من نافلة القول إن الدافع الأساسي وراء محاولتي الكتابة في هذا الموضوع من تحت هذا العنوان بالتحديد، هو شعوري بعظم المسئولية التي أتحمل تبعاتها أمام الله تعالى جل في علاه وأمام نفسي ثم أمام أبناء أمتي بضرورة الاستمرار في فتح وتفكيك طلاسم ورموز وشفرات الواقع الداخلي والسياسي منه- بوجه خاص- الذي نعيشه منذ ما يقارب من الأربعة عقود ونيف الماضية، كي يسهل على أبناء الأمة فهمها كما هي على أرض الواقع ومن ثم استيعابها ضمن إطار توجهاتهم ومواقفهم الحالية والقادمة، كي يتمكنوا من إجراء عملية التصحيح اللازمة لها بما يتفق مع أولويات المصلحة الوطنية العليا شكلا ومضمونا.
- من خلال رسالة واضحة المعالم أبعثها بدون أية تردد إلى أولئك العملاء الخونة المأجورين المرتزقة القتلة قساة القلوب متحجري العقول وعديمي الضمائر من ارتضوا لأنفسهم قبل شعبهم الانغماس إلى حد النخاع في أكل وشرب ولبس الحرام والتقاط ما تبقى من الفتات على موائد اللئام من القوى والعناصر التي ابتليت بها اليمن المنتمية للتيار التقليدي المحافظ (القبلي) والمتطرف (الديني) وشركائه المحليين في دولتي الشمال والجنوب سابقا ودولة اليمن الواحد حاليا.
- الذين كيفوا أنفسهم وما زالوا إلى حد اليوم، لا بل واستمرؤوا عيشة الذل والمهانة والخنوع تحت أقدام وكنف أولئك المتآمرون الحاقدون على أنفسهم وشعوبهم ومن ثم على اليمن دولة وشعبا وأرضا وتاريخا وطموحا، بالاستناد إلى حقيقة دامغة من حقائق التاريخ الإنساني أن لكل بداية نهاية محتومة طال الزمن أو قصر فالبقاء لله وحده، وأنتم نهايتكم قد حانت مهما حاولتم تفاديها أو تجاهلها بهذا العواء المسعور الذي ملئتم به أرجاء البلاد تحت مسميات كثيرة (الثورة، التغيير، حماة الشعب والشباب،....) ما أنزل الله بها من سلطان، وعندها أشهد الله أنها سوف تكون وخيمة في مزبلة التاريخ كما أردتم وكنتم ولا نامت أعين الجبناء الخاسئين المتسولين اللصوص.
- وفي محضر وضع تعريف مبسط للحكومة السرية في اليمن نقول أنها الجهة التي يمسك عناصرها بمعظم مقاليد السلطة (مصادر القوة والثروة في البلاد) منذ النصف الثاني من عقد الستينيات بدون أن يكون لهم أية صفة رسمية تذكر، ويديرون معظم هذا إن لم نقل كافة شئون البلاد- وفقا- لما تقتضيه أهداف ومصالح هذه العناصر والجهات التي تقف ورائها في البيئتين الداخلية والخارجية، من خلال مئات وألوف العناصر التي تتصدر المشهد الداخلي في كافة المجالات الرسمية وغير الرسمية، بحيث يصبح الجزء الأكبر والمهم من أعمال النظام والحكومة وغيره من المرافق الحكومية وغير الحكومية، ما هي إلا ترجمة حقيقية في الشكل والمضمون لطبيعة ومستوى ومن ثم حجم هذه الأهداف والمصالح ومن ثم الرؤى والتوجهات التي تصطدم قلبا وقالبا بالمصالح العليا لليمن نظاما وشعبا وأرضا وتاريخا وطموحا.
- أما عن أهم عناصر هذه الحكومة البارزين في واجهة المشهد الداخلي اليمني منذ العام 1967م على وجه التحديد فهم (اللواء) المتمرد المتأمر على ماضي وحاضر ومستقبل اليمن علي محسن (الأحمر) وثلة من كبار ضباط الجيش والأمن الموالين للتيار التقليدي وشركائه القدماء والجدد في الوسط العسكري، والشيخ عبدالله الأحمر وأولاده من بعده في الوسط القبلي والاجتماعي، والشيخ عبد المجيد الزنداني وبعض كبار قيادات حركة الأخوان في الوسط الديني.
