قبل يوم 10 أغسطس 2010 لم يكن العالم قد سمع بالمضيف الجوي "ستيفن سلاتر" الذي كان يعمل في شركة "جت بلو". وفجأة أصبح الرجل حديث وسائل الإعلام، ومعشوق المدونين والمراسلين الصحفيين. ثم تحولت حكايته إلى حالة دراسية يجب تحليلها، وهو يخضع الآن للتحقيق وسيمثل أمام القضاء عما قريب؛ إذ يعتبره نصف القراء بطلاً يستحق التقدير، ويعتبره نصفهم الآخر مجرمًا معتوهًا.
كان "ستيفن" يقوم على خدمة الركاب في رحلة طيران عادية، وعند هبوط الطائرة تدخل بحكم واجبه الوظيفي ليمنع راكبة من إنزال متعلقاتها من خزانة الأمتعة قبل توقف محركات الطائرة؛ وبلا مبالاة سحبت الراكبة حقيبتها بقوة فخبطته في رأسه وأدمته. ويبدو أن المضيف ذا الخبرة الطويلة كان يعاني من ضغوط نفسيه، لأن ردود أفعاله تجاوزت كل الحدود. فأسرع باتجاه ثلاجة الطائرة وسحب نوعًا يحبه من المشروبات، ثم اندفع وفتح باب الطوارىء، وانزلق خارجًا بطريقة استعراضية، مهرولاً على مدرج المطار وكأنه أحد أبطال "هوليوود"؛ معلنًا عن تقديم استقالته بطريقة دراماتيكية تندر مشاهدتها في غير الأفلام الأمريكية.
بعض الخبراء اعتبروا "سلاتر" بطلاً مبررين موقفهم بأن للصبر حدود؛ فهو يعاني من الضغوط وازدحام الطائرات وطول ساعات العمل، بالإضافة إلى التصرفات غير الحضارية للركاب غير الملتزمين، خاصة وأن الراكبة التي ضربته رفضت الاعتذار. يرى هذا الفريق بأن بعض العملاء ينتهزون المنافسة بين الشركات وحرصها على تقديم خدمة رائعة ومعاملة العميل كملك، فيتمادون في طلباتهم ويبالغون في توقعاتهم حتى صار العميل طفلاً مدللاً، وصار الموظف خادمًا ذليلاً. ومع احتدام الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار الطاقة، عمدت الشركات إلى تقليص أعداد موظفيها وتكاليف خدماتها، فزادت ساعات العمل وأثقلت كواهل طواقم الخدمة التي تتعامل مع الركاب مباشرة.
بالمقابل، يرى أخصائيو التسويق والعلاقات العامة أن ما فعله "سلاتر" يعتبر ضربًا من الجنون، لأنه تعامل مع الراكبة بعصبية، وعرض حياته وحياة الآخرين للخطر. فضلاً عن أن المسافرين يعانون هم أيضًا من مشكلات التفتيش والأمن ومن عدم الاستقرار الوظيفي وضغوط الحياة بسبب الأزمة الاقتصادية. كما أن آداب التعامل ومعايير الخدمة المتميزة تجبرنا على رفع شعار: "العميل دائمًا على حق، حتى وإن كان على باطل." حتى العميل المخطىء نعامله باحترام يعكس جوهر قيمنا وثقافتنا وجوهر خدماتنا.
أما خبراء الموارد البشرية، فيرون أن "سلاتر" ارتكب جريمة في حق نفسه وشركته وعملائها الذين وثقوا فيها، ولا بد أن ينال جزاءه. وحتى لو برأته المحكمة فلن يبرؤه رؤساؤه الذين يعتبرون فعلته استقالة علنية يستحيل الرجوع فيها. ورغم هذه المحاججة إلا أن المدونين والموظفين المتعبين ما زالوا يرفعون شعار: "أطلقوا سراح ستيفن" على "فيس بوك" وغيره من المنتديات والمواقع الإلكترونية الصاخبة.