في 30 نوفمبر 1967م كنت في مدينة توركي (ساوث ديفون ) البريطانية أشاهد قناة البي بي سي مع العائلة الانجليزية التي اسكن معهم من أجل الدراسة .. وفجأة جاء خبر توقيع اتفاقية استقلال الجنوب العربي في جنيف .. فذرت عيناي بالدموع ,, فقالت الأسرة لماذا تبكي ؟ قلت ضاعت حضرموت الحبيبة ..حضرموت الغالية .. لقد استولت الجبهة القومية على حضرموت وضمتها بالقوة إلى جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية التي لم تنظم حضرموت إلى اتحاد الجنوب العربي خلال الحكم البريطاني.. وطن كامل كان من المفروض أن يكون دولة مستقلة في 9 يناير 1968م حسب الوعد البريطاني ولكن بريطانيا نكثت بوعدها .. وطن يملك كل مقومات دولة ليكون دولة مستقلة ذات سيادية .. دولة بحكامها ووزراءها و بجيشها وشرطتها وأعلامها و ونشيدها والفرق الموسيقية ومحاكمها وإداراتها الحكومية ومجالسها الحكومية والمحلية وموانئها و مطاراتها ومستشفياتها ومدارسها ومحطاتها الكهربائية .
هذه الرسالة أوجهها إلى سعادة سفير المملكة المتحدة بصنعاء مستر نيكولاس هوبتون بخصوص القضية الحضرمية وحول معاناة شعب حضرموت خلال العقود الخمسة الماضية .
لقد ظلم شعب حضرموت خلال العقود الخمسة الماضية ، حيث أخضع بالقوة والإكراه خلال حكم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية في عدن ثم حكم الجمهورية اليمنية في صنعاء و دون إرادة حرة وموافقة من الشعب الحضرمي لنظام الحكم الذي يقبل به في اراضية وبموجب آلية ( حق تقرير المصير ) المكفولة لكافة شعوب الأرض والمنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة المعلن عام 1945 م والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 1948م ، ووفق استفتاء حر ونزيه يشارك فيه كل أبناء حضرموت في الوطن والمهجر وتشرف عليه منظمات دولية معترف بها ويقبل بها الحضارمة . وعليه فأن الحضارمة يسعوا إلى إثبات حق تقرير المصير في أ ي تسوية سياسية قادمة في المنطقة ، خصوصا وأن الحضارمة ليسو بيمنيين وليسوا بجنوبيين وإنما هم حضارمة لهم هويتهم المستقلة عن اليمن وعن الجنوب , وعمر الهوية الحضرمية أكثر من خمسة آلاف عام مضى وهي مميزة تاريخيا واجتماعيا وحضاريا وسياسيا وهي تماما كالهويات التي تضمها بلادكم المملكة المتحدة مثل الانجليزية والاسكتلندية والويلزية وايرلندا الشمالية .
نعيد التاريخ إلى وراء ..ونقول إن بريطانيا والتي كانت لها سلطة الحماية على حضرموت منذ عام 1888م وحتى 1967م لا شك أنها تعلم الكثير من تفاصيل وأبعاد المأساة والجور والمعاناة التي لحقت بشعب حضرموت منذ عام 1967م. ولا شك إن بريطانيا لا ترضى عن هذه المظلمة التاريخية ، خصوصا وأنها قد بذلت جهودا طيبة سابقة مع السلاطين في حضرموت قبل عام 1967م من حيث إيجاد أسس للتنمية الجادة وإقامة الدول المدنية الحديثة في حضرموت إلى توفير الأمن والاستقرار والعدل والسلام في ربوع المنطقة وأسوة بما قامت به بريطانيا في مساعدة أهل عمان و ودول الخليج بإقامة الدول المدنية الحديثة المستقرة .
أن الجهود التي بذلها مستر دبليو أتش إنجرامس أول مستشار بريطاني وزوجته دورين في حضرموت من عام 1935م إلى 1945م من أجل النهوض بأوضاع حضرموت نحو التنمية والتحديث كانت في ظروف صعبة وكانت لها بصمات واضحة. وكذلك لا ننسى رحلات الكاتبة الانجليزية فاريا ستارك إلى حضرموت من القرن الماضي . . ولكن هذا لا يقارن بما فعلت بريطانيا في مستعمراتها ومحمياتها في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها ومنها ذكرا لا حصرا الهند وباكستان ودول جنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا وغيرها لأنها لم تفعل ذلك في حضرموت ولم يستفتي شعب حضرموت في نظام الذي سيحكمه بعد خروج بريطانيا .