- أما بعد عام 1990م فقد تم توسيع عضوية أعضائها لتضم أهم عناصر قيادة الحركة الانفصالية القاطنة في الخارج المنتمية للتيار اليساري وشركائه المتامر على ماضي وحاضر ومستقبل اليمن الحليف الأبرز للتيار التقليدي فيما كان يسمي بشمال اليمن؛ يبرز منهم على سبيل المثال لا الحصر الأخوة علي سالم البيض وحيدر أبو بكر العطاس،.. في الوسط الحزبي والعميد المتمرد حسن باعوم وصلاح الشنفرة والشيخ طارق الفضلي في الوسط العسكري وشبه العسكري ضمن إطار ما يسمى إعلاميا بـ"مجلس الحراك السلمي لتحرير الجنوب".
- وفي الوقت الذي كان وما زال (اللواء) المتمرد المتامر على الشرعية الدستورية علي محسن (الأحمر)،يشغل منصب النائب الثاني للرئيس فيها بحكم أن منصبي النائب الأول والرئيس فيها كان يشغله أمراء سعوديين منذ مطلع عقد السبعينيات الماضي؛ على خلفية أن إدارة شئون الحكومة نفسها ومن ثم شئون البلاد تقع على عاتق قيادات وعناصر التيار التقليدي السعودي؛ ممثلة بعناصر اللجنة الخاصة السابقة وامتداداتها في الأوساط الحاكمة السعودية الأكثر خطرا إلى حد اليوم على حاضر ومستقبل اليمن والسعودية على حد سواء.
- فإن هذا المنصب إلى حد كبير باعتقادي يبقى شكلي يغلب عليه طابع الرقابة والإشراف فقط لا غير؛ بحكم محدودية الصلاحيات الممنوحة له ولبقية أعضائها، فهم بنظر الجانب السعودي من عناصر التيار التقليدي المهيمن على إدارة الشأن اليمني مجرد دمى متهرية ضعيفة جائعة غذيت بالحرام، استمرأت العمالة والخيانة لتحتفظ بالفتات الممنوح لها بالرغم مما أصبحت تحوزه من ثروات على مدار الأربعة عقود ونيف.
- سيما في حال أدركنا أن عناصر هذه الحكومة ونائبها الثاني- بوجه خاص- لا يمتلكون أية قدرات ذاتية لها شانها تمكنهم من إدارة شئونهم الداخلية قبل أن تكون لديهم مقومات القدرة الكافية لإدارة شئون البلاد، حيث بالرغم من طول الفترة التي أمضوها في سدة السلطة إلا أنهم عاجزون إلى حد كبير من إدارة حتى مرفق رسمي صغير؛ مقابل ما كانت عليه قيادات وعناصر التيار التحديثي التحرري ليس هذا فحسب.
- لا بل وبحكم عظم المسئولية التي تقع على عاتق هذه الحكومة- وفقا- لما تمليه المصالح السعودية؛ على خلفية ما كان يمثله المتغير اليمني من خصوصية غاية في الأهمية بالنسبة لمصير حكم أسرة أل سعود- وفقا- للنظرة التقليدية الضيقة ومن ثم للسياسة السعودية عموما بالاستناد إلى كافة الدلائل التاريخية بهذا الشأن.
- ومن هذا المنطلق قد يسأل سائل متى ولماذا وكيف سقطت اليمن بين أحضان هذه الحكومة المشئومة ؟ يسعنا القول إن اليمن (الشطر الشمالي سابقا) قد سقطت بين براثن العناصر والقوى المنتمية للتيار التقليدي المحافظ (القبلي) والمتطرف (الديني) وشركائه من القوى المحلية القومية واليسارية التي انحرفت عن مسارها الطبيعي، كامتداد للانشقاقات الحادة الحاصلة في التيار القومي بين البعث وما يسمى بالناصرية- أولا- ثم انقسام التيار البعثي نفسه بين كلا من سوريا والعراق وانضواء الأول في صفوف وأحضان التيار التقليدي الإقليمي (السعودي- الخليجي) بأبعاده الدولية منذ العام 1967م- ثانيا.
