اخبار الساعة - د.طارق الحروي
- إن ضرورة توفير المواصفات الأساسية الضرورية اللازمة لإمكانية قيام دولة مدنية ديمقراطية فاعلة في اليمن ضمن إطار منظومة الحكم الرشيد، تتيح المجال واسعا أمام أبنائها محكومين وحكاما للقيام بأدوارهم كلا بحسب أسمه وصفته وقدرته وجهده- وفقا- لطبيعة ومستوى ومن ثم حجم المهام الموكلة إليهم بما يحقق لها أهدافها ومصالحها المنشودة تباعا، ويعزز مبدأ الشراكة المجتمعية في إدارة شئون البلاد وتحمل تبعات المسئولية الوطنية والتاريخية والدينية والأخلاقية...الخ، جراء عظم حجم المهام والتحديات ذات الطابع المصيري المحيطة بها ويصعب أدائها ومواجهتها دون ذلك.
- يتطلب إلى حد كبير في حقيقة الأمر ضرورة مغادرة الهيئة المبهمة الشائكة لشكل النظام السياسي اليمني القائم (المختلط) الذي يجمع بين مزايا النظامين البرلماني والرئاسي, سيما أنه قد أصبح أمرا ملزما قيد البحث والدراسة والتدقيق والمراجعة من قبل الجهات المعنية منذ سريان مفعول المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة ضمن إطار حيثيات إصلاح المنظومة السياسية القائمة كمدخل أساسي ومهم للإصلاحات الجذرية التي سوف تطال الواقع الداخلي برمته، بالاستناد على حيثيات كثيرة مهمة بهذا الشأن وضعت أهم اللبنات الأساسية فيها منذ العشر سنوات ونيف الماضية بأيادي عناصر حركة التغيير الوطني بمسارها الجديد (الحركة التصحيحية الثالثة)، وهذا ما نحن بصدد مناقشة بعض مفرداته بشيء من الإيجاز في هذه السلسلة من المقالات تحت عنوان (قراءة في أبجديات نظام الحكم الأمثل لليمن !!) .
- أما عن بعض أهم ما يؤخذ على شكل نظام الحكم الحالي القائم في اليمن هو اتجاه الأمور فيه صوب حصول منصب الرئيس على المزايا البرلمانية في النظام الرئاسي والمزايا الرئاسية في النظام البرلماني، بحيث ينتفي بموجبها وجود أية إمكانية حقيقية لإحداث توازن نسبي حقيقي فيما بين مكونات السلطة التنفيذية مع بعضها البعض وفيما بينها وبين السلطة التشريعية أو إمكانية وجود أية إجراءات حقيقية أخرى نستطيع من خلالها أن خلق من نوع التوازن بين السلطات المختلفة، لدرجة تتقلص معها إمكانية وجود أية قدرة على المحاسبة والمراقبة والمسألة والتقييم فيما بينها- هذا من ناحية.
- وكذا فتح الباب واسعا على مصراعيه ابتداء أمام توسيع غير محدود وواضح في نطاق حدود السلطات الممنوحة للسلطة السياسية العليا الممثلة بـ(رئيس الجمهورية)، لدرجة تفضي في كثير من الأحيان إلى طغيان شبه عارم لسلطة الرئيس على كافة السلطات الأخرى، بصورة تؤدي- في نهاية المطاف- إلى حرف وتشويه ومن تجميد وإيقاف نمو العملية التنموية برمتها والسياسية منها- بوجه خاص- سيما في ضوء طبيعة ومدى ومن ثم حجم النتائج غير المبشرة للتجارب العالمية بهذا الشأن في معظم النواحي.
- ومرورا بما يتميز به النظام المختلط- بصفة عامة- من انعدام شبه واضح لمبدئي الكفاءة والفعالية في أداء المهام المؤكلة له ومن ثم من استمرار تنامي وغلبة حالات الغموض والشلل الحادة- في بعض الأحيان، لدرجة أنه يسمح في كثير من الأحيان بظهور تلك الفئة من (صناع القوانين) القادرة على تمرير ما لا يمكن تمريره، وانتهاء بتطبيقاته المتعددة غير المبشرة التي تجعله بالكاد قادر على ممارسة سياسة خارجية شبه فاعلة – من ناحية ثانية- على خلفية أن أصل المشكلة في النظام المختلط تكمن- برأينا- في الكيفية التي من خلالها يتم اقتسام الشرعية السيادية ضمن إطار مكونات السلطة التنفيذية مع بعضها البعض أو فيما بينها وبين السلطة التشريعية .
- ويبرز أمامنا بهذا الشأن النظام اللبناني مثال حي على سبيل المثال لا الحصر الذي يتم تقاسم السيادة بين رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب، وكلا من النظام الفرنسي الذي- في الغالب- تصاب سياسته الخارجية بنوع من حالة الشلل الحادة عند تقسيم السلطة العليا بين كلا من الاشتراكيين والديجوليين، والنظام الفلسطيني في ضوء توزيع مهام ممارسة السيادة الخارجية بين الرئيس ورئيس مجلس الوزراء، على خلفية الدور الذي لعبه الأول الرئيس محمود عباس في هذا الأمر (قبل/بعد) وجود الرئيس ياسر عرفات، عندما سعى وراء محاولة تعظيم سلطات رئيس الوزراء في صنع السياسية الخارجية عندما كان رئيسا للوزراء، أو للتقليل منها بعد أن أصبح هو رئيسا للدولة في محاولة لاستعادة تلك الصلاحيات،،،،،،،،،،، وللحديث بقية
والله ولي التوفيق وبه تستعين
([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.
المصدر : الكاتب