عندما تؤمن بمقولة "لا تصح أطلقوا النار في مسرح مزدحم" فإنك تلقائيا تؤمن بأن هناك حدودا لحرية الرأي والتعبير.
هكذا ابتدأ جون كافنر -المدير التنفيذي لمجلة أنديكس أون سينسورشب (عين على الرقابة)- مقاله في صحيفة إندبندنت البريطانية بالعنوان اللافت الذي يقول إن تسريبات ويكيليكس فضحت انقياد الإعلام الغربي وراء الحكومات الغربية وانحيازه لها.
يقول كافنر إن النص هو روح حرية الرأي وتعريض الحياة للخطر أمر يجب أن يؤخذ بالحسبان وهو مانع رئيسي، إلا أن معظم الموانع التي يتم التحجج بها لمنع النشر هي في الواقع ذرائع يتذرع بها أصحاب السلطة لمنع المعلومات من الوصول إلى الجمهور.
احتواء الضرر
من هذا المنظور يتم في تفسير الإعجاب والحماس الذي لقيته وثائق ويكيليكس المسربة، فهي تتعلق برأي الخارجية الأميركية بقادة مثل حامد كرزاي وسيلفيو برلسكوني ونيكولا ساركوزي، مما حدا بالخارجية إلى بدء جهود جبارة لاحتواء أو تخفيف الضرر.
جوليان أسانغ يعتقد أن الأميركيين قد ذهبوا بعيدا في محاولة تشويه مصداقيته. لا أعلم
–يقول الكاتب- ما هي الحيثيات التي أدت بالنساء السويديات إلى تحريك دعوى ضد السيد أسانغ بتهمة التحرش الجنسي والاغتصاب، فقط أولئك القائمون على الدعوى يعلمون حيثياتها. ولكن مستشار السيد أسانغ القانوني في المملكة المتحدة يعتقد أن السويديين يلعبون بالنيابة عن الأميركيين. فعندما تتم إدانة شخص ما بتهم خطيرة، قد يصبح من الصعب التفريق بين الصدق والكذب في كلامه.إعلام آثم
يقول الكاتب أن وسائل الإعلام التقليدية في بريطانيا آثمة. فهناك صحف لا يوجد لديها وازع من ضمير بشأن خرق الخصوصيات والأمور الشخصية، ولا تأبه بتخصيص قسم من وقتها أو طاقاتها للتمحيص في ما تقوله السلطة.
ويستمر الكاتب في نقد الصحافة البريطانية فيقول إن معظم ما ينشر على أنه سبق صحفي هو في الحقيقة أخبار يزرعها الساسة. فرؤساء التحرير والصحفيون المتمرسون يدعون لأجهزة الاستخبارات إم آي 5 وإم آي 6 للتداول.
غيبسون سيترأس تحقيقا عن احتمال تورط الاستخبارات البريطانية بالتعذيب (رويترز) |
لا أريد استخدام عبارة توني بلير "وحوش ضارية"
–يقول الكاتب- لذلك أقول إن الصحافة البريطانية تحترم السلطة. الوسائل الإعلامية عادة ما تساورها الشكوك تجاه أولئك الذين لا ينضمون إلى اللعبة ومنهم السيد أسانغ الذي يبدو لهم أنه دخيل غريب الأطوار.صحفيون متعاونون
بعض المحررين يقومون مشكورين بمساعدة السلطات على إدانة