أخبار الساعة » السياسية » عربية ودولية

لماذا يطالب نتنياهو بأن يكون الأمن هو النقطة الأولى في المفاوضات؟ يقلم : اياد مسعود

- ادريس علوش

لماذا يطالب نتنياهو بأن يكون الأمن هو النقطة الأولى في المفاوضات؟

 

إياد مسعود

كشفت المفاوضات المباشرة، بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مرة جديدة، أن إسرائيل لم تغير في نظرتها إلى الحل مع الفلسطينيين والعرب، وأن رؤيتها للدولة الفلسطينية، تختلف عن رؤية الفلسطينيين والعرب والأطراف الدولية لهذه الدولة، وأن «الأمن» الإسرائيلي هو الموضوع الذي ليس من موضوع قبله، وأن كل الحلول يجب أن تستند إلى هذا الأمر، أي أمن إسرائيل، وتنطلق منه.

وقد عبر نتنياهو عن ذلك، حين ذهب إلى واشنطن في 2/9/2010 وهو يطالب أن يكون «أمن إسرائيل» هو المدخل إلى المفاوضات مع الفلسطينيين، وعلى قاعدة هذا «الأمن» وما يتم التوصل إليه بشأنه من اتفاق، تدخل إسرائيل في بحث قضية حدود الدولة الفلسطينية.

و«مدخل» نتنياهو إلى المفاوضات، يحمل في طياته دلالات ومفاهيم ومعانٍ عديدة، لا يمكن الوصول إلى فهم العقلية التفاوضية الإسرائيلية، والدخول في دهاليز أفكارها، ومناوراتها إلا إذا فككنا، ما استطعنا، هذه المفاهيم والدلالات والمعاني.

الأمن الإسرائيلي.. أولا

يريد نتنياهو أن يؤكد قولا وعملاً، وأن يدعو الأطراف الأخرى للاعتقاد والتسليم بأن هدف المفاوضات، ليس الانسحاب من الأرض الفلسطينية المحتلة، وليس الوصول إلى حل «الدولتين» كما نص عليه المشروع الأميركي ، وليس، بالطبع، الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، كما أقرتها واعترفت بها الأمم المتحدة في قراراتها المختلفة. وليس ،كذلك، الالتزام بالقرار 242 ومبدأ «عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة». بل إن هدف المفاوضات هو الوصول إلى حل يضمن «أمن» إسرائيل. وعندما تتأكد إسرائيل أن أمنها بات مضمونا، يمكن عندها الدخول في مناقشة باقي القضايا، وإذا ما تضاربت هذه القضايا وحلولها، مع مفهوم إسرائيل لأمنها، يتم تغليب المفهوم الأمني الإسرائيلي وضروراته على باقي المفاهيم، بما في ذلك حقوق الشعب الفلسطيني، وقرارات الشرعية الدولية وتفسيراتها. وبالتالي، وكخلاصة، فإن إسرائيل ليست مع «حل الدولتين» الأميركي الصيغة، بل هي مع «حل الدولتين» الإسرائيلي، والذي بموجبه ترسم حدود إسرائيل، ومناطق انتشار جيشها ومستوطناتها، وعلى خلفية ذلك ترسم حدود الدولة الفلسطينية، وحدود مصالح الشعب الفلسطيني.

ومع أن مفاهيم الأمن، على الصعيد الدولي، دخلت عليها تغييرات واسعة، خاصة في ظل تطور أسلحة الدمار الشامل، وانتشار الصواريخ ذات المدى البعيد، ومع أن حرب إسرائيل الثانية ضد لبنان (كما يسميها جنرالات العدو) عام 2006، أثبتت أن الإجراءات الأمنية على الحدود لا تستطيع أن تحمي «الجبهة الداخلية» من خطر الصواريخ، فإن نتنياهو، في مدخله إلى المفاوضات، ما زال مصرا على المفهوم التقليدي للأمن الذي يربط بينه وبين الأرض. وإن مثل هذه المواقف تستعيد ، مرة أخرى، مواقف كانت الدولة العبرية قد اتخذتها في مفاوضاتها مع كل من القاهرة وعمان.

