أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » دراسات وتقارير

(23) البحر بوابة اليمن للنهوض القادم والمدخل لإعادة توزيع الكتلة البشرية وتوحيد النسيج المجتمعي

- د.طارق الحروي
من نافلة القول أن الدافع الرئيسي الكامن وراء اختياري الكتابة من خلال هذا العنوان تحديدا، هو محاولة استكمال تلك السلسلة من المقالات الجادة التي تعمدت نشرها من على صدر الصحيفة الرسمية الأولي التابعة لقواتنا المسلحة، في اتجاه المساهمة المتواضعة في إرساء مداميك الدولة المدنية الحديثة المنشودة والتي أخذت مسميات عديدة لعل من بين مفرداتها الرئيسة (البحر، الحكم المحلي، شكل النظام السياسي، الحياة السياسية والحزبية، المحليات والثورة القادمة، الدور الحكومي المنشود، مؤسسة الحرس الجمهوري.....).    
  • تقوم الرؤية التي نحن بصددها على ثلاثة مقولات أساسية من حقائق التاريخ اليمن المعاصر لها علاقة وثيقة الصلة بالجغرافية السياسية، التي لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها البتة؛ تتمحور الأولي حول أن أراضي اليمن التي أعيد توحيدها عام 1990م كانت في الأساس عبارة عن شطر شمالي يمتد على أقل من ثلث إجمالي أراضي اليمن ويقطنه ما يقارب من ثلثي ونيف من إجمالي سكان اليمن، وشطر جنوبي يمتد على أكثر من ثلثي مجموع أراضي اليمن ويقطنه أقل من ثلث مجموع سكان اليمن.
  • في حين المقولة الثانية لها علاقة وثيقة الصلة بطبيعة وخصوصية البيئة الجغرافية الشائكة التعقيد التي يعزى إليها توزع خارطة اليمن إلى خمسة أقاليم جغرافية متباينة- على أكثر تقدير- يقطن ما يقارب من الـ85% تقريبا من سكانها في إقليم المرتفعات الجبلية الغربية لوحده، في حين يتوزع سكان اليمن في العموم ما بين ريف وحضر إلى 73% و27% على التوالي، أما المقولة الثالثة فإن لها علاقة وثيقة الصلة بضمان توفير مقومات تحقيق الأمن القومي اليمني- أولا- وإمكانية الانتقال إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة من عدمه- ثانيا، والتي هي محصلة مآل المقولتين السابقتين ونتيجة حتمية لهما.
  •  أما عن الشاهد في هذا الأمر يمكن إعادة صياغته وبلورته إلى حد كبير في أربعة اتجاهات أساسية؛ نستطيع من خلالها استخلاص الجزء الأكبر والمهم من الوصفة العلاجية اللازمة لمعظم المشاكل والمعضلات الرئيسة، التي فرضتها المعطيات الظرفية الأنفة الذكر، وصولا إلى توفير الضمانة الأساسية الأكيدة لإمكانية الانتقال إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة، وصولا إلى إمكانية تحقيق مقومات الأمن القومي اليمني، الاتجاه الأول: يدور حول ضرورة وجود سياسة سكانية وطنية طموحة بهذا الشأن؛ تؤسس لعملية توحيد النسيج المجتمعي اليمني ضمن إطار إستراتيجية وطنية معدة لمثل هذا الغرض، تقوم في خطوطها العامة على إعادة دمج أبناء المجتمعات المحلية الجديدة في المناطق المستهدفة والتي يجب أن يحوز إقليمي الشريط الساحلي والجزر على مكانة محورية فيها ضمن إستراتيجية لتحول اليمن إلى دولة بحرية لها شأنها كما أشرنا إلى بعض أهم مؤشراتها في مقالاتنا المنشورة من على صدر الصحافة المحلية الورقية والالكترونية وصحيفة 26سبتمبر خاصة؛ بعنوان (قراءة في البعد الاستراتيجي: اليمن وإمكانية التحول إلى دولة بحرية عظيمة) وعنوان (ملاحظات أولية حول شكل ومعايير نظام الحكم المحلي الذي نريده) وعنوان (لمحات مع الدور الحكومي المنشود في المرحلة القادمة) على سبيل المثال لا الحصر.
