اخبار الساعة - عبد القوي العديني
حمل الربيع -عادة- كل ما يلهم الحياة ويمنحها القوة , وكل ماينقلنا الى مراحل جديدة, ودون ادنى شك فإن توجه الجميع إلى طاولة الحوار؛ يمثل انتصارا حقيقيا لليمن ولنظامها السياسي وللأحزاب التي بالحوار ستبدو كبيرة وعلى قدر عال من المسئولية, وستتطور مشاريعها وبرامجها , في حال حرصت على إثراء حوار الربيع بالمشاركة الفاعلة حتى يصل الوطن إلى بر الأمان.
وبرأيي فإن الركود الطويل الذي فرضه النظام السابق جمد تطور الحياة السياسية وشل حركة المجتمع في السنوات السابقة ، مما أدى إلى انفجار السنتين الأخيرتين ؛غير انه دفع بكل تناقضات المجتمع الى السطح، بعد أن خاض حراك الساحات ومعتركات المجتمع محاولات عديدة لتحقيق الكثير من الاستحقاقات التي حرم منها أبناء هذا الشعب، وأثبتت كل تلك التناقضات الناضجة منها والفاشلة، أنها تحولات مفتوحة وليست نهائية, وهذا المؤتمر هو لحظة التحول الحقيقية , وجوهر التغيير والتمرد على أزمنة الصمت ,ولكن بلغة الحوار الذي بمجرد انعقاده, تضع اليمن خطواتها القوية على طريق المستقبل الآمن , الذي يضمن للحياة ازدهارها وللأعمال ان تنمو وتتحرك وللاستثمار سمعته, ولرؤوس الاموال ضماناتها المشجعة.. فالخلافات وعدم الاقرار بحق الاخر في التعبير عن نفسه والعنف والعنف المضاد؛ كلها اعمال تجري في عالم السياسة ,لكنها تصل برصاصاتها القاتلة الى بيئة الاستثمار, وتنسف الفرص وتبدد الاحلام .
ولأن الحوار اليوم هو الحدث الأبرز الذي يحتل الاهتمام الأول لليمن وللعالم المهتم, فإن على الحكومة أن لا تتغفل ملفات الاستثمار، وأن تكثف من خدماتها وجهودها لخدمة هذا القطاع ,ولما يجعل الحياة تبدو طبيعية, وأن تبذل جهودا أكبر لتحقيق تحولات في البنى الاقتصادية والتنموية، وهذه مهمتها وقضيتها التي يجب ألا تنشغل عنها بطاولة الحوار وملفاته السياسية فحسب، لأن جميع أشكال الصراعات والخلافات المحتدمة قد تنعكس سلباً على مسيرة التحولات المنشودة التي نسعى إليها، ومن أجلها أيضاً وصلنا إلى ربيع الحوار في اليمن, وحتى لا تتحول إلى فوضى دراماتيكية ؛ يجب تجنب المغامرات وعدم حرق المراحل أو القفز عليها , كي لا نجد أنفسنا ونحن نقف على انحدار خطير.. هذا أولاً.
أما طموح الوصول إلى الحقوق المسلوبة ؛ بالحلول التي تأخرت لتحقيق استقرار المجتمع وتطلعاته المشروعة, فستكون الآن على طريق طاولة الحوار, وبالحوار فقط سيمضي الجميع نحو التحول المثمر إلى الدولة المدنية والمستقبل والنظام الرشيد, ولا يتحقق ذلك إلا بتوافق سياسي بين أبناء الوطن.
ولعل الخروج من المأزق الراهن، لن يتم إلا بإعادة الاعتبار للولاء للوطن أولا , لما يقودنا جميعا إلى تحقيق التحولات السياسية المنشودة وفي مقدمتها الاتفاق على مرحلة انتقال سياسي طويلة، تتيح للقوى السياسية الأخرى أن تشكل كوادرها وهياكلها , بل وتعيد النظر في قياداتها التي أصبحت تبدو مخجلة لتياراتها وجماهيرية ولا تقدم شيئا يستحق الذكر, حتى أنها فشلت في تقديم قادة تغيير حقيقيين لإدارة مشاريع وأحلام التغيير.
