اخبار الساعة - د.طارق الحروي
- ليس استناد إلى تلك المقولة المستقاة من التجربة الإنسانية القائلة بأن الجزء الأكبر والمهم من التاريخ عبارة عن حلقات متشابهة ومتداخلة إلى حد كبير؛ تعيد صناعة وإنتاج مساراتها واتجاهاتها الرئيسة ومعظم تفاصيلها بنفس الحيثيات والمفردات جراء وحدة المسرح، مع ما لكل مرحلة من خصوصية فحسب.
- لا بل ويمكن القول بالاستناد إلى أوردته من حقائق ومؤشرات في عشرات المقالات السابقة لنا أن مسيرة حركة التغيير الوطني فكرا ومشروعا وأفرادا إلى حد كبير طوال الفترة الممتدة بين عامي (1974- 2014م)؛ هي حلقة واحدة بكل ما تحمله هذه الحقيقية من مضامين وأبعاد لها شأنها.
- في حين تدور فحوى الدرس والعبرة الثالثة بهذا الشأن في طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الثقة الممنوحة من قبل مؤسس ومن ثم قيادات وعناصر حركة التغيير الوطني للقائد عبدالله ألحمدي ورفاقه لتأدية مهمة عظيمة بأبعادها الوطنية والدينية والتاريخية وشاقة مضنية جدا بهذا الحجم، تحت إشراف ومتابعة ورعاية مباشرة من لدنا الرئيس ورفاقه.
- الذين كانوا يسابقون الزمن في اتجاه ضمان تحقيق قفزة نوعية في وضع حجر الأساس لهذا البناء الشامخ المنشود، والذي تعتمد عليها في الشكل والمضمون مسيرة حركة التغيير الوطني برمتها عند خط البداية بالاستناد إلى طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الانطلاقة الكبرى المنشودة التي كانت تعد نفسها للقيام بها.
- بصورة دفعتها إلى إلقاء الجزء الأكبر والمهم من اهتماماتها وثقلها المعنوي والمادي المتاح باتجاهها تخطيطا وإعدادا وتنفيذا بالمقارنة بباقي الأبعاد الأخرى ضمن إطار حيثيات خارطة الطريق التي كانت مازالت تحث الخطى باتجاه استكمال جزء مهم من حلقاتها الرئيسة والخاصة بنقل اليمن نظاما وشعبا وأرضا إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون وولوج مرحلة التنمية المنشودة من أوسع أبوابها.
- ومن هذا المنطلق وضمن هذا السياق تتضح أمامنا بعض أهم المعالم الرئيسة للإجابات المفسرة للكثير من التساؤلات المثارة بهذا الشأن وتدور حول ما هي الاعتبارات التي تقف وراء اضطرار قيادة حركة التغيير الوطني إلى الخوض في سيناريو بناء وحدة عسكرية جديدة تخضع لها وتهيمن على مقاليدها بشكل كامل، سيما تلك التي لها علاقة وثيقة الصلة بكون الجيش ومازال محور ارتكاز أية محاولة للتغيير بشقه العسكري والمدني ومن ثم صمام الأمان فيها ولها ؟ ثم بيد من يقع الجزء الأكبر والمهم من مقاليد الجيش والأمن ؟
- وهل بدأت خطوات إعادة هيكلة الجيش والأمن على أسس وطنية مهنية قبل أم بعد تأسيس وحدة العمالقة أم لا، ولماذا، بمعنى أخر ما الفارق ؟ وما نسبة ما تم الإعداد أو التنفيذ له (الانجاز) بهذا الشأن (نقصد الهيكلة) وكيف تم النيل من هذا الأمر باحتوائه وحرفه وتشويهه ومن ثم تقويضه والقضاء عليه قبل أن يبدأ أو في طور التكوين ولماذا ؟ وهل هنالك جهة بعينها لها مصالح حيوية واضحة تتحمل المسئولية كاملة في ذلك ؟ وأخيرا لماذا وضع الرئيس ألحمدي ثقته في أخيه ورفاقه في تولي مهمة بهذا الحجم ؟......الخ، وهنا تتمحور مضامين الدرس والعبرة الثالثة على وجه التحديد.