  •  بحيث تضمن وجود توليفة شبه متنوعة ومنتقاة بدقة من معظم أطياف وشرائح المجتمع في عموم المحافظات في المربعات السكانية الجديدة؛ تؤسس لعمليات تقارب وتجاذب مع مرور الوقت في العلاقات الاجتماعية (الجيرة والنسب والمصاهرة والانفتاح على الأخر،.....)، وصولا إلى ذلك النوع من المصالح الاقتصادية وتبادل المنافع وانسيابية الموروث الثقافي والحضاري والمساهمة في غرس وتثقيف وتوعية بعضها البعض، كي تصبح بذلك عملية التحضر المنشودة غاية الدولة المدنية الحديثة مهمة مجتمعية أكثر منها عملية مركزية (مؤسسية)...الخ، بحيث يصعب بموجبها- في نهاية المطاف- فكه بسهولة ضمن إستراتيجية وطنية استباقية وقائية، في حال حدثت تغييرات جذرية في طبيعة واقع المصالح الإقليمية والدولية ضمن إطار مشاريع التقسيم المرسومة للمنطقة ككل في المدى المتوسط على أكثر تقدير.
  • سيما أن هذا الأمر سوف تتضح أهميته المتعاظمة في طبيعة مضمون الاتجاه الثاني الذي يتمحور في - ما أسلفنا ذكره في مقالات أنفة- من وجود ضرورة أصبحت أكثر أهمية وإلحاحا في إعادة توزيع الكتلة السكانية الضخمة التي تتركز في إقليم المرتفعات الجبلية- الغربية على طول البلاد وعرضها ضمن إستراتيجية أمنية متكاملة الأبعاد معدة لمثل هذا الغرض، وفي الإقليم الساحلي (المنطقة المستهدفة الأهم) الذي يجب وليس ينبغي أن يصبح محور الارتكاز الأساسي في هذا الشأن، سيما في ضوء وجود ما يقارب من الـ 85% من الأراضي اليمنية لا يقطنها سوى 15% من السكان– أولا.
  •  واستمرار بقاء متغير ومن ثم ميزة الموقع الاستراتيجي والحدود البحرية الطويلة التي حظيت بها اليمن منذ عشرين عاما ونيف خارج نطاق حدود أية ترتيبات ذات طابع إستراتيجي بهذا الشأن، التي يمكن أن تسهم إلى حد كبير في إعادة توزيع واستيعاب الثقل السكاني الأكبر والمهم المتمركز في نطاق حدود المرتفعات الجبلية الغربية؛ ضمن إطار نطاق حدود إقليمي الشريط الساحلي والجزر منها- بوجه خاص- محور ارتكاز الدولة اليمنية الجديدة- ثانيا.
  •  أما لماذا ؟ نرد بالقول كي يتسنى لنا تحقيق أقصى حد من أولويات المصلحة الوطنية العليا المنشودة وليس أقل من ذلك، بالاستناد إلى ما أوردته من مؤشرات عديدة حول هذا الأمر في مقالاتنا المنشورة الأنفة الذكر، ومقالنا الأخير المنشور تحت عنوان (دمج الجيش في الحرس أم دمج الحرس في الجيش: قراءة في البعد الاستراتيجي لأبعاد ودلالات آفاق إعادة هيكلة الجيش اليمني على أسس وطنية ومهنية) و(المؤسسة الدفاعية الجديدة بوابة التنمية التي لم تفتح لحد الآن !!) .      
  • أما الاتجاه الثالث فإنه يتمحور حول محورية إقليمي الشريط الساحلي والجزر في خطط ومشاريع الاستثمار المركزية القادمة التي يجب أن تجسدها السياسة العليا للدولة وهي تحث الخطى نحو المستقبل المنشود بهذا الشأن ضمن إطار الإستراتيجية الوطنية ونظام الإدارة اللا مركزية المقبل منها- بوجه خاص- التي يجب أن تقوم على تركيز أهم عمليات الأعمار القادمة فيها، بتهيئة البنية التحتية بكافة مرافقها الأساسية (طرقات، مياه، كهرباء، مساكن، اتصالات،.....)، من خلال محورية الاستثمار في قطاع الإنشاءات للمدن الجديدة التي تضم عشرات الألوف من التجمعات السكنية كما بدأت ملامحها الرئيسة تتضح رويدا منذ مطلع العقد الماضي ليس هذا فحسب.
