إلى ما نتفق عليه سنتجاوز الكثير ، وباعتقادنا بما نشاء وتركنا للآخر حريته ليعتقد بما يشاء سنتجاوز ما تبقى ، وهذا لأجل الكل سواء لمن أراد المصلحة العامة أو المصلحة الخاصة أو كلاهما معاً ، فالمصلحة العامة تكمن في تعاون الجميع وبناءهم بيدٍ واحدة ، والمصلحة الخاصة لا يمكن لها أن تتم في ظلِ مجتمعٍ متناحر ، ينتظر كُلاً منهم الفرصة ليطعن ويُجّرح بالآخر! ، أو ربما ليقتله لو أتيحت الفرصةُ له !!
ولماذا لا نسأل أنفسنا عن المستفيد من سعينا الدائم وراء خلافاتنا ورمينا لاتفاقاتنا عرض الحائط؟ ، إلا إذا كنا قد حملنا آخرين مهمة التفكير بدلاً عنا ، لأننا قد رمينا بعقولنا عرض الحائط! ، أسوة بما فعلناه لاتفاقاتنا ؟!
ولماذا يُقصي كُلاً منا الآخر؟ ، والإقصاء دليلُ ضعفٍ لا قوة! ، فمن نخاف منه ومن تأثيره هو الوحيد الذي نجتهد في إقصائه وإبعاده ، أما من لا خوف منه ولا تأثير له فيجيبه المثلُ القائل: "الكلاب تعوي والقافلة تسير" ، فيا ترى هل باستطاعتنا أن نصبح أقوى؟ ، وأن نترك لكل طرفٍ حريته في اعتقاده ما لم يتعدى على حرية اعتقادنا ، أم أن مهاراتنا توقفت ولم تعد تتقنُ سوى دور الضعيف الخائف ؟!