اخبار الساعة - فهمي هويدي
أظن أن من حقنا الآن أن نسأل: لماذا
يكرهوننا في الغرب؟ ولماذا هان أمرنا حتى أصبح يتجرأ على ديننا ومقدساتنا
كل من هب ودب من المتعصبين والكارهين؟
(1)
خلال الأسبوعين الأخيرين على الأقل كانت لوثة حرق المصاحف التي خرجت من إحدى كنائس ولاية فلوريدا عنوانا رئيسا في الصحف ونشرات الأخبار.
وقبلها بأسابيع كان الجدل مثارا في الولايات المتحدة حول فكرة «مركز قرطبة»، الذي قيل إنه مسجد يراد له أن يبني بالقرب من موقع البرجين اللذين تم تفجيرهما في هجمات 11 سبتمبر. وهو ما صور بحسبانه استفزازا لمشاعر الأمريكيين وتحديا لهم. الأمر الذي قسم الرأي العام بين مؤيد ومعارض.
أدري أن الرئيس أوباما أدان اللوثة وأن وزيرة الخارجية تبنت نفس الموقف، الذي عبر عنه آخرون من رموز النظام والقيادات الدينية.
لكن ما حدث أن أصداء الحملة ترددت في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وبدا أن الموج أعلا وأقوى من أن تصده تصريحات السياسيين. ومن ثم أحدث تسميم الأجواء مفعوله في ثلاثة اتجاهات هي:
* إن خطاب المتطرفين والمتعصبين أصبح يربط بصورة مباشرة بين الإرهاب والإسلام، متخليا عن الحذر الذي لاح يوما ما في الفصل بين الاثنين.
* إن مشاعر الغضب عبرت عن نفسها في حوادث عدة تعرض لها المسلمون. فطعن أحد الشبان الأمريكيين بسكين سائق تاكسي مسلم مهاجر من بنجلاديش «علي أحمد شريف» حين تعرف على هويته الدينية. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية على لسان إبراهيم هوبر مسؤول الإعلام في مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية «كير» قوله إن مساجد المسلمين تعرضت هذا العام لاعتداءات عدة.
فقد فجر رجل قنبلة يدوية الصنع في مركز إسلامي في جاكسونفيل بولاية فلوريدا.
وجرت محاولة إحراق مسجد في أرلنجتون بولاية تكساس.
ووجهت تهديدات أخرى لمسجد في فريسنو بولاية كاليفورنيا. وشب حريق مشبوه قرب موقع يفترض أن يُبنى فيه مسجد بولاية تنيسى.
ــ قبل عشرة أيام أجري استفتاء بين الأمريكيين تبين منه أن أكثر من 60٪ منهم يعارضون بناء مركز قرطبة في موقعه الحالي و10٪ عارضوا مبدأ بناء المساجد في أمريكا وعبر 50٪ من المستطلعين عن نظرتهم السلبية إلى الإسلام، في حين قال 33٪ إن الإسلام يشجع على العنف ضد غير المسلمين. وهذه نسبة تعادل ضعف الذين أيدوا الفكرة ذاتها قبل 8 سنوات، الأمر الذي يدل على تنامي مؤشرات الربط بين الإسلام والعنف.
(2)
الموقف في أوروبا لا يختلف كثيرا. فالتخويف من أسلمة القارة وتحولها إلى أورابيا (أوروبا العربية) يتردد حينا بعد حين، ليس فقط على ألسنة زعماء اليمين الذين يزداد مؤيدوهم في أوروبا، ولكن أيضا على ألسنة بعض مسؤولي الفاتيكان (لا تنس أن البابا الحالي هاجم الإسلام واعتبره ديانة تحض على العنف). إذ قبل أيام قليلة (السبت 4/9) خرجت مظاهرة في باريس ضمت ممثلي 26 منظمة مطالبة بمقاومة «الخطر الإسلامي». ورفع بعض المشاركين في التجمع الذي دعت إليه جمعية «الرد العلماني» كتب عليها: لا للحجاب والنقاب. ولا نريد طالبان في فرنسا.
