ماذا يخفي متنزه ساحة تكسيم ؟
للكاتب البوشناقي ياسمين الرجبي
ترجمة عباس عواد موسى
سأفتتح مقالتي مباشرة ودون مواربة : لا يمكن لمتنزه واحد أن يثير مثل هذه الإحتجاجات ! ولما أثار العالم هكذا ضجيجاً حياله . ولم تثرني الضجة في الداخل التركي سواءاً كانت مفتعلة أم لا . لكن حفيظتي ثارت بعدما شاهدت وقرأت كل هذا الضجيج الفردي والممنهج في مقدونيا الحزينة إزاء ذلك . فقررت الكتابة والخوض فيه .
لم تثرهم كنس متنزهاتنا في العاصمة اُسْكوبيِة ومقدونيا ككل وإزالتها تماماً لوضع تماثيل مكانها . وحصلت عندنا احتجاجات وظلت المشاكل عالقة . ولما لم يبق لهم شيء حتى نهضوا ليؤيدوا الإحتجاجات الإسطنبولية التي اتسعت أكثر . وكل ذلك لمجرد متنزه واحد فقط ! .
كم خرجوا محتجين على تشويه صورة العاصمة المقدونية ؟ ضد رفع أسعار الكهرباء ؟ ضد ضريبة الدخل ورسوم الترخيص ؟ ضد قمع المعارضة في البرلمان ؟ ضد الناخبين في مركز الإقتراع ببريسبا مالا لبلدية وسط البلد ؟ وكم عدد الذين احتجوا متضامنين مع عمال أوخيس الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ أشهر ؟ وكم عدد أمثالهم في الشوارع ؟ نحن غير آبهين بمشاكلنا ولا تعنينا قضايانا . الأن إسطنبول بحاجة لما نشير عليها بفعله ؟
دمر أتاتورك المكان وأشاد الحديقة لتكون رمزاً للعلمانية مشوهة للإسلام , لأن المكان كان أجمل في عهد العثمانيين . ولم تكن السلطات المحلية تقصد تدمير الحديقة بل جعلها القسم الداخلي لما ودّت إقامته من مشروع تطويري للمنطقة .
منذ فترة ليست بالقصيرة وأوردوغان يقود بلاده نحو التقدم والرخاء والإزدهار والرفاهية وعزز مكانة تركيا الإقتصادية والعسكرية فأضحت زعيمة وقائدة . وما فعله , فشل أسلافه وعلى مدار نصف قرن من نحقيقه . بل ولم يفعله أتاتورك الذي تم منحه لقباً لا يستحقه . فمن 3500 دولار عام 2002 نجد أن الدخل الفردي ارتفع إلى 10000 دولر العام الجاري . وارتفعت قيمة الصادرات من 36 مليار إلى 114 مليار لنفس السنوات . ومن المتوقع أن تقفز إلى أكثر من 500 مليار دولار بعد عقد من السنين . وبعد أن كانت تركيا مدينة لصندوق النقد الدولي أصبحت دائنة له ! .
أشادت تركيا 206 سداً ومحطات تنقية ومصادر كهرباء . وفي كل مدينة جامعة . وأعداد السياح في ازدياد ملحوظ . والحقوق الشخصية والمدنية في أفضل حالاتها . والسلام المتبادل يسود جميع العلاقات بين مختلف العرقيات والأديان .
وتقف على طريق حل النزاع مع حزب العمال الكردستاني . وعلاقاتها مع إسرائيل لم تصل حد الدمار وهذا يعني أن هناك من يجهد لتدميرها من الداخل بعد فشله من الخارج . ألأجل 13 شجرة تدمر مدينة بأكملها في بلد يقوده حزب غرس فيه 900000 هكتار من الغابات ؟
من المؤكد أن هناك من تزعجه تركيا قوية , رائدة , مستقرة ومستقلة في اتخاذ قراراتها فعمل على ذلك , وهنا مكمن الحقيقة . فقد أشار وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو وهكذا نجد أن جيرانها المعنيين هم إسرائيل , إيران , سوريا وحزب الله الشيعي المتطرف وهنا كذلك مصالح روسيا والصين من الزاوية البعيدة . فبعدما فشلوا في جرّها إلى حرب مع سوريا وإسرائيل قرروا زعزعة إستقرارها من الداخل .
إنهم اللوطيون السفلة . أعذروني على التعبير . لكن أخلاقهم المنحدرة كما شاهدناهم لا يصلح لها غير هذا التعبير . ليبراليون وشيعة وعلويون ومعهم مغفلون من المواطنين الذين لا يعرفون عن حقد هؤلاء على الإسلام وأهله هم الذين بدأوا بمهاجمة حافلة الجنود في إسطنبول .
رد الشرطة جاء , كما كان على الدوام منذ عهد ما قبل أوردوغان . حينئذٍ وفي مثل هذه الحالات كان طبيعياً عندما كان هؤلاء على دفة القيادة وهو الآن غير طبيعي .. يا للمفارقة العجيبة الغريبة ؟ إنهم كالتالي : صنف سياسي له دوافعه المعارضة لحزب العدالة والتنمية وثانٍ هم شلّة العملاء للخارج وثالث ساقط إجتماعي يريد تنشئة جيل على الفضائح بتجريعه الكحول مبكراً ليخرج كالصنف الرابع المتمثل في أصحاب الفضائح الجنسية وكذلك الشواذ منهم . وكل هؤلاء لا يؤثرون في الدولة ولا عليها لكنهم استفزوني فقررت فضحهم وكشف حقيقتهم .
ماذا فعل حزب الشعب الجمهوري المعارض ( 1923 – 1950 ) غير تدمير المساجد وإلغاء الآذان بالعربية وتحريفه . وعندما جاء عدنان مندرس منتخباً إزدهرت تركيا منذ عام 1950 وحتى عام 1960 حينما أعدم العسكر منديريس ووزيرين في حكومته متذرعة بأنهم هددوا أمن الوطن بإعادة الآذان باللغة العربية . وغرقت تركيا في فوضى حتى عام 1970 . حينها حصل انقلاب جديد . وكذلك في عام 1980 حينما تم اعتقال 650000 مات الآلاف منهم في السجون وظل مليون مواطن على اللائحة السوداء ! . وتم تسميم الرئيس تورغوت أوزال عام 1993 وبعده بأربعة أعوام قاد العسكر انقلاباً على حكومة المرحوم بإذن الله نجم الدين أربكان ألمنتخبة ديموقراطياً وبنزاهة ليقذفوا به في السجن . إن هذا التاريخ الأسود لتركيا وعلى مدار كل هذه التواريخ يجعلنا نتفهم موقف اليساريين والليبراليين مما جرى هناك .
في ذات الوقت الذي استمرت فيه الأحداث من قبل السكارى والمجانين والشواذ . نظم العقلاء والفرسان في الجانب الآخر من إسطنبول مظاهرات ومسيرات مذكرين بالذكرى الثالثة للعدوان الإرهابي الإسرائيلي على سفينة مرمرة والذي نجم عنه استشهاد تسعة مدنيين أتراك .
آلاف أحيوا الذكرى ولم نشهد شرطياً واحداً ولم نسمع لفظاً نابياً ولا خدشاً للحياء ولا جرحاً لمشاعر الآخرين . وهنا الفرق بين الفريقين التابع والأصيل .
كشفت الأحداث وجه المعارضة التافهة السخيفة . وبالأعمال الصغيرة لن تحقق شيئاً .