قبل سنوات قليلة كان أهالي القرى والأرياف يطلقون الرصاص في الأعراس على نطاق ضيق، وبعد الحصول على تراخيص من الأجهزة الأمنية العاملة هناك، وبشكل عام كانت الأعراس اليمنية تعتمد غالباً في المدن والقرى والأرياف على المفرقعات والألعاب النارية كمظهر فرائحي يصاحب طقوس الزواج.
غير أنه بعد أحداث 2011 التي بدأت بالتظاهرات الاحتجاجية وأعقبتها مواجهات في أكثر من مدينة يمنية، وخصوصاُ في العاصمة صنعاء وتعز، فضلاً عن أبين وصعدة والبيضاء، فإن حالة الانفلات الأمني الناتجة عن ذلك دفعت الأهالي ومنظمي حفلات الأعراس إلى اللجوء إلى إطلاق الرصاص الحي الذي يقتصر لدى البسطاء عند حاجز طلقات "الكلاشينكوف"، ويصل لدى الأثرياء ومسؤولين كبار وزعماء قبليين إلى استخدام طلقات السلاح المتوسط والثقيل وسط حالة استياء شعبي وعجز رسمي عن التصدي بحزم لتلك الظاهرة رغم حملات مكافحة تقوم بها الأجهزة الأمنية، لكنها لا تنجح سوى مع من تطالهم يد القانون.
وفي هذا السياق، تحدث لـ"العربية.نت" الباحث الاجتماعي، ناجي عبدالحق، وهو من سكان العاصمة صنعاء قائلاً: كنا في الماضي نستنكر قيام كثير من الوجاهات الاجتماعية داخل العاصمة بنصب خيام لحفلات أعراس وسط شوارع رئيسية وإعاقة حركة المرور عبر تحويل وجهة السيارات إلى شوارع خلفية ملتوية.
وتابع: "أما اليوم فإن استخدام الرصاص بشكل جنوني أصبح يشكل مصدر إزعاج كبير للسكان، خصوصاً أن ذلك يستمر إلى أوقات متأخرة من الليل بما يجعل الجميع يظن أن شبح مواجهات 2011 العسكرية قد عادت، وإضافة إلى ذلك فإن الظاهرة تدلل على أن الدولة عاجزة عن فعل شيء، خصوصاً مع الشخصيات العشائرية النافذة التي بات حضور ميليشياتها المسلحة داخل المدن يثير الاشمئزاز والسخط".
ومع أن القانون اليمني يحظر بشكل واضح حيازة وحمل أي سلاح غير مرخص ويندرج ضمن ذلك ما هو حاصل في الأعراس فإن استمرار الظاهرة لا يشكل فقط حالة اغتيال وقتل للقانون، وإنما كثيراً ما تحولت تلك الأفراح إلى مآتم جراء إزهاق أرواح بريئة عن طريق إصابات مباشرة بالخطأ أو ما يسمى "الرصاص الراجع الذي يتساقط على رؤوس البعض من الحاضرين".
وكانت حادثة مقتل شابين ينتميان لكبرى مدن الجنوب عدن برصاص مسلحين ضمن موكب عرس نجل شيخ قبلي بوسط العاصمة صنعاء قد هزت المجتمع اليمني وتحولت إلى قضية سياسية، أفضت إلى تداعيات سلبية داخل أروقة مؤتمر الحوار الوطني، خصوصاً من جانب ممثلي الحراك الجنوبي المطالبين بفك ارتباط الجنوب عن الشمال.
وخلفية هذه القضية تعود إلى محاولة شابين عدنيين أحدهما يدعى حسن أمان، والثاني خالد الخطيب، اختراق موكب عرس لنجل زعيم قبلي، وبحسب الروايات فإن قيامهما بعمليات استعراض "تفحيط وتخميس" بالقرب من السيارة التي بداخلها العريسان دفع مسلحين قبليين مرافقين للموكب بإطلاق النار فوراً، وهو ما أدى إلى مقتلهما في واحدة من أكثر جرائم القتل همجية وتخلفاً.
ولا تزال الأجهزة الأمنية تواصل عملية تعقب الجناة، في الوقت الذي تتصاعد فيه الاحتجاجات والدعوات المطالبة بوضع حد لفوضى السلاح، خصوصاً داخل المدن.
ويرى باحثون أن انتشار السلاح الذي يقدر ما هو موجود بيد المواطنين اليمنيين منه بـ60 مليون قطعة، سبب رئيسي لارتفاع نسبة الجرائم. ووفق الإحصاءات الرسمية، فإن 80% من الجريمة الجنائية سببها العبث بالأسلحة الخفيفة وحوادث إطلاق النار العشوائي. ويخسر اليمن نحو 800 مليون دولار سنوياً بسبب سوء استخدام الأسلحة الخفيفة والعبث بها.
ومن أغرب حوادث إطلاق الأعيرة النارية في الأعراس، مصرع أحد العرسان العام الماضي على يد عروسته التي كانت تمازحه بالعبث بسلاحه.