وظهر أحدهم حاملا علم فرنسا في يد وزجاجة خمر في اليد الأخرى. وقال للصحفيين إننا ضقنا ذرعا بهذه الديانة ولن نسمح للرجال بضرب النساء وتنشر العنف كأسلوب حياة. ومعروف أن فرنسا كانت سباقة إلى حظر الحجاب في المدارس الحكومية، ومنع الظهور بالنقاب في الأماكن العامة، مع فرض غرامات مالية على المخالفات. وهى الصرعة التي ترددت أصداؤها في دول أوروبية أخرى بعد ذلك.
ليست بعيدة عن الأذهان قصة الرسوم الدنمركية التي أهانت النبي محمد عليه الصلاة والسلام. ودافع عنها رئيس الوزراء هناك. وبين أيدينا سجل طويل من التصريحات المعادية للإسلام والمنددة به التي ما برح يطلقها في هولندا القيادي والنائب اليميني جيرت فيلدر، الذي ازدادت شعبيته في الانتخابات الأخيرة، وأصبح حزبه القوة السياسة الثالثة في هولندا. وهو يتزعم الآن حملة لتوحيد جهود اليمين الأوروبي للمطالبة بإخلاء أوروبا من المسلمين. وفي النمسا حملة موازية تتبنى نفس الأطروحات. يقودها حزب الحرية اليميني. الذي فاز بـ17.5٪ من الأصوات في انتخابات عام 2008.
وكان من نتائج التعبئة المضادة أن ظهرت في الأسواق لعبة على الإنترنت باسم «وداعا للمسجد»، يزيل فيها اللاعبون رسوما متحركة يهدمون بها مساجد ومآذن ويتخلصون من مؤذن ملتح يحث المسلمين على الصلاة. وقد حظرت الحكومة تلك اللعبة.
في ألمانيا تتزايد مؤشرات الخوف من الإسلام والمسلمين، بعدما بينت الاستطلاعات التي أجراها معهد «ديماب» أن 70٪ من الألمان يستشعرون ذلك القلق. وقد جاء مقتل الباحثة المصرية مروة الشربيني في العام الماضي على يد أحد العنصريين الألمان، ليلفت الانتباه إلى تفشي «الإسلاموفوبيا» في المجتمع، وإلى دور الأحزاب اليمينية في إذكاء المشاعر المعادية.
وبدرجة أو أخرى خيمت الأجواء ذاتها على سويسرا، التي قاد فيها الحزب اليميني حملة لحظر مآذن المساجد، وأيدت الأغلبية هذا الموقف في الاستفتاء الذي أجري في العام الماضي.
(3)
أوافق تماما على أن حملة العداء للمسلمين والإسلام يقودها نفر من المتطرفين المتعصبين وغلاة المحافظين، وأن في العالم الغربي آخرين أكثر حصافة وتعقلا. لكن الحاصل أن صوت المتطرفين هو الأعلى بحيث مكنتهم ثورة الاتصال من تعبئة الرأي العام واستنفاره. ولذلك فإن شعبيتهم تتزايد، بدليل تزايد الأصوات التي يحصدونها في الانتخابات البرلمانية عاما بعد عام.
أدري أيضا أن ثمة اختلافا في ملابسات ودوافع حملة العداء بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. فالدوافع في أمريكا سياسية بالدرجة الأولى. ونفوذ اللوبي الصهيوني وغلاة المحافظين لا ينكر هناك. ثم إن هناك رأيا قويا يربط بين اشتداد الحملة في الوقت الراهن وبين انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في شهر نوفمبر القادم، التي يأمل الجمهوريون في تحقيق فوز محسوس فيها على الديمقراطيين. أما في أوروبا فالدوافع اقتصادية في الأغلب. ذلك أن الأزمة الاقتصادية أنعشت عناصر اليمين وأثارت قلق قطاعات من الأوروبيين إزاء وجود المسلمين في سوق العمل واستمرار هجراتهم عبر شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يشكل عبئا على اقتصادات الدول الأوروبية ويرتب نفورا من المسلمين.
