أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » من هنا وهناك

ليلة دبي ألف دهشة ودهشة

- ياسمين العثمان العثمان

ليلة دبي ألف دهشة ودهشة

 

في نهاية العام2012وتحديدا ليلة رأس السنة تسابقت القنوات العربية في شبه اتحاد غير مزمع على تقديم ما يسمى بحصاد العام من جهة وفي تقديم برامج تتسق واحتفالية العام الجديد،حصاد تلك البرامج في مجمله كان تراجيديا –أو هكذا خُيل لي-كون العام2012كان دمويا بجدارة الأمر الذي حدا بي إلى الهروب نحو قنوات عربية أخرى تبث تلك الاحتفالية والذي فازت فيه بدون منازع قنوات الإمارات العربية المتحدة والتي بثت احتفالية مدينة دبي العالمية والتي أحب أن أدللها ببنت النور فهي كذلك بينما باتت عواصم عربية معتقة بالظلام .

هذا الكرنفال الساحر والذي أخرجني من صمتي كان قطعة من فردوس الخيال فردوس النور والألوان والأضواء تتمنى وأنت تتابعه أن تتحول لحنا في هذا الفردوس أو ضوءا أو حتى لون ،تلك الاحتفالية الفردوسية استطاعت في دقائق ان تربت على كثير من الأرواح المكلومة طوال العام وان تنبش داخل أجسادنا عن منابع البهجة في الأرواح والتي طمرتها فواجع العام المنصرم  ولو لدقائق ويكفي أن ترى ردات فعل الحشود الغفيرة والتي توافدت من شتى أصقاع العالم قبيل الحدث بساعات حتى تشاهد مفاجاءت دبي بلاد العجائب ويكفي أن تعرف أن الاستعدادات لهذا الحدث ضاهت الاستعدادات لأضخم الأحداث الرياضية العالمية .

 

شمل الاحتفال لوحات أسطورية بتقنية حديثه عاليه التقدم تساءلت معها كيف يمكن سرد قصص خرافية تليدة بكل تلك الأدوات العبقرية المتطورة .حضّرت تلك اللوحات كل الأزمنة في دقائق وجعلتها في متناول اللحظة مع إيقاف لكل عقارب ساعة الزمن إلا ساعة العين البشرية المتطلعة للعام الجديد والذي بشرت به هذه الاحتفالية.

 

عزفت دبي في احتفاليتها بالعام الجديد على كل الأوتار كل الألحان فمن لحن الماء إلى لحن النار إلى تلك الموسيقية إلى لحن الأضواء الآسرة وكلها تنشد تحت إمرة عصا التكنولوجيا السحرية بطريقة تحبس أنفاس المعقول و يتمنى معها المتابع أن تتوقف تلك اللوحات للحظات حتى يتشبع منها ويتمنى في نفس الآن استمرار العرض في انتظار ما ستخرجه دبي من جعبة الدهشة .في منظر آسر تحولت النوافير المحيطة ببرج خليفة إلى أبواق تنفث الماء أنغام ضوئية نابضة بكل شيء حي وحتى النار المحرقة تحولت في إحدى اللوحات المحيطة بالبرج إلى أمواج من الأنغام المتراقصة في حضن الماء دونما انطفاء.

وكم كان مؤثراً  وجود ذاك الشخص والذي ساعد عدم إظهار ملامحه في الترميز فقط إلى الإنسان لا إلى شخص بعينه يحرك اغلب اللوحات الضوئية بوثبة رشيقة أو بحركة يد تحاكي تلك التي لقائد الاوركسترا في دلالة عن أن الإنسان هو من يصنع لوحات ظروفه وان الكون قد سخره له الله تعالى وهو الذي يقرر طريقة توظيف تلك المقدرات وانه يستطيع بكبسة زر تدمير مدن وبناء أخرى وبكبسة زر يخنق أرواح ويخلق أخرى ويزرع أمل ويقتلعها به.

في دقائق معدودة شاهدت برج خليفة كأنه جنين في رحم الكون يتكون طور  بعد طور بسرعة ضوئية تشابه نمو هذه المدينة حتى تحول إلى كائن خرساني عملاق والأعجب أن هذا الكيان ابتلع نفسه في ثوان في ظلام خلقه بنفسه ليعيد لفظ نفسه مجرة من الشموس تارة وتارة تراه   يقتلع كيانه العملاق من الأرض لتراه نجمة صغيرة في السماء ما لبثت أن سقطت على الأرض عوالم من الأضواء الوهاجة المتلاحقة ،ومن أعلى مبنى شيدته البشرية حتى الآن يعود هذا البرج في لوحة جديدة ليستحيل إلى شلال  من الألعاب النارية في مزاوجة خياليه مع خرير الموسيقى الخلاب وهي ذات الأضواء والتي جعلت برج خليفة يستحيل إلى نخلة عظيمة أصلها ثابت وفرعها في الفضاء ساقطت على الجمهور سحرا ثريا .

وهكذا ظل هذا البرج يرتدي الإبهار لوحة لوحه  دون ملل أو تكرار.وحتى البحيرة  التي أحاطت بالبرج استجابت لنداء الدهشة وتحولت إلى قطعة من سماءنا العربية الصافية مطعمة بمليارات النجمات لبدر لا يغيب اسمه دبي .وامتزجت فجاءه الألحان الغربية بهمسات من الألحان العربية لتؤكد أن الموسيقى هي إحدى اللغات الموحدة للبشر على اختلاف أجناسهم ومشاربهم  في نفس اللحظة والتي كانت فيها منطقة الاحتفال ترتدي ثوبا ازرقا حالما منسوجا من الأحلام الضوئية العربية في ألف ليلة وليلة حتى خالها المتابع تتأهب للخلود لنوم في خدر الإبهار بينما هي تستعد للخلود عبر  الدخول في بوابات المفاجاءت المتعاقبة  والتي تجعلك تتساءل كيف يمكن لدبي ان تلد هذه الحالات الابهاريه والدهشة بهذا الزخم في كل دقيقه وفي كل عرض بنفس الدقة والخيال والروعة.

 

وكم أعجبني تحول سماوات الاحتفال إلى شاشات تعرض التفاؤل والنور تبث من الأرض لتستقبلها سماء دبي وسماء الروح والعام الجديد.بخلاف ما اعتدناه طوال العام من الشاشات وكأنها تبث من قمر خارج أقمارنا الصناعية وعن كوكب والى كوكب غير أرضنا المكلومة والى عالم غير عالمنا المتوجس المثخن بالاضطراب والترقب والموت ،دقائق هذه الاحتفالية هيأت الأنفس لتقبل التفاؤل بالعام الجديد دون شرط وغسلت الكثير مما علق بالروح من أوجاع العام المنصرم بمزن الإبداع وحولت منطقة الاحتفال إلى مكان مسكون بلامستحيل انسحب على المشاهد فكان حلم جميل لا يحتاج إلى أن تنام وتغلق عينيك حتى تراه حلم لا يحتاج إلى التحقيق فقد تحقق سلفا ورؤيا أعجزت كل المعبرين.

 

Total time: 0.0421