- وتأسيسا على ما تقدم نرد على ذلك بالقول أن وراء هذا الأمر؛ تكمن العديد من المضامين والأبعاد المتعددة التي يغلب عليها الطابع المعنوي أكثر المادي، فعلى الرغم من أن الرئيس ألحمدي كما تشير الدلائل التاريخية بحسب بعض المصادر كان أكثر تحفظا من تلك الأمور وثيقة الصلة بتعين الأقارب والمعارف في أجهزة الدولة ومؤسساتها، وهذا أمرا بالطبع ليس مرده جانبا مهنيا ووطنيا بل أمور أخرى معقدة وحساسة جدا يغلب عليها البعد العاطفي لدي العوام من الناس أكثر منه طبيعة القدرة التي يتمتع بها هذا الشخص أو ذاك في ممارسة مهامه بالاستناد إلى التأهيل والإعداد ومن ثم الأداء فهذا أمر أخر تحكمه معايير وطنية ومهنية في أية دولة مدنية.
- إلا أن خصوصية المهمة نفسها المؤكلة للرائد عبدالله ألحمدي ورفاقه قد فرضت عليه تجاوز الكثير من حيثيات هذا الأمر، فعظم المسئولية التي كانت ملقاة على عاتقه كانت سببا جوهريا وراء ذلك، فالوسط المحيط به كان مخترقا إلى حد كبير والعناصر الموثوق بولائهم لليمن رئيسا ونظاما وشعبا وأرضا كانوا قلة لذلك كان بأمس الحاجة إلى عنصر ارتباط يثق به كثيرا جدا لهذه المهمة.
- بالرغم من وجود قيادات عسكرية أعلى منه رتبه وخبرة وكذلك ثقة إذا ما صح لنا القول ذلك إلا ان المهمة كانت من الحساسية والتعقيد ومن ثم من الأهمية اللازمة لضمان مراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة بحاجة ماسة إلى تغليب الجانب المعنوي أكثر منه المادي فكان باعتقادي اختيار الرائد عبدالله ألحمدي قائدا على رأس الوحدة المزمع إنشاؤها بالاستناد إلى ذلك؛ بحكم أنه الأخ الشقيق للرئيس وما لهذا الأمر من مزايا معنوية متعاظمة في تحفيز الانجازات المادية المنشودة كما وكيفا في هذا الوقت الاستثنائي والمحدود جدا.
- مع الأخذ بنظر الاعتبار أمور أخرى وثيقة الصلة بهذا الشأن لها علاقة بأهمية تشبيب أجهزة الدولة ومؤسساتها في اتجاه إعطاء فئة الشباب من أبناء الثورة وحركتها التصحيحية، المؤهل بالعلوم والمعارف والمهارات والمشبع بالروح والقيم الوطنية والروحية والمدنية وبالطاقة والحيوية دورا محوريا ومهما بهذا الشأن كي يأخذ فرصته كاملة في بناء وإرساء مداميك الدولة إلى جانب جيل الآباء، سيما أن أعمار الكثيرين من قيادات وعناصر حركة التغيير الوطني تتراوح بين 28 و40 عاما، علما أن الرئيس نفسه كان عمره أثناء تسلمه زمام الأمور في الدولة 32 عاما.
- وهذا الأمر باعتقادي قد يثير جدلا غير مجدي تعج به الساحة في وقتنا الحالي، إلا أنه بحسب تقديري فإنه يمكن تجاوزه في مرحلة أخرى متقدمة من خلال السعي وراء إسناد مهمة قيادة هذه القوات بعد استكمال حلقاتها الرئيسة واستقرار الأوضاع العامة والخاصة نسبيا لصالحها إلى قيادات عسكرية أخرى بحسب ما تفرضه أولويات المصلحة الوطنية العليا في كل مرحلة من مراحل بناء وترسيخ مداميك الدولة، كجزء من سياسة التدوير الوظيفي في الجهاز الإداري والعسكري منه- بوجه خاص- التي يجب اعتمادها كسياق عام على سبيل المثال.