التجربة المصرية

ففي المفاوضات مع مصر، وعلى خلفية زيارة الرئيس المصري السابق أنور السادات إلى القدس، طرحت إسرائيل سلسلة شروط «أمنية» للوصول إلى معاهدة سلام مع الجانب المصري. منها على سبيل المثال الاحتفاظ بمرفأ ياميت وتجمع مستوطناته في سيناء، وكذلك الاحتفاظ بالمطارات العسكرية الإسرائيلية، وذريعتها في ذلك أنها تريد أن تحفظ أمنها ولا تريد، بالمقابل، أن تتعرض لمفاجأت أمنية كتلك التي تقول إنها تعرضت لها في حرب حزيران (يونيو)67. قدمت إسرائيل هذه الذرائع متجاهلة أن وقائع حرب تشرين المجيدة (1973) تدحض هذه الذرائع وتنسفها من أساسها. فقد اندلعت الحرب، واستطاع الجيش المصري أن يهزم الجيش الإسرائيلي وأن يدحره وأن يرغمه على التراجع، مع أنه كان متحصنا في مواقع آمنة، وفقا للاعتقاد الإسرائيلي، وفرها للجيش الإسرائيلي «خط بارليف» آنذاك. ولقد نجح الجيش المصري، ببطولاته الرائعة، وتضحياته الغالية أن يدمر هذا الخط، وتحصيناته، مع أنه كان عند حافة قناة السويس، الأمر الذي يؤكد، وفقا للوقائع العسكرية، أن الاحتفاظ بميناء ياميت ومستوطناته، وأن الاحتفاظ بالمطارات العسكرية في سيناء، ليس الهدف منه حماية إسرائيل، بل الاستيلاء على المزيد من الأرض، ومكافأة المعتدي على عدوانه. ولقد برزت الفطنة التفاوضية المصرية آنذاك، على يد وزير الخارجية المصري محمد إبراهيم كامل، حين رفض أن يبحث مع الإسرائيليين مسألة «أمنهم»، مؤكدا لهم أن المدخل إلى المفاوضات هو الإقرار الإسرائيلي بالانسحاب من الأرض المصرية (والعربية) المحتلة، بعدوان حزيران، والاعتراف بالسيادة المصرية (والعربية) على هذه الأرض. لذلك كان رد كامل على المدخل الإسرائيلي نقطتين مختصرتين هما: الأرض والسيادة. وقبل البت بهاتين النقطتين، لا مفاوضات. وبغض النظر عن موقفنا من «معاهدة السلام» المصرية الإسرائيلية في كامب ديفيد، فإن الوقائع تؤكد أن المفاوض المصري رفض رفضا قاطعا وجود الإسرائيليين على أرض سيناء أيا كان شكل هذا الوجود.

الأمن.. والأرض

نتنياهو، يعود في مفاوضاته مع عباس إلى طرح مسألة الأمن ويربط بينها وبين الأرض. وبما يؤمن له ،كما يقول، ما جاء في القرار 242 من حديث عن «حدود آمنة»، في تزوير فاقع للقرار، بحيث يبدو وكأن هذا القرار لا يتحدث إلا عن حدود إسرائيل دون غيرها، علما أن إسرائيل هي التي اعتدت وشنت الحرب ضد العرب، وقد تكشف ذلك بوضوح شديد، في العديد من الكتب والدراسات والوثائق والمذكرات التي صدرت لاحقا، والتي نفت أن تكون حرب حزيران حربا دفاعية إسرائيلية: بل كانت عدوانا جرى الإعداد له من قبل الإسرائيليين بانتطار اللحظة المناسبة لتنفيذه.

يريد نتنياهو، عبر مدخله إلى «الأمن»، أن ينتزع من بين أيدي الفلسطينيين أجزاء مهمة من الضفة الفلسطينية، وإلى فرض إجراءات رقابية على معابر «الدولة الفلسطينية» بما يؤدي إلى ثلم السيادة الفلسطينية على هذه المعابر.