- وانقسام ما يسمى بالتيار الناصري بين كلا من مصر وليبيا وارتمائهما معا بالمثل في أحضان التيار التقليدي الإقليمي، عقب تخلي مصر ممثلة التيار الإقليمي التحديثي التحرري عن دورها القومي في اليمن بصورة رسمية عام 1968م لصالح السعودية ممثلة التيار الإقليمي التقليدي المحافظ والمتطرف بعد صراع مصيري مرير بينهما استمر قرابة سبعة سنوات تقريبا، والتحاق كلا من سوريا وليبيا بها بصورة رسمية منذ مطلع السبعينيات والتزام العراق لوحده بدور القائد للتيار الإقليمي التحديثي التحرري.
- ومما تجدر الإشارة إليه بهذا الشأن فإن الفترة الواقعة بين عامي (1967- 1974م) التي ألت فيها الأمور شكليا في الجانب الرسمي، عقب الانقلاب الحاصل على نظام الرئيس عبدالله السلال إلى أيادي عناصر بعثية وكذا ناصرية محسوبة شكليا على التيار القومي ولكنها فعليا تنتمي للتيار التقليدي (قيد التأسيس) آنذاك ومحسوبة عليه ضمن إطار إستراتيجية إقليمية- دولية معدة لمثل هذا الغرض، وإعلان ما عرف وسمى لدي الكثيرين جزافا بالنظام المدني على أنقاض النظام العسكري (1962-1967م) كما يعتقد الكثيرين حتى يومنا هذا.
- إن كانت بمثابة نقطة الارتكاز الأولى الأكثر أهمية على الإطلاق للنيل من اليمن نظاما وشعبا وأرضا وتاريخا وطموحا ماضيا وحاضرا ومستقبلا، بحكم أنها كانت ومازالت البداية الفعلية الحقيقية الأكثر تأثيرا وتأثرا وأثرا على واقع اليمن إلى حد اليوم من خلال ما شكلته من أثار وتداعيات وخيمة باتجاه حرف وتشويه ومن ثم تجميد وإيقاف المد التحديثي التحرري للثورة ورجالها من عناصر التيار التحديثي التحرري.
- على أثر ما حققته من نجاحات نسبية مهمة جدا في إعادة صياغة وبلورة كافة مفردات البيت الداخلي خارج مظلة الثورة وأهدافها ومصالحها- وفقا- للمعادلة الداخلية الجديدة الحاكمة للبلاد، التي فرضت نفسها بقوة من خلال توازنات جديدة لصالح القوى التقليدية وشركائها في الداخل والخارج.
- فإنها باعتقادي- وفقا- للدلائل التاريخية تعد البداية الفعلية لتشكيل نواة الحكومة السرية في اليمن من ممثلي التيار القبلي والعسكري والديني وشركائهم التي أل إليها أمر اليمن حتى العام 2011م؛ تحت إدارة وإشراف ورعاية ووصاية السعودية ولجنتها الخاصة منها- بوجه خاص- بحيث استطاعت السعودية من خلال اللجنة الخاصة منذ ذلك الوقت الهيمنة إلى حد كبير على معظم حيثيات المشهد الداخلي اليمني بصورة رسمية وغير رسمية ضمن إطار استراتيجية شاملة معدة لمثل هذا الغرض، لدرجة غاصت بأقدامها وأياديها عميقا ونشبت بأنيابها وأظافرها المسمومة في كل شبر من جسد الوطن.
- وعلى الرغم من أن طبيعة ومستوى ومن ثم حجم هذا الجسم السرطاني الخبيث والمخيف الذي ينسب إليه ما جرى ويجري وسيجري لليمن كانت واضحة إلى حد كبير منذ خط البداية، إلا أنه لم يتسنى له بلورة الجزء الأكبر والمهم من ملامحه الرئيسة وإرساء مداميك مشروعه السرطاني الخبيث إلا بعد مرور الأربعة عقود ونيف الماضية، على خلفية طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الحضور النوعي والكمي لمكوناته في أحداث أعمال الفوضى والتدمير التي اكتنفت المشهد الداخلي منذ مطلع العام 2011م إلى يومنا هذا.