أيا كانت التباينات والاختلافات بين أوروبا وأمريكا فإنها لا تلغي حقيقة أن حملات التعبئة ضد الإسلام والمسلمين أحدثت أثرها في تسميم أجواء علاقات الغربيين مع المسلمين، الأمر الذي يهدم ما قيل عن حوار الحضارات والتعايش والتسامح الذي بشر به نفر من المثقفين، بذات القدر فإن ذلك يفتح الأبواب لفكرة صدام الحضارات التي أطلقها المحلل السياسي الأمريكي فرانسيس فوكوياما (عام 1989)، ولم تؤخذ على محمل الجد في حينها، لكنها تبدو الآن احتمالا واردا، من الناحية النظرية على الأقل.
(4)
نحن بإزاء مشكلة حقيقية مرشحة للتصاعد، تكاد تكرر أجواء العداء للسامية التي خيمت على ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر، ولئن كان العداء للسامية قد أصاب بضعة ملايين من اليهود آنذاك لا يكاد يتجاوز مجموعهم عدد أصابع اليدين، فإن لوثة استعداء المسلمين وإهانتهم تمس مليارا ونصف المليار مسلم، للدول الغربية مع أقطارهم مصالح جمة بالغة الحيوية.
وإذا كان العداء للسامية يمثل لحظة عابرة في التاريخ، فإن العداء للإسلام له تاريخ طويل، يذهب به البعض إلى القرن السابع الميلادي «برنارد لويس» حيث نزلت رسالة الإسلام في وجود المسيحية واليهودية. ويؤرخ له أكثر الباحثين بزمن الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر، التي عبئت لأجلها أوروبا ببغض الإسلام والمسلمين قبل شن الحملات العسكرية بدعوى تخليص بيت المقدس من شرورهم.
ورغم انتهاء تلك الحملات في القرن الثالث عشر، إلا أن التعبئة الثقافية المضادة لم تتوقف، وظل مفعولها حاضرا في تشويه الوعي الأوروبي، وكامنا في ثنايا جميع مراجعه وموسوعاته. وهو ما نضح على كتابات أغلب المستشرقين وأطروحات الباحثين ومناهج التعليم. وهو ما عبر عنه الدكتور محمود حمدي زقزوق في كتابه «الإسلام في تصورات الغرب» ـ الذي أصدره في عام 1987 حين كان عميدا لكلية أصول الدين، حين قال إنه «من المعلوم أن الكتابات الغربية في الإسلام ونبيه تتراوح بين الجهل التام والمعروفة الموجهة، بين الإسفاف الشنيع والموضوعية النسبية، بين الافتراء والإنصاف، بين الاستعلاء والنزاهة، بين الفحش الصارخ والتسامح العاقل».
هذا البغض للعالم الإسلامي وديانة المسلمين ليس معرفيا فحسب، لكن له بعد وثيق الصلة بالاستعلاء والشعور بالتفوق العرقي والحضاري. وهو ما فصل فيه الفيلسوف الفرنسي المسلم روجيه جنارودي في كتابه حوار الحضارات، حين وصف الاستعلاء الغربي على المسلمين بأنه «الشر الأبيض».
لقد قصدت الإشارة إلى هذه الخلفية لكي ألفت النظر إلى أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر لم تكن منشئة لبغض الأمريكيين المتعصبين والمتطرفين الغربيين للإسلام والمسلمين، ولكنها كانت كاشفة عن ذلك البغض. وأذكر هنا أن مشاعر العرب خاصة نحو الولايات المتحدة الأمريكية اتسمت بالود يوما ما، حين طالب أهالي سوريا وفلسطين عند نهاية الحرب العالمية الأولى أن تكون الولايات المتحدة هي الدولة المنتدبة على بلادهم وليس بريطانيا أو فرنسا. تعبيرا عن ثقتهم فيها وحسن ظنهم بها وقتذاك قبل أن تسفر عن تطلعاتها بعد الحرب العالمية الثانية، وتقف مع إسرائيل ضد العرب. وهو ما أثبته الدكتور رؤوف حامد في بحثه المنشور بكتاب «صناعة الكراهية في العلاقات العربية ــ الأمريكية».
