في السياسة كما في الاقتصاد وفي جميع المجالات ، لا يمكن تحقيق النجاح قبل تهيئة البيئة المثالية .
لن ينجح مؤتمر الحوار الوطني بدون قرارات جديدة وأعمال ملموسة لتهيئة البيئة المناسبة للحوار ، ولن تعود عجلة التنمية والاستثمار للدوران ، قبل تهيئة الظروف المناسبة والمحفزة للشركات المغامرة والتي لديها سياسات ورؤى بعيدة وأفاق واسعة لاقتحام الفرص حتى ولو كانت في اليمن .
ان تهيئة بيئة مثالية مرهون بأعمال جادة لمحاربة الفساد ، وهنا لا نستطيع ان نعرف سببا مقنعا يمنع السلطات الحالية من اتخاذ حلول عاجلة لمواجهة مشاكل الفساد , فما جدوى ان نتحدث عن جهود تعريف الفساد وتهديد مصادره , ونتجاهل محاكمة المفسدين واتخاذ الاجراءات العاجلة لمكافحة من خرجوا عن القانون ونهبوا المال العام وأساءوا للبلد .
ان كانت الحكومة وقرارات الرئيس قد وقفت عند اتخاذ عدد محدود من القرارات التي غيرت الافراد وبعض القيادات الفاسدة ؛ فما الذي يمنع ان تصدر قرارات حاسمة من اجل تهيئة الاجواء المناسبة للحوار الوطني ، وتجسيدا لإرادة سياسية تسعى لحل بعض القضايا والأسباب الرئيسية الملحة للقضية الجنوب مثلا , ومنها عشرات المظالم التي تمس حقوق الناس ومعيشتهم , وهي قضايا لا تؤجل ، ولا تتحمل انتظار الحوار والتسويات التي لا شان لها بمتطلبات حقوق الناس .
أتساءل لماذا لم تصدر قرارات شجاعة بخصوص التقارير والنتائج المسبقة لحوار اليوم والتي وردت في تقرير باصرة وهلال , وفي مجمل القضايا التي جبن النظام السابق عن التعامل معها بايجابية وبمنطق وبعدل ولما يجسد احلام التغيير من الاسوأ الى الاحسن و الاجمل على قاعدة الحكم الرشيد .
ان من مرارة وسخرية الزمن ان نسمع اليوم , بعد ثورة التغيير وبعد ان سكب افضل ابناء هذا الشعب دمائهم على ساحات التغيير برا وكرمانا ووفاء وتقديسا لهذا الشعب , ان تكون ادارة ملفات أمن البلاد وتامين المشاريع والبنى التحتية من المخاطر والتهديدات التي تواجهها بعقلية المساومة والرشوة , مع الافراد والمجاميع القبلية , دون التفكير بالحلول الصحيحة للمشاكل والدوافع التي تشكو منها تلك المناطق مثل مطالبة الدولة بمسؤوليتها التنموية ؛ وتعليق النظام وقتل أحلام الناس من جديد في زمن ولت فيه اسباب المراوغة وتعمد ان تظل الدولة ضعيفة ومنهوبة .
هل نجد الرئيس هادي يبدأ بتنفيذ المرحلة الثانية للقرارات الشجاعة , وان يعزز بذلك قراراته القوية التي اتخذها في بداية مشواره الرئاسي , والتي اتسمت بالحكمة وحققت طمأنينة كبيرة بمستقبل مبشر وواعد ؟
هل نجد حزمة جديدة من القرارات التي ينتظرها كل ابناء وطننا الحبيب وشعبنا في الجنوب ؟
انا اتحدث هنا عن القرارات التي لا تحتمل التأجيل , والتي تناقش الآن في كل منتديات عدن و( مقايلها ) وشوارعها .. في كل بيوتها المتضررة من ظلمات الحكم الشمولي الذي سلب الكثيرين اراضيهم ووظائفهم وحقوقهم .
لكي ينجح الحوار ، ولكي نتجاوز الازمة الاقتصادية ، وتكون حياة الاستثمار آمنه وبيئته مشجعة , يجب اولا ان ان يعود للمتعاقد مرتبه الذي حرم منه ،وللمظلوم حقه المنزوع ؛ فالمواطن ليس عليه ان ينتظر , او يتحمل عذاب البرد والجوع والحر والشتاء وخطابات الاحزاب , ليسهم في انجاح الحوار.