في الجانب الأول، وبذريعة اتقاء الخطر القادم من الشرق، والذي كان العراق يمثله سابقا وباتت إيران هي التي تمثله حاليا، يطالب نتنياهو بأن تبقى قواته في منطقة الأغوار الفلسطينية، وأن تبقى إلى جانبها المستوطنات الإسرائيلية هناك، باعتبارها نقاط دفاع وإنذار مبكر، لصون أمن إسرائيل. هذا يعني أن نتنياهو يريد أن ينتزع من الفلسطينيين «سلة غذائهم»، فالأغوار هي المنطقة الزراعية الأكثر خصوبة في الضفة، وفيها تزرع حاجات الضفة من خضار وغيرها. وحرمان الضفة من هذه «السلة» معناه الاستيراد من إسرائيل، فضلا عن أن ذلك سيزيد من التشويه الجغرافي والاقتصادي (والسيادي) للدولة الفلسطينية المفترض ولادتها.كما يطالب نتنياهو بسلخ حصة الفلسطينيين من البحر الميت وضمها إلى إسرائيل، وذريعته في ذلك أن لا يتحول هذا البحر إلى مصدر خطر على إسرائيل، عبره يمكن أن تتسلل المجموعات المسلحة من الجانب الفلسطيني إلى الجانب الإسرائيلي بقصد التخريب. لكنه واضح، أن نتنياهو يريد، بهذه الذريعة، أن يغطي رغبة إسرائيل في توسيع حدودها، بحيث تصبح مالكة للبحر الميت مناصفة مع الأردن، بدلا من أن تكون شريكا ثالثا وبنسب متفاوتة لصالح الأردنيين والفلسطينيين. ولا يتردد نتنياهو في المطالبة بتموضع قواته عند القمم الإستراتيجية في الضفة، كمحطات إنذار مبكر ضد أي عدوان خارجي تكون المناطق الفلسطينية وما خلفها مصدره. مع العلم أن تموضع هذه القوات ، من شأنه أن يفتح الباب لبناء مستوطنات مجاورة للمواقع العسكرية الإسرائيلية. فضلا عن أن ذلك يشرع الاحتلال الإسرائيلي للضفة الفلسطينية، ويبقي الحالتين الفلسطينية والعربية في موقع الاتهام، باعتبارهما تشكلان خطرا أمنيا على إسرائيل، بما يعطي الدولة العبرية «الحق» في الانتشار العسكري بما يدرأ هذا الخطر ويتصدى له

أرض متنازع عليها!

إلى جانب هذا، فإن نتنياهو في إصراره على اعتبار أمن إسرائيل هو المدخل للعملية التفاوضية ينطلق من خلفيات سياسية إسرائيلية أهمها:

- التأكيد أن الضفة الفلسطينية ليست أرضا محتلة بل هي أرض متنازع عليها، يحق لكلا الطرفين أن يدعي ملكيته لها. وفي هذا المجال قدمت إسرائيل مطالعات مطولة  استندت إلى مفاهيم ملفقة، بهدف نفي حق الفلسطينيين باسترداد أراضيهم. وعلى هذه القاعدة، وبما أن الأرض متنازع عليها، فإن حسم ملكيتها لا يستند إلى تطبيق القرار 242، بل يستند إلى «التفاوض بين الطرفين» ويصبح، وفقا للفهم الإسرائيلي، مطلوبا من الطرفين معا أن يقدما تنازلات مؤلمة. فتتنازل إسرائيل عن المناطق الفلسطينية المكتظة بالسكان، وتحتفظ لنفسها بالأرض (أرياف الضفة ومزارعها وينابيع مياهها). ومقابل «تنازل» إسرائيل المؤلم، يعتبر قبول الفلسطيني بالصفقة مع إسرائيل، تنازلا يقابل التنازل الإسرائيلي و«خطوة ضرورية ليلتقي الجانب الإسرائيلي في منتصف الطريق.