أدري أن صورة بعض المسلمين وممارساتهم تثير النفور حقا وتبعث على إساءة الظن بهم، لكنني أزعم أن الغربيين وساستهم بوجه أخص لم يحسنوا الظن بالمسلمين ولا عبروا عن احترامهم. قبل أن يطالعوا تلك الصورة أو الممارسات المنفرة. وتظل المشكلة أننا احترمناهم واعترفنا بديانتهم وشرعيتهم على المستوى العقيدي، لكن قياداتهم الدينية لم تعترف بشرعية الإسلام وكونه ديانة سماوية حتى هذه اللحظة.
كما أننا قبلناهم على المستوى الحضاري ولم نتردد في التعلم منهم حتى صار بعضنا يدعو إلى اللحاق بهم، لكنهم لم يعترفوا لنا بخصوصية، واعتبروا أن تقدمنا مرهون بقدرتنا على تمثلهم واستنساخ تجربتهم. ولا أنكر أن لدى عامة المسلمين شعورا بالمرارة والسخط إزاء ساستهم وسياساتهم، وليس ضد شعوبهم أو ثقافتهم.
لكن الصوت المعلى عندهم مشحون بمشاعر السخط على أمتنا بأسرها. وشجعهم على ذلك ما أصاب الأمة من انكسار ووهن حتى إن السيد أوباما حين أراد أن يثني القس الذي دعا إلى إحراق المصحف عن عزمه، فإنه حذره من أن ذلك يهدد أمن الجنود الأمريكيين في العراق وأفغانستان، وعز عليه أن يشير إلى أن ذلك يمثل إهانة للمليار ونصف المليار مسلم.
إذا سألتني ما العمل، فردي أن الأمر يتطلب حديثا مطولا ومناقشة أوسع يشترك فيها آخرون من أهل الغيرة والنظر.
(1)
خلال الأسبوعين الأخيرين على الأقل كانت لوثة حرق المصاحف التي خرجت من إحدى كنائس ولاية فلوريدا عنوانا رئيسا في الصحف ونشرات الأخبار.
وقبلها بأسابيع كان الجدل مثارا في الولايات المتحدة حول فكرة «مركز قرطبة»، الذي قيل إنه مسجد يراد له أن يبني بالقرب من موقع البرجين اللذين تم تفجيرهما في هجمات 11 سبتمبر. وهو ما صور بحسبانه استفزازا لمشاعر الأمريكيين وتحديا لهم. الأمر الذي قسم الرأي العام بين مؤيد ومعارض.
أدري أن الرئيس أوباما أدان اللوثة وأن وزيرة الخارجية تبنت نفس الموقف، الذي عبر عنه آخرون من رموز النظام والقيادات الدينية.
لكن ما حدث أن أصداء الحملة ترددت في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وبدا أن الموج أعلا وأقوى من أن تصده تصريحات السياسيين. ومن ثم أحدث تسميم الأجواء مفعوله في ثلاثة اتجاهات هي:
* إن خطاب المتطرفين والمتعصبين أصبح يربط بصورة مباشرة بين الإرهاب والإسلام، متخليا عن الحذر الذي لاح يوما ما في الفصل بين الاثنين.
* إن مشاعر الغضب عبرت عن نفسها في حوادث عدة تعرض لها المسلمون. فطعن أحد الشبان الأمريكيين بسكين سائق تاكسي مسلم مهاجر من بنجلاديش «علي أحمد شريف» حين تعرف على هويته الدينية. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية على لسان إبراهيم هوبر مسؤول الإعلام في مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية «كير» قوله إن مساجد المسلمين تعرضت هذا العام لاعتداءات عدة.