لقد أعطت بريطانيا وعدا بأن يحصل كل من اتحاد الجنوب العربي وسلطنات حضرموت على الاستقلال كل على حدة في 9 يناير 1968م ولكن بريطانيا نكثت بوعدها بعد المعارك الطاحنة التي حصلت في الجنوب العربي بين جبهة التحرير التي تدعمها مصر وبين الجبهة القومية التي يدعمها جيش اتحاد الجنوب العربي . وانتصرت الجبهة القومية وعندها تخلت بريطانيا عن وعدها بالاستقلال في 9 يناير 1968 لكلا البلدين و كذلك عن الدعم المالي بمقدار 50 مليون جنية إسترليني وهو مبلغ ضخم في ذلك الوقت لاتحاد الجنوب العربي من تاريخ استقلاله في 9 يناير 1968م . لقد تسارعت الأمور وتفاوضت بريطانيا مع الجبهة القومية للتخلص من الالتزامات المالية التي عليها للجنوب العربي وكذلك لكي تتخلص من الحماية البريطانية على حضرموت وأصبح الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م بدلا من 9 يناير 1968م .
من المعروف أن بريطانيا كانت تحرص دوما عند مغادرة أي منطقة من محمياتها أو مستعمراتها السابقة على أن تستفتي السكان فيها أن كانوا يرغبون في البقاء ضمن التاج البريطاني أو الاستقلال عنه . ولعلها الحالة البريطانية الوحيدة التي لم يحظ الحضارمة بحقهم الطبيعي في الاستفتاء عن نظام الحكم الذي يقبلون به . وهذه ليست الغلطة الأولى التي تقوم بها بريطانيا في حق شعب حضرموت فقد سبق أن أعطت بريطانيا وطنا لليهود في فلسطين بموجب وعد بلفور .. تلك الرسالة المشئومة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917م إلى اللورد ليونيل وولت ردي روتشيلد يشير فيها إلى تأكيد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين . فلقد سميت القضية (( بالنكبة الفلسطينية )) وهاهو التاريخ يعيد نفسه لتكرر بريطانيا نفس الغلطة لتسليم الجبهة القومية وطنا كاملا اسمه حضرموت وأنا اسميها (( بالنكبة الحضرمية )) .
أن شعب حضرموت يتطلع إلى أن تقوم بريطانيا بدور فاعل ومؤثر لاستعادة الحقوق الحضرمية المسلوبة ، وذلك من خلال مشاركة بريطانيا في رسم السياسات المستقبلية بالمنطقة ومنها الجهد المبذول فيما يسمى بالحوار الوطني المنعقد حاليا في صنعاء وتحت رعاية دولية وعربية وتشارك فيه كعنصر فاعل ومؤثر لخبرتها الطويلة في المنطقة .
إن أي تسوية سياسية قادمة وينتهي إليها الحوار الوطني ويتم من خلالها إقرار ما تراه وتصل إليه مخرجات الحوار وتسعى إليه دول الجوار والمجتمع الدولي وجعلها أمرا واقعا على حضرموت وغيرها فأن شعب حضرموت سينظر إليها إن كانت تلبي طموحاته وتحقق آماله وتعطي له الفرصة في استعادة حقوقه كاملة بما فيها حق تقرير المصير ولن يرضى بما يعطل تحقيق طموحاته وآماله في الحرية والاستفادة من ثرواته وكفاءاته البشرية وفق تنمية طموحة يرتضيها ويقبل بها .