الأرض لن يحتاجها!

- لتأكيد على ما كان قد صاغه شمعون بيريس، عشية التوقيع على اتفاق أوسلو، من مفاهيم، تتيح لإسرائيل نهب الأرض والمياه الفلسطينية، بذرائع شتى. من بينها ،على سبيل المثال، أن توزيع المياه لا يكون على قاعدة «حق الملكية»، كما تنص على ذلك القوانين الدولية، بل على قاعدة «الحاجة الفعلية» لهذه المياه. وبالتالي يتقاسم الفلسطينيون مياههم مع الإسرائيليين، ولأن الإسرائيليين يحتاجون إلى المياه أكثر من حاجة الفلسطينيين (مياه الشفة ـ الزراعة ـ الصناعة ..الخ) تصبح المعادلة كالتالي: لإسرائيل الحصة الأكبر من المياه الفلسطينية، وللفلسطينيين ما يفيض عن حاجة إسرائيل. هذا المفهوم «لتقاسم» المياه (أي بتعبير آخر لإعطاء إسرائيل «الحق» في سرقة المياه الفلسطينية) هو الذي يحكم الآن سياسة الاحتلال في توزيع المياه في الضفة الفلسطينية، ففي الوقت الذي يتمتع فيه المستوطنون بالمياه، تعاني المدن والقرى والمزروعات الفلسطينية من شح رهيب في مصادر المياه، حتى أن مدينة كالخليل لا تصلها المياه في الصيف إلا ساعات قليلة، (بما لا يزيد عن أربع ساعات) كل أسبوع.

- تثبيت المفهوم الإسرائيلي للأمن ربطا بالأرض. وهو مفهوم مخالف بشكل كلي لمبادئ العلاقات الدولية. فلدى الدول «الطبيعية»، ينطلق مفهوم الأمن (بجانبه العسكري) من حاجة الدولة إلى جيش قوي، يمتلك من العدد والعدة ما يتيح له الدفاع عن حدود بلاده ضد أي عدوان خارجي. المفهوم الإسرائيلي للأمن مخالف تماما. فهو يربط بين قدرة الجيش الإسرائيلي على الدفاع عن إسرائيل (حسب مزاعم القيادات الإسرائيلية) وبين استيلاء هذا الجيش على المزيد من الأرض. فالأرض هي جوهر الموضوع الأمني الإسرائيلي. وهو جوهر لا ينفصل أبدا عن جوهر المشروع الصهيوني. ولقد كان تيودور هرتزل صريحا، في كتابه الشهير «دولة اليهود»، حين اعتبر أن الهجرة إلى فلسطين هدفها الاستيلاء على الأرض، وأنه بدون أرض لن تقوم للمشروع الصهيوني قائمة. والأرض التي تطمح إسرائيل على الدوام للاستيلاء عليها هي الأرض التي بلا سكان. من هنا نلاحظ أن شعار الاستيطان الإسرائيلي الأكثر وضوحا هو «أرض أكثر.. عرب أقل». هذا ما يفسر لجوء إسرائيل ، على سبيل المثال، إلى طرد الفلسطينيين، بقوة السلاح من أراضيهم عام 1948. وهو ما يفسر، في السياق نفسه تفسير وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان لمفهوم «يهودية الدولة» بأنه يعني طرد من هم من غير اليهود، أي طرد الفلسطينيين وترحيلهم إلى مناطق الضفة الفلسطينية وقطاع غزة. وهو ما يفسر أيضا ذلك القول الصهيوني الشهير، «حيث تصل قدم الجندي الإسرائيلي تكون إسرائيل».

وكخلاصة، يفترض التأكيد أن مدخل نتنياهو إلى المفاوضات (أمن إسرائيل) ليست خلفيته الأمنية، بالمعنى التقليدي للكلمة، بل إن خلفيته الاستيلاء على الأرض الفلسطينية والعربية وعدم الانسحاب منها.

 

المصدر : بريد بريس-ادريس علوش

Total time: 0.0305