فقد فجر رجل قنبلة يدوية الصنع في مركز إسلامي في جاكسونفيل بولاية فلوريدا.
وجرت محاولة إحراق مسجد في أرلنجتون بولاية تكساس.
ووجهت تهديدات أخرى لمسجد في فريسنو بولاية كاليفورنيا. وشب حريق مشبوه قرب موقع يفترض أن يُبنى فيه مسجد بولاية تنيسى.
ــ قبل عشرة أيام أجري استفتاء بين الأمريكيين تبين منه أن أكثر من 60٪ منهم يعارضون بناء مركز قرطبة في موقعه الحالي و10٪ عارضوا مبدأ بناء المساجد في أمريكا وعبر 50٪ من المستطلعين عن نظرتهم السلبية إلى الإسلام، في حين قال 33٪ إن الإسلام يشجع على العنف ضد غير المسلمين. وهذه نسبة تعادل ضعف الذين أيدوا الفكرة ذاتها قبل 8 سنوات، الأمر الذي يدل على تنامي مؤشرات الربط بين الإسلام والعنف.
(2)
الموقف في أوروبا لا يختلف كثيرا. فالتخويف من أسلمة القارة وتحولها إلى أورابيا (أوروبا العربية) يتردد حينا بعد حين، ليس فقط على ألسنة زعماء اليمين الذين يزداد مؤيدوهم في أوروبا، ولكن أيضا على ألسنة بعض مسؤولي الفاتيكان (لا تنس أن البابا الحالي هاجم الإسلام واعتبره ديانة تحض على العنف). إذ قبل أيام قليلة (السبت 4/9) خرجت مظاهرة في باريس ضمت ممثلي 26 منظمة مطالبة بمقاومة «الخطر الإسلامي». ورفع بعض المشاركين في التجمع الذي دعت إليه جمعية «الرد العلماني» كتب عليها: لا للحجاب والنقاب. ولا نريد طالبان في فرنسا.
وظهر أحدهم حاملا علم فرنسا في يد وزجاجة خمر في اليد الأخرى. وقال للصحفيين إننا ضقنا ذرعا بهذه الديانة ولن نسمح للرجال بضرب النساء وتنشر العنف كأسلوب حياة. ومعروف أن فرنسا كانت سباقة إلى حظر الحجاب في المدارس الحكومية، ومنع الظهور بالنقاب في الأماكن العامة، مع فرض غرامات مالية على المخالفات. وهى الصرعة التي ترددت أصداؤها في دول أوروبية أخرى بعد ذلك.
ليست بعيدة عن الأذهان قصة الرسوم الدنمركية التي أهانت النبي محمد عليه الصلاة والسلام. ودافع عنها رئيس الوزراء هناك. وبين أيدينا سجل طويل من التصريحات المعادية للإسلام والمنددة به التي ما برح يطلقها في هولندا القيادي والنائب اليميني جيرت فيلدر، الذي ازدادت شعبيته في الانتخابات الأخيرة، وأصبح حزبه القوة السياسة الثالثة في هولندا. وهو يتزعم الآن حملة لتوحيد جهود اليمين الأوروبي للمطالبة بإخلاء أوروبا من المسلمين. وفي النمسا حملة موازية تتبنى نفس الأطروحات. يقودها حزب الحرية اليميني. الذي فاز بـ17.5٪ من الأصوات في انتخابات عام 2008.
وكان من نتائج التعبئة المضادة أن ظهرت في الأسواق لعبة على الإنترنت باسم «وداعا للمسجد»، يزيل فيها اللاعبون رسوما متحركة يهدمون بها مساجد ومآذن ويتخلصون من مؤذن ملتح يحث المسلمين على الصلاة. وقد حظرت الحكومة تلك اللعبة.
في ألمانيا تتزايد مؤشرات الخوف من الإسلام والمسلمين، بعدما بينت الاستطلاعات التي أجراها معهد «ديماب» أن 70٪ من الألمان يستشعرون ذلك القلق. وقد جاء مقتل الباحثة المصرية مروة الشربيني في العام الماضي على يد أحد العنصريين الألمان، ليلفت الانتباه إلى تفشي «الإسلاموفوبيا» في المجتمع، وإلى دور الأحزاب اليمينية في إذكاء المشاعر المعادية.