وهل على الاعمال والمشاريع والتطلعات والطموحات والصفقات والفرص التي يرغب المستثمرين باقتناصها , والشباب العاطل بتحريكها , ان تتأجل وان تخزن في ثلاجات اللجان المتحاورة .؟
ولعل من القضايا المهمة التي نأمل من الاخ رئيس الجمهورية ان يجعلها في اجندته اليومية , متابعة الجهات الحكومية التي شهدت تغيير في قياداتها او في بعض جوانب الياتها وبرامجها العملية ؛ لان القرارات التي صدرت وحظيت بارتياح كبير وكانت حكيمة للغاية , تحتاج الى اشراف مستمر ومتواصل , لمتابعة نشاط تلك الوحدات الاقتصادية , من أجل تقييم كل اعوجاج او ضعف , او ان ثمة قرار قد طاش ولم يحقق الهدف , ولعله ادى الى خيبة امل كبيرة لدى الاوساط المهتمة والتي تربطها اعمال او مشاريع تمس حياة المجتمع وفرصة في التغيير وفي التحولات المنشودة .
ان من الاهمية مراجعة مثل تلك القرارات ؛ لان القرار ان اخطاء سيقع الضرر على المجتمع كله , ولن يتحقق الهدف المنشود لرئيس الدولة او لرئيس الحكومة , الذي بني على اساسه الحكم وافترضت بشأنه توقعا ونتائج محددة .
كيف تكون المعالجة ان ظلت القرارات طريقها , وخابت التوقعات ببعض رجال التغيير الذين دفعت بهم الرياح الى قمة بعض الوحدات والمؤسسات الاقتصادية والوزارات الحيوية ؟
وكيف ان جانبنا التوفيق , وتم تعيين من لا يمتلك مهارات القيادة , والقدرات الفذة , ويفتقد لكاريزما رجل الدولة الذي ينبغي ان يكون على قدر كبير من الخبرة , وان تكون في سماته صفات القائد الملهم لتحقيق التحول المنشود والعمل على ترجمة مجمل توجهات المرحلة بذكاء .
و بالحديث عن ملفات الاقتصاد والاستثمار ، نجد بحق ان رئيسا الدولة والحكومة , بمجمل نشاطهما العام , يبذلان جهودا مهمة ومتقدمة في سبيل مواجهة التحديات المتراكمة في طريق التغيير , هذه النشاطات والأعمال بمجملها العام انعكست ايجابا على بيئة الاستثمار ، ونتج عنها مؤشرات قوية وضمانات وحوافز مشجعة , و الامل ان عجلة الاستثمار ستنطلق بقوة اكثر وبأعمال ومشاريع مضاعفه .
نعم .. استطاعت اليمن ان تنتزع اعجاب العالم , بحكمتها لتجاوز الخراب الذي شهدته العام 2011 , لان الرئيس هادي تمكن من تحقيق الاستقرار .. وتجاوز الازمة بجدارة الهدوء وحنكة السياسي الخبير بالتركيبة السياسية لليمن .
ورغم كل التحديات القائمة , تظل هناك الكثير من المؤشرات والعوامل الجاذبة للمزيد من الشركات والأعمال الاستثمارية الى فرص وخدمات مستقبلية واسعة ومتوقعة سيشهدها اليمن السعيد بإذن الله تعالى .
وتأكيد هذا الحديث , المتفائل بحركة مضاعفة وقوية للاستثمار , مشروطا بتعديل قانون ومراجعة كل التعديلات التي ادخلت العام 2010 على القانون , والاستماع الى صوت القطاع الخاص وإشراكه في صناعة القرارات المتعلقة بأعماله واستثماراته .
ان تحقيق الضمانات والمطالب للمستثمرين ؛ يجب ان تبدأ من اعداد مصفوفة , او خارطة طريق لجمع المعوقات وتحديد المخاطر التي تواجه الاستثمار والعمل عليها اولا , وتلك هي الكلمة الاولى للحوار .