نريد للأحزاب أن تتغير, حتى تكون قادرة على العطاء الخلاق والتنافس في مضمار التحولات الكبيرة التي تشهدها اليمن، وأن يكون خيارها الأول والوحيد اللجوء لصناديق الاقتراع.. وحتى تتحقق هذه الأحلام لا مناص برأيي من تشكيل حكومة وطنية جديدة وفقا للوفاق والتوافق، لتستكمل مهمات الانتقال السلمي الآمن والسلس ، وإرساء المداميك القادرة على صناعة المستقبل, ولعل إعداد قوانين ولوائح تشكيل الأحزاب يأتي في مقدمة تلك المتطلبات، بالإضافة إلى ما تتطلبه المرحلة من تقوية وتعزيز حضور مؤسسات المجتمع المدني، وصياغة دساتير جديدة ، يتم التوافق عليها بين مختلف مكونات النسيج الاجتماعي في هذا البلد الذي أنهكته الأحزاب الضعيفة؛ ومن ثم إيجاد مناخات ملائمة لتحقيق انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة وقادرة على صناعة مؤسسات دولة قوية ، ونظام عادل يحترم كل أنواع الحقوق بل ويقدسها.
وعند هذا الحد من المتطلبات الملحة لهذه المرحلة, فإن الانتصار لعملية التوافق على مفهوم الغلبة والإقصاء،سيمكننا من تحقيق كيانات ومؤسسات وطنية قوية، ولن تضيع آمالنا الكبيرة وحتما سنصنع مستقبلا متحضرا وآمنا ومنيعا.
لقد كنا في كل المراحل بأشد الحاجة للحوار الوطني الصادق, غير أننا كنا نكابر, ولم تكن الأصوات الداعية للحوار تدعو للحوار من أجل اليمن، بل من أجل تحقيق مكاسب سياسية ومادية بحتة.. لكن الحوار الوطني اليوم دعوة صادقة وحاجة ماسة لليمن ولكل اليمنيين, وعلينا جميعا المساهمة الإيجابية لتعزيز ثقافة الحوار القادر على تجنيب اليمن الأزمات والملفات الشائكة, ومخلفات الخراب.
بالتاكيد.. علينا جميعا الحفاظ على مشروع الوحدة الوطنية ؛ فالحوار كان ومايزال ضرورة وطنية, وأداة حضارية للتواصل والتقابل, والاجتماع على طاولة واحدة للخروج بمعالجات تجنب الوطن ويلات الصراعات والانقسام والتشققات والحروب. كما ينبغي أن تكون الحلول عاجلة غير آجلة, لمجمل القضايا والملفات الشائكة في الجنوب وصعده, ولكل ما يهدد أمن واستقرار هذا البلد وسمعته وبيئته الاستثمارية, وتلك برأيي يجب أن تكون الكلمة الأولى للحوار, قبل الحديث عن السقوف المحددة والأجندات والتقاسم ولغة (المراضاة) التي تعكس صورة سلبية لأدوات رحل نظامها لكنها مازالت تحمل نفس الجاذبية والهوى للإدارة اليمنية الجديدة مع الأسف الشديد.
هذا الحوار يجب ألا يكون كما يريده السياسيون, ولا يجب أن يكون كما في البرامج الحزبية، إذ أنه لم يأت ويصبح محل إجماع لتطبيق الأيديولوجيات أو المشاريع الصغيرة والعنصرية التي تجاوزها الزمن، بل جاء للحفاظ على الوحدة وتنمية الديمقراطية وتجسيدها على أرض الواقع..
وتبقى اليمن بالحوار؛ ربيعا واعدا ومبشرا بالجديد.