وبدرجة أو أخرى خيمت الأجواء ذاتها على سويسرا، التي قاد فيها الحزب اليميني حملة لحظر مآذن المساجد، وأيدت الأغلبية هذا الموقف في الاستفتاء الذي أجري في العام الماضي.
(3)
أوافق تماما على أن حملة العداء للمسلمين والإسلام يقودها نفر من المتطرفين المتعصبين وغلاة المحافظين، وأن في العالم الغربي آخرين أكثر حصافة وتعقلا. لكن الحاصل أن صوت المتطرفين هو الأعلى بحيث مكنتهم ثورة الاتصال من تعبئة الرأي العام واستنفاره. ولذلك فإن شعبيتهم تتزايد، بدليل تزايد الأصوات التي يحصدونها في الانتخابات البرلمانية عاما بعد عام.
أدري أيضا أن ثمة اختلافا في ملابسات ودوافع حملة العداء بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. فالدوافع في أمريكا سياسية بالدرجة الأولى. ونفوذ اللوبي الصهيوني وغلاة المحافظين لا ينكر هناك. ثم إن هناك رأيا قويا يربط بين اشتداد الحملة في الوقت الراهن وبين انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في شهر نوفمبر القادم، التي يأمل الجمهوريون في تحقيق فوز محسوس فيها على الديمقراطيين. أما في أوروبا فالدوافع اقتصادية في الأغلب. ذلك أن الأزمة الاقتصادية أنعشت عناصر اليمين وأثارت قلق قطاعات من الأوروبيين إزاء وجود المسلمين في سوق العمل واستمرار هجراتهم عبر شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يشكل عبئا على اقتصادات الدول الأوروبية ويرتب نفورا من المسلمين.
أيا كانت التباينات والاختلافات بين أوروبا وأمريكا فإنها لا تلغي حقيقة أن حملات التعبئة ضد الإسلام والمسلمين أحدثت أثرها في تسميم أجواء علاقات الغربيين مع المسلمين، الأمر الذي يهدم ما قيل عن حوار الحضارات والتعايش والتسامح الذي بشر به نفر من المثقفين، بذات القدر فإن ذلك يفتح الأبواب لفكرة صدام الحضارات التي أطلقها المحلل السياسي الأمريكي فرانسيس فوكوياما (عام 1989)، ولم تؤخذ على محمل الجد في حينها، لكنها تبدو الآن احتمالا واردا، من الناحية النظرية على الأقل.
(4)
نحن بإزاء مشكلة حقيقية مرشحة للتصاعد، تكاد تكرر أجواء العداء للسامية التي خيمت على ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر، ولئن كان العداء للسامية قد أصاب بضعة ملايين من اليهود آنذاك لا يكاد يتجاوز مجموعهم عدد أصابع اليدين، فإن لوثة استعداء المسلمين وإهانتهم تمس مليارا ونصف المليار مسلم، للدول الغربية مع أقطارهم مصالح جمة بالغة الحيوية.
وإذا كان العداء للسامية يمثل لحظة عابرة في التاريخ، فإن العداء للإسلام له تاريخ طويل، يذهب به البعض إلى القرن السابع الميلادي «برنارد لويس» حيث نزلت رسالة الإسلام في وجود المسيحية واليهودية. ويؤرخ له أكثر الباحثين بزمن الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر، التي عبئت لأجلها أوروبا ببغض الإسلام والمسلمين قبل شن الحملات العسكرية بدعوى تخليص بيت المقدس من شرورهم.
