اخبار الساعة - د.طارق الحروي
شاءت إرادة الله تعالى جل في علاه وحكمته في علمه وقضائه وأقداره عندما قسم أرزاقه وخيراته وأنعامه على عباده في كل جزء من أجزاء المعمورة وقرر أن يكون مكانا لتجمعات العباد من خلقه تمهيدا لنشوء الحضارات، إلى توزيعها بصورة تضمن من خلالها تحقيق الغاية الأساسية من وجود الإنسان على وجه الأرض باعتباره وأقرانه يعيشون على ظهر مركب واحد، ألا وهي الحاجة الماسة ذات الطابع المصيري لبعضهم البعض، مهما بلغت درجة حدة الخلافات والاختلافات فيما بينهم؛ جراء بقاء واستمرار ومن ثم اشتداد حدة الصراع والتنافس القائم...،كإحدى أهم سنن الكون.
- في اتجاه تعزيز أواصر التعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة وصولا إلى الاندماج والتوحد فيما بينهم، بهدف احتواء الكثير من جوانب القصور الحادة وسد النواقص وصولا إلى التمكن من قضاء الحاجة، بصورة تتقارب وتتجاذب من خلالها احتياجات البشر مع بعضهم البعض ومن ثم مصائرهم وأقدارهم وصولا إلى التكامل البشري كأمة واحدة منحدرة من أصل واحد.
- ونقصد بها هنا على وجه التحديد تلك الأرزاق والخيرات والنعم التي ميز بها قوم عن قوم وأرض عن أرض، والتي في حال سعت الأمة وراء وضع اليد عليها بإحكام في اتجاه استثمارها على خير وجه، لتمكنت من الارتقاء بواقعها الى المستوى المنشود الذي يحقق الحياة الكريمة لكل أبنائها والتي بها تحفظ إنسانيتهم وتغطي كل احتياجاتهم ومتطلباتهم في الجانبين المادي والمعنوي.
- ومن هذا المنطلق فإن اليمن دولة وشعبا بعد الاندماج في كيان سياسي واحد عام 1990م إن كانت قد حصلت على فرصتها الذهبية الضائعة منذ زمن طويل جدا باتجاه البحر، في ضوء استمرار تنامي طبيعة ومستوى ومن ثم حجم المزايا والامتيازات الاستراتيجية المتعاظمة التي فرضها متغيري الموقع الاستراتيجي والحدود البحرية الطويلة الفريدة من نوعها، إلا أنه لم يتاح لها المجال واسعا إلى حد ما من أن تقبض عليها بكلتا يديها إلا منذ بدء إرهاصات حل حيثيات الملف السياسي الداخلي بأبعاده المختلفة- وفقا- للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة عام2011م كامتداد لما حققته من نجاح في حل حيثيات الملف السياسي الإقليمي بأبعاده الدولية- وفقا- لاتفاقيات ترسيم الحدود مع جيرانها واتفاقية جدة عام 2000م منها- بوجه خاص- في ضوء ما وفرته من احتمالية متنامية إلى أبعد الحدود لإمكانية إطباق اليمن على نطاق حدود هذه الفرصة من كل جانب وبدون أية عوائق تذكر.
- وتأسيسا على ما تقدم فأن البحر يجب وليس ينبغي أن يصبح محور الارتكاز الأساسي للدولة اليمنية المنشودة، كي يتسنى لليمن دولة وشعبا أن تعرف معرفة تصل حد اليقين طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الأرزاق والخيرات والنعم التي وضعها الخالق جل في علاه فيه ووهبها من خلاله لها ومن خلالها لباقي عباده ليس هذا فحسب.
- لا بل وأين شاء بإرادته وقدرته تخزينها في المناطق الساحلية وليس الجبلية والحفاظ عليها إلى حد اليوم، بالاستناد إلى طبيعة الحكمة التي أرادها لليمن دولة وشعبا منها، كي تستعيد عافيتها المفقودة وكرامتها المهدورة ومن ثم دورها الأساسي والمحوري الذي اضطلعت به في نشوء الحضارات منذ بدء الخليقة إلى وقت ليس بالقريب ليس هذا فحسب، لا بل وأية الطرق الواجب إتباعها للوصول إليها وتحقيق الغاية منها بمراعاة عامل الوقت السرعة والكلفة.
- في ضوء ما حازت عليه من مزايا إستراتيجية فريدة من نوعها يتوقع أن تتمكن من خلالها فرض سيطرتها ومن ثم هيمنتها على شئون المنطقة بأبعادها الدولية والإقليمية، فرضها إلى حد كبير متغيري الموقع الاستراتيجي والحدود البحرية الطويلة، رفعت من رصيدها وشأنها في استراتيجيات القوى الدولية والإقليمية إلى أعلى المستويات، بحيث نالت مكانة مرموقة فيها قبل أن تبدأ في استغلالها للنهوض المنشود وتوظيفها بما يُعلي من شأنها داخليا وخارجيا.
- فاليمن دولة وشعبا ضمن هذا السياق يجب وليس ينبغي أن تخرج كليا من إطار الشرنقة الضيقة التي وضُعت بها ووضعت نفسها فيها منذ فترات طويلة جدا وتعد نفسها إعدادا تاما للقيام بأدوارها القومية لا بل والعالمية- وفقا- لأقدار ومصائر أبنائها المحفورة في التاريخ الإنساني العالمي القديم والإسلامي (والحديث) أما لماذا ؟ نرد على ذلك بالقول لان اليمن لم يخلق أبنائها كي تبقى حياتهم دائرة في نطاق حدود إشباع حاجتهم الذاتية ذات الطابع المادي.
- بل يقع على عاتقهم حملا كبير إزاء الإنسانية والعالمين العربي والإسلامي، فرضته كافة المعطيات الظرفية السائدة في البيئتين الداخلية والخارجية منذ ألاف السنوات الماضية في ضوء الأدوار المحورية التي تولت تأديتها بجدارة واقتدار منقطع النظير، وهو الأمر الذي يعني بوجود ضرورة أصبحت أكثر إلحاحا من أية وقت مضى أن يبدأ اليمنيون بترتيب كافة أولويات بيتهم الداخلي في اتجاه البحر مصدر استعادة اليمن دولة وشعبا لمكانتها المرموقة في العالم، بما يؤمن لهم تلبية كافة احتياجاتهم المادية والمعنوية في حياة كريمة كتبها الله لهم، كي يتسنى لهم أن يتفرغوا بصورة كلية لإحياء دورهم المحوري في التاريخ الإنساني بدون منازع. وللحديث في هذا الأمر بقية ,,,,,,,,,,,,,,
والله ولي التوفيق وبه نستعين
([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.
المصدر : الكاتب