قصتان قصيرتان
د.ماجدة غضبان
الصورة
كان آخر ما تبقى منها صورة بإطار خشبي على جدار قديم يكاد أن يصير هباء. وكان آخر ثوب رث لي معلقا على مسمار صدئ جوارها، مددت يدي صوبه بحذر شديد كأني أخشى على الحائط أن يتهاوى. إرتديته على عجل دون أن أغير الثياب التي أصبحت تحته متوقعا قسوة الطقس في الخارج. صفعتني يد الريح القوية وأنا أقفز الى الشارع حين تناهى الى سمعي صوت زجاج الصورة وهو يتحطم. شغلني الفضول للحظة فاستدرت الى الداخل. كان الجدار يتهاوى حقا ككتل طينية ضخمة، يسحق ما تبقى على الأرض من شظايا الإطار الخشبي. تلقفني البرد من جديد وأنا أعدو مبتعدا قدر ما استطعت، يشيعني صخب انهيار البيت، جدارا بعد آخر.
المُبْصِر
أجلس قرب الشجرة التي في السوق أشم أريجها كل يوم من الضحى حتى الظهيرة، ومن العصر حتى الغسق. أرسم في مخيلتي صورا صاخبة للباعة وهم يزعقون مروجين لبضائعهم، وصورا أخرى ملونة وفاتنة للنساء اللواتي يسألن بأصوات أنثوية ناعمة عن ثمن البضائع. أحيانا كان يقطع انسيابية انزلاق الصور والأصوات في عالمي صوت أحدهم وهو يلقي بالتحية علي، فأجيبه متعجلا وبانزعاج. ولم يكن يشغلني كثيرا كيف أحك الجزء الأعلى من ساقيّ المبتورين بالجزء الأسفل من ذراعي المقطوعتين بقدر ما كان يشغلني صوتها عند قدومها وهي تقول:
ـ مرحبا. جئت لأسمع قصيدتك الجديدة وأنا أدفع كرسيكَ حتى المنزل، ثم أكتبها هناك وأضيفها الى قصائدك.
فأقول لها:
ـ أخبريني هل احمَرَّ خيط الشمس؟
وتجيب ضاحكة كأنها تعلم ماذا سأقول:
ـ أجل، إنه يحمر.
ـ والعصافير التي على الشجرة، هل عادت؟
ـ أجل، لقد عادت، تجيب بمرح يرن كجرس في صوتها.
ـ لنعد نحن أيضا، أقول وأنا أشم عطرها.
ـ أجل، لنعد.
ويختفي صرير دولاب الكرسي في دهليز أحد المنازل.