ورغم انتهاء تلك الحملات في القرن الثالث عشر، إلا أن التعبئة الثقافية المضادة لم تتوقف، وظل مفعولها حاضرا في تشويه الوعي الأوروبي، وكامنا في ثنايا جميع مراجعه وموسوعاته. وهو ما نضح على كتابات أغلب المستشرقين وأطروحات الباحثين ومناهج التعليم. وهو ما عبر عنه الدكتور محمود حمدي زقزوق في كتابه «الإسلام في تصورات الغرب» ـ الذي أصدره في عام 1987 حين كان عميدا لكلية أصول الدين، حين قال إنه «من المعلوم أن الكتابات الغربية في الإسلام ونبيه تتراوح بين الجهل التام والمعروفة الموجهة، بين الإسفاف الشنيع والموضوعية النسبية، بين الافتراء والإنصاف، بين الاستعلاء والنزاهة، بين الفحش الصارخ والتسامح العاقل».
هذا البغض للعالم الإسلامي وديانة المسلمين ليس معرفيا فحسب، لكن له بعد وثيق الصلة بالاستعلاء والشعور بالتفوق العرقي والحضاري. وهو ما فصل فيه الفيلسوف الفرنسي المسلم روجيه جنارودي في كتابه حوار الحضارات، حين وصف الاستعلاء الغربي على المسلمين بأنه «الشر الأبيض».
لقد قصدت الإشارة إلى هذه الخلفية لكي ألفت النظر إلى أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر لم تكن منشئة لبغض الأمريكيين المتعصبين والمتطرفين الغربيين للإسلام والمسلمين، ولكنها كانت كاشفة عن ذلك البغض. وأذكر هنا أن مشاعر العرب خاصة نحو الولايات المتحدة الأمريكية اتسمت بالود يوما ما، حين طالب أهالي سوريا وفلسطين عند نهاية الحرب العالمية الأولى أن تكون الولايات المتحدة هي الدولة المنتدبة على بلادهم وليس بريطانيا أو فرنسا. تعبيرا عن ثقتهم فيها وحسن ظنهم بها وقتذاك قبل أن تسفر عن تطلعاتها بعد الحرب العالمية الثانية، وتقف مع إسرائيل ضد العرب. وهو ما أثبته الدكتور رؤوف حامد في بحثه المنشور بكتاب «صناعة الكراهية في العلاقات العربية ــ الأمريكية».
أدري أن صورة بعض المسلمين وممارساتهم تثير النفور حقا وتبعث على إساءة الظن بهم، لكنني أزعم أن الغربيين وساستهم بوجه أخص لم يحسنوا الظن بالمسلمين ولا عبروا عن احترامهم. قبل أن يطالعوا تلك الصورة أو الممارسات المنفرة. وتظل المشكلة أننا احترمناهم واعترفنا بديانتهم وشرعيتهم على المستوى العقيدي، لكن قياداتهم الدينية لم تعترف بشرعية الإسلام وكونه ديانة سماوية حتى هذه اللحظة.
كما أننا قبلناهم على المستوى الحضاري ولم نتردد في التعلم منهم حتى صار بعضنا يدعو إلى اللحاق بهم، لكنهم لم يعترفوا لنا بخصوصية، واعتبروا أن تقدمنا مرهون بقدرتنا على تمثلهم واستنساخ تجربتهم. ولا أنكر أن لدى عامة المسلمين شعورا بالمرارة والسخط إزاء ساستهم وسياساتهم، وليس ضد شعوبهم أو ثقافتهم.
لكن الصوت المعلى عندهم مشحون بمشاعر السخط على أمتنا بأسرها. وشجعهم على ذلك ما أصاب الأمة من انكسار ووهن حتى إن السيد أوباما حين أراد أن يثني القس الذي دعا إلى إحراق المصحف عن عزمه، فإنه حذره من أن ذلك يهدد أمن الجنود الأمريكيين في العراق وأفغانستان، وعز عليه أن يشير إلى أن ذلك يمثل إهانة للمليار ونصف المليار مسلم.
إذا سألتني ما العمل، فردي أن الأمر يتطلب حديثا مطولا ومناقشة أوسع يشترك فيها آخرون من أهل الغيرة والنظر.
المصدر : صحيفة الشرق القطريه