- ليس باعتبارها كانت ومازالت بداية النهاية في أخر فصل من فصول المواجهة المصيرية القائمة مع عناصر التيار التحديثي التحرري فحسب، لا بل وبعدها كانت اللحظة التاريخية الفارقة التي كادت تشكل نقطة الارتكاز الأساسية اللازمة لإحداث نقلة نوعية غير مطروقة في عملية إخراج وإسقاط حركة التغيير الوطني نهائيا من المعادلة الداخلية وتسلم زمام الأمور كلها بأيادي عناصرها.
- إلا أنها إلى حد كبير شكلت عكس ذلك نقطة الارتكاز الأساسية لنهوض ودخول التيار التحديثي التحرري هذه المعادلة من أوسع أبوابها مقابل إخراج وإسقاط التيار التقليدي وشركائه من المعادلة الداخلية، سيما إننا اليوم بعد مرور عامين من عمر هذه المواجهة يسعنا القول بثقة تامة أن كفة الميزان قد مالت إلى حد كبير لصالح حركة التغيير الوطني الممثل الشرعي لمصالح اليمن العليا ضمن إطار الاستراتيجية الوطنية العليا المتبعة لاستكمال بناء مداميك الدولة البحرية المدنية الحديثة المنشودة- وفقا- لخارطة الطريق الجديدة (المبادرة وآليتها).
- وعلى الرغم من حالات الممانعة والمناهضة التي تبديها الكثير من العناصر والقوى المنتمية للتيار التقليدي وشركائه والتي يتم تصويرها من قبل وسائل الإعلام المختلفة والموالية لها، بأنها مازالت بتلك القوة التي كانت عليها، وإن الذي يجري ما هي سوى سحابة صيف، إلا أنني أجزم قطعيا عكس ذلك فأقول إنما هي في حقيقة الأمر النهاية الفعلية لإرهاصات حيثيات مرحلة طويلة جدا.
- أما ما جري ويجري وسيجري كان ومازال حالة من حالات التخبط واللا شعور المصاحبة لفقدان الأمل وقلة التركيز واللا وعي بكل ما يدور حوله التي يصاب بها الغريق قبل مماته عندما يقوم بنشر الفوضى العارمة حوله، لدرجة يتصور الكثيرين انه استعاد عافيته وأصبح قادرا على التأثير بمن حوله كما كان؛ مثلما أوردنا ذلك بأدق تفاصيله في سلسلة مقالات حملت عنوان (د. الحروي نعم لقد فعلتها يا زعيم اليمن وأقترح عليك !!)
- فباعتقادي أن القوى والعناصر المنتمية للتيار التقليدي وشركائه القدماء والجدد باسم حكومة العملاء السرية عندما قبلت الجلوس على كرسي السلطة وتقاسم المسئولية مناصفة مع حركة التغيير الوطني- وفقا- لما نصت عليه خارطة الطريق الجديدة للمرحلة الانتقالية الحالية لم تكن سوى تجسيدا حقيقيا لتلك اللحظات الأخيرة التي يعيشها الغريق بعد الغطسة الأولي قبل مماته المحتوم.
- وليس كما تحاول أن تصوره هذه العناصر لأتباعها أو تبادر إلى عقول ومخيلة الكثيرين أنه مؤشرا من مؤشرات القوة والقدرة، وإلا فكيف نستطيع أن نفسر منطقيا ما تقوم به هذه العناصر والقوى من فوضى عارمة في كل مكان وهي تمتلك نصف مقاليد القوة والثروة في البلاد فهذا ليس مؤشرا على القدرة التي أصبحت عليها هذه العناصر والقوى بل مؤشرا حقيقيا أنها تعيش لحظات الرمق الأخير قبل الممات.
- فاليوم الذي سوف يتم فيه استعادة اليمن نظاما وشعبا وأرضا وتاريخا وطموحا لعافيته وطريقه ومن ثم إرادته وقراره نحو النهوض بقيام الدولة البحرية المدنية الحديثة المنشودة دولة النظام والقانون وولوج مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة من أوسع أبوابها (البحر) سوف تكون هذه القوى والعناصر فكرا ومشروعا ومصالحا وإرادة ومن ثم أفرادا قد أصبحت في خبر كان وإن غدا لناظره قريب وليخسا الخاسئين من المتسولين واللصوص والقتلة.
والله ولي التوفيق وبه نستعين
([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.