  • لا بل وبإعادة توزيع الأراضي في هذه الأجزاء على كل أبناء اليمن ممن لديهم الرغبة الأكيدة للانتقال إليها واستثمارها ضمن استراتيجية وطنية تحفيزية لإعادة توزيع العنصر البشري في الأماكن الحيوية، تراعي فيها كافة أولويات المصلحة الوطنية العليا، وتسهم في ضمان تحقيق الأمن القومي للبلاد بكل أبعاده، سيما أن هذا الأمر- في نهاية المطاف- سوف يصب في اتجاه مرونة وانسيابية قيام الدولة المدنية الحديثة وتعظيم إمكانية وصول تأثيرات الدولة في جانبها التنموي إلى كافة مواطنيها.
  • في حين يتمحور الاتجاه الرابع: حول أهمية وضرورة أن تتحول اليمن إلى دولة بحرية لها شأنها، على اعتبار أن هذا الأمر هو بحد ذاته الوعاء الحاضن والأداة الموجه لكل ما قمنا باستعراضه من مؤشرات أعلاه، من خلال تبني الدولة لسياسة وطنية عليا وإجرائية على حد سواء؛ تهدف من ورائها- بالدرجة الأساس- إلى بناء واستكمال مقومات الدولة البحرية بشقيها التجاري والعسكري التي تهيأ المجال واسعا أمام إمكانية تحول اليمن إلى دولة بحرية عظيمة، في اتجاه تحقيق الاستفادة القصوى من متغيري الموقع الاستراتيجي والحدود البحرية قدر الإمكان، من خلال توجيه عمليات الاستثمار في المشاريع الاستراتيجية التي تزخر بها البيئة الساحلية والبحرية، سيما ما له علاقة وثيقة بمهام تعمير السواحل والأرخبيلات والجزر بالمنشات العسكرية والاقتصادية والصناعية والسياحية....الخ، بالاستناد إلى ما أوردته من مؤشرات عديدة حول الأمر في مقالاتي المنشورة الأنفة الذكر تحت عنوان (......اليمن وإمكانية التحول إلى دولة بحرية عظيمة) و (دمج الجيش في الحرس.....).
  • سيما أن أهمية وضرورة هذا المتغير، تبرز من خلال طبيعة مدي اهتمام الدولة بالبحر، وصولا إلى طبيعة ومستوى ومن ثم حجم تصميمها وقدرتها على فرض سيطرتها على حدودها وثرواتها البحرية، بصورة تجعلها قادرة على تأدية كافة المهام الحيوية المناطة بها في حماية وضمان تأمين حدودها البحرية وثرواتها البحرية الطبيعية والصناعية والمعدنية، وصولا إلى تحولها إلى أهم رافد من روافد التنمية الشاملة والمستدامة بكل أبعادها، على خلفية ما أصبحت تمليه أولويات المصلحة الوطنية العليا من ضرورة تحول الجزء الأكبر والمهم من اهتماماتنا الرسمية وغير الرسمية في المرحلة القادمة إلى إقليمي الشريط الساحلي والجزر اللذان يجسدان جوهر هذا التحول من الأساس، أما لماذا ؟
  •  نرد بالقول باعتبارها الضمانة الأساسية لاستمرار تنامي طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الاستفادة المنشودة التي وفرها متغيري الموقع الاستراتيجي والحدود البحرية إلى حدودها القصوى- أولا- وحماية وضمان تأمين خطوط الملاحة البحرية الدولية الأكثر أهمية وحساسية في العالم، وصولا إلى تلبية  كافة احتياجات السفن الحربية والتجارية وطواقمها العابرة لمياه خليج عدن والبحر الأحمر وما يجاورها، في ضوء ما تمليه أولويات المصلحة الحيوية للدول المعنية صاحبة المصلحة المشتركة بهذا الشأن- ثانيا.

 

                                                                                       والله ولي التوفيق وبه نستعين

 

المصدر : الكاتب

Total time: 0.0728