لقد حان الوقت أن يقيموا الحضارمة على أراضيهم وارض أسلافهم ما أقاموه في أصقاع المعمورة من تنمية وحضارة وتراث وعدل وحرية وأمن واستقرار وأن تتحقق سيادتهم على تراب أراضيهم بهويتهم المستقلة . . وليس لدى الشعب الحضرمي يا سعادة السفير نيكولاس هوبتون خيار غير خيار تقرير المصير . أما قولك خلال لقاءك مع وفد العصبة الحضرمية في صنعاء يوم الاثنين 6 مايو 2013م .. بأنك متفهم بمطالب حضرموت إلا أن حكومة بلادك ملتزمة بالإجماع الدولي والإقليمي ببقاء اليمن موحدا سياسيا ، وإن حكومة بلادك تبذل جهودا في تحقيق المطالب المشروعة لحضرموت وغيرها من مناطق الجمهورية اليمنية .. وأنك تتمنى أن يخرج الحوار بإقرار نظام اتحادي فيدرالي . لا يا سعادة السفير أن شعب حضرموت اكتوى بنار الحكم الماركسي في الجنوب واستبداد الحكم القبلي في الشمال ولا يمكن أن يرضى شعب حضرموت بالعذاب والظلم والمذلة والمهانة والتهميش مرة ثالثة لأنه عاش في حقل للتجارب مع طغيان النظام الشيوعي، وكذلك مع النظام القبلي الهمجي .
واليك بعض العبارات من الوثائق السرية في مجلس اللوردات البريطاني وكذلك مجلس لوزراء البريطاني بأن محمية عدن الشرقية ( حضرموت ) ليس لها علاقة بالجنوب العربي .
- تقول الوثيقة الأولى من أرشيف البرلمان البريطاني الآتي *
مجلس اللوردات البريطاني اليوم 14 نوفمبر 1967م الساعة 4:09 : بعد الظهر.
الموضوع : تاريخ استقلال الجنوب العربي .
" أود أن أطرح سؤال إلى اللورد شكلتون أولا ً نريد من اللورد النبيل أن يخبرنا فيما إذا دول محمية عدن الشرقية ( يقصد الدولة القعيطية والكثيرية والمهرة ) متضمنة في ذلك البيان الذي كرر لنا أكثر من مرة ؟ " فرد عليه اللورد شكلتون :
" أيها اللوردات هل لي أن أجيب أولا على نقاط اللورد إيرل جليكوي على وجه الخصوص ؟ سألني عن دول محمية عدن الشرقية (الدولة القعيطية والكثيرية والمهرة ) وكما فهمت وحسب المعلومات المتوفرة لدينا فأن هذه الدول تحت سيطرة الجبهة القومية وستكون هذه الدول جزء من الجنوب العربي وهم في الوقت الراهن يقوموا بالإجراءات لدمج هذه الدول إلى الجنوب العربي " .
- أما الوثيقة الثانية من الأرشيف الوطني البريطاني تقول :
مجلس الوزراء البريطاني
مذكرة وزير الخارجية البريطاني مستر جورج براون برقم C(67)169 بتاريخ 26 اكتوبر 1967م Catalogue Reference CAB/129/33, Image Reference 0029 (الجنوب العربي )
جورج براون :
" نحن في كثير من الأحيان نؤكد بأنه ليس لدينا السلطة المحلية على محمية عدن الشرقية (حضرموت) ".
وقال أيضا :
” أن المندوب السامي بعدن يمثلنا بقوة وأنه ينبغي له أن لا يفعل شيئا للحد من تماسك قوات اتحاد الجنوب العربي ، أو يشير إلى أننا يمكن أن نتوقف عن دعم لهم الآن وبعد الاستقلال. فإنه بكل تأكيد ستتفكك القوات (ولكن سيحتفظوا بأسلحتهم) إذا ظنوا أن رواتبهم توقفت. يطبق هذا بنفس القدر على جيش البادية الحضرمي في محمية عدن الشرقية والذي يقارن دوره بتلك القوة في جيش اتحاد الجنوب العربي " .
وبعد كل هذه المعلومات .. ألم يحن الوقت لحكومة صاحبة الجلالة الملكة إليزابيث الثانية أن تعيد النظر في وضع الشعب الحضرمي المغلوب على أمرة وتأخذ بعين الاعتبار مكانة حضرموت الحضارية و التاريخية في هذا المجتمع الدولي لتصبح حضرموت دولة مستقلة ذات سيادة وتكفر بريطانيا عن غلطتها الكبرى بتسليم حضرموت إلى الجبهة القومية في عدن .
* مسئول تسويق في القسم التجاري – قنصلية ماليزيا العامة ، جده ( متقاعد )