- بمعنى أنه كان ومازال باعتقادي مجرد إجراء ظرفي استثنائي فرضته ملابسات وظروف بعينها أشرنا إلى بعضا منها، ولم يكن بحد ذاته مسارا مخطط له من قبل الرئيس ألحمدي في اتجاه محاولة الهيمنة على مقاليد الأمور بأيدي أقربائه ومعارفه كما حاول الكثيرين الترويج له في أيامنا هذه لكن باتجاه قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، النموذج الأمثل الأكثر تطورا لتجربة قوات العمالقة في الشكل والمضمون.
- سيما بعدما حققته إدارة الرئيس ألحمدي من نجاحات مهمة لها شأنها في توفير الجزء الأكبر والمهم من المستلزمات المادية الخاصة بهذه الوحدة، والتي مكنها من إحداث هذه النقلة النوعية في واقعها وفي زمن قياسي وظروف داخلية وخارجية مناهضة ومناوئة إلى حد كبير بالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة غير الرسمية مع النظام الوطني في بغداد من خلال حليفه السوفيتي، في ضوء الدور المحوري الذي لعبه العراق في هذا الأمر في عموم المنطقة العربية وأجزائها الحيوية على طول الممر المائي بتفرعاته الثلاثة ومضيقي باب المندب وهرمز منها- بوجه خاص.
- بالاستناد إلى ما امتلكه من إمكانات وموارد مادية ومعنوية هائلة أهلته إلى حد كبير للقيام بمهام الدولة الإقليمية المحورية القائدة لمشروع التيار التحديثي التحرري، سيما أن هذا الأمر له دلائل تاريخية كثيرة لها علاقة وثيقة بحيثيات قيام حركة التغيير الوطني نفسها فكرا ومشروعا وأفرادا تحت هيمنة كافة الظروف المحيطة الضاغطة المناهضة لها شكلا ومضمونا ليس هذا فحسب.
- لا بل واستمرار تطورها وبقائها إلى هذا اليوم، وهذا أمر لسنا في مجال مناقشته إلا من خلال تلك الجزئية ذات الصلة بالدور الذي لعبه العراق في تأسيس وحدة العمالقة كوريثة شرعية لجيش الثورة السبتمبرية التي جاءت حركة التغيير الوطني لاستعادتها بكل أبعادها المختلفة ومساراتها الرئيسة من أيادي عناصر التيار التقليدي وشركائه التي نالت منها في الشكل والمضمون منذ انقلاب عام 1967م.
- فبعض المصادر المعنية بالاستناد إلى مقابلة مع أحد قادة ألوية هذه الوحدة سابقا ووزير شئون المغتربين الأخ مجاهد القهالي تشير إلى أن تسمية العمالقة " تعود إلى الرئيس الشهيد صدام حسين التي أطلقها على أحد الألوية العسكرية مشاة جبلي" التي شاركته حربه ضد التمرد المسلح في العام 1975م الذي تقوده عصابات كردية في شمال العراق ذات الطبيعة الجبلية القاسية؛ ضمن إطار مخطط دولي وإقليمي لاحتواء وإسقاط النظام الوطني الوليد في العراق (1969- 1975م).
- على خلفية ما لعبه ضباط وجنود هذا اللواء بالنظر إلى جاهزيته العالية بهذا النوع من حروب العصابات داخل المدن والجبال دورا مهما في الحرب الدائرة رحاها في جبال شمال العراق، بالمقارنة بقلة خبرة وجاهزية وحدات الجيش العراقي لهذا النوع من القتال الذي تتقنه عناصر التمرد الكردي، حيث تشير المصادر بهذا الشأن فقدان العراق لما يقارب الـ 60 ألف جندي طوال هذه الفترة، بصورة رجحت إلى حد كبير كفة الجيش العراقي في إنهاء التمرد ودحره عسكريا بعد النجاح الساحق للقيادة العراقية في حسمه سياسيا بتوقيع اتفاقية الجزائر مع الطرف الإيراني عام 1975م.
وللحديث بقية,,,,,,,,,,
والله ولي التوفيق وبه نستعين
([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.
المصدر : الكاتب