إذا كانت قضايا المرأة من المواضيع الحساسة في الدول العربية ،فإن موضوع تعدد الزوجات يعتبر أكثرها حساسية ، ويصبح مجرد الحديث عنه تعديا على الأحكام الشرعية وإنكارا لها مهما كان ما تكتبه أو تدعو إليه، بينما عند الحديث عن قضايا أخرى متعلقة بأحكام الشرعية أخرى مثل الزواج والطلاق لا تكون ردود الأفعال بنفس الحِدة كما في موضوع التعدد.
وكأن الموضوع إكتسب مع الزمن حصانة، فأصبح من الصعب المساس به حيث أُعتبر حق مُطلق للزوج لا يمكن التفاوض فيه، بالرغم من أن معظم الكِتابات لا تكون حول الحكم الشرعي نفسه، وإنما حول الممارسات السلبية التي يقوم بها البعض عند إساءة استخدامهم لهذا الحكم ، وحول كيفية ضبط عملية التعدد ،ووضع القوانين التي تكفل حقوق جميع الأطراف من أجل مصلحة الأسرة .
ولعل هذه الحساسية امتدت أيضا إلى قانون الأحوال الشخصية في عُمان حيث تم إغفال معالجة هذا الحكم بصورة قانونية واضحة ، ولم يُذكر في باب منفصل ببنوده ونصوصه مثله مثل باقي المواضيع الموجودة والتي هي في الأصل أحكام شرعية مثل الزواج والطلاق والعدة والولي وغيرها ،و يذكر بإقتضاب ضمن سياقات ثلاث لبنود أخرى ، وتُرك الأمر ليعتبر حقا مُطلقا يمارسه الزوج حيثما شاء ووقتما شاء، مهما كانت قدراته وظروفه وإمكانياته، على الرغم من أنه من أهم المواضيع التي من المفترض أن تُسن لها قوانين ضابطة لعدد الأطراف المرتبطة بالموضوع.
وموضوع التعدد كغيره من الأحكام الشرعية أشبعه الكثير من المفسرين والمفكرين بحثا وتمحيصا ، والعديد منهم توصلوا لآليات لضبط التعدد تتسق وعدالة التشريع الإسلامي ،ومن هذه الآليات ما تم إعتماده في مدونة الأحوال الشخصية في المغرب والذي يعتبر حتى الآن من أفضل قوانين الأحوال الشخصية العربية لإعتماده الشريعة الإسلامية في صياغة بنوده ،ولآثاره الإيجابية التي انعكست على الأسرة والمجتمع في المغرب حيث ارتفعت نسبة الزواج ب 9% وانخفضت نسبة الطلاق ب 1.2 % و زادت حالات الصلح بين الأزواج بنسبة 14.5% خاصة بعد التعديلات الأخيرة في مدونة الأحوال الشخصية المغربية ومنها التعديل في موضوع التعدد.
وينص القانون في المغرب بإختصار: أن على الزوج التقدم بطلب إلى المحكمة لسماح له بالتعدد وأن يكون مستوفيا لشرطيّن أساسييّن عند تقديم الطلب : وجود المبرر والمقدرة، ومن ثم تجري المناقشة في غرفة المشورة بحضور الزوجين، ويستمع إليهما لمحاولة التوفيق والإصلاح، ثم للمحكمة أن تأذن بالتعدد ، إذا ثبت لها مبرره الموضوعي ، وتوفرت شروطه الشرعية، مع تقييده بشروط لفائدة المتزوج عليها وأطفالهما ولا يتم العقد مع المراد التزوج بها إلا بعد إشعارها من طرف القاضي بأن مُريد الزواج بها متزوج بغيرها ورضاها بذلك.
أما إذا ثبت للمحكمة من خلال المناقشات تعذر استمرار العلاقة الزوجية، وأصرت الزوجة المراد التزوج عليها على المطالبة بالتطليق، حددت المحكمة مبلغا لاستيفاء كافة حقوق الزوجة وأولادهما الملزم بالإنفاق عليهم، ثم تصدر المحكمة بمجرد الإيداع حكما بالتطليق.
وكما نرى أن القانون تأكد من مقدرة الزوج أولا ، ومن ثم أعطى فرصة للحوار والصلح والمناقشة واحترم حقوق جميع الأطراف ، وكذلك أعطى الحرية للزوجين في إختيار ما يراه مناسبا له وفي تحديد مصيره في حياته الزوجية.
يستطيع المُشرع في عُمان أن يستفيد من هكذا تجربة معتدلة، أو يعدلها ويطورها بما يتناسب وخصوصية المجتمع العماني ومن حيث ظروفه الشرعية و الإجتماعية.
إن وجود قانون ينظم التعدد أصبح من المواضيع التي لم يمكن تجاهلها والسكوت عنها لما له من أهمية بالغة في استقرار الأسرة واستمرارها ولضمان حقوق أطراف متعددة ، كما أن المطالبة بذلك لا ينبغي أن تأتي من النساء فقط وإنما أيضا من الأخوة الرجال ، فتخيل أخي القارئ أن زوج إبنتك الذي أنت تعلم بتقصيره مع ابنتك من حيث قدراته وإمكانياته تخيل أنه يفاجئك برغبته بالزواج من أخرى ، ألن تود حينئذ أن تمتلك قانونا تلجأ إليه لحماية ابنتك ولضمان حقوقها ؟؟
أو تخيل لو أن أختك سواء كانت زوجة أولى أو ثانية أو حتى ثالثة تأتيك لتشتكيك عدم عدالة زوجها وأنت تعلم أنها تقوم بكامل واجباتها الزوجية ، ألن تتمنى حينئذ أن تمتلك قانونا تلزم فيه زوجها بضرورة العدالة؟؟
إن المشكلة في موضوع التعدد اليوم ليست من الناحية الشرعية ، لأن للتعدد باب واسع في الفقة تنبثق منه أحكام شرعية تكفل حقوق الزوج وزوجاته وأطفالهم ، ولكنها هي قضية قانونية واجتماعية بالدرجة الأولى ، فمن الناحية القانونية تُحتم ترجمة فقه التعدد إلى بنود ونصوص قانونية ، ومن الناحية الإجتماعية تُحتم التوعية بأهمية الأسرة وبكيفية حماية استقرارها واستمرارها.
http://nesaaoman.net/disArticle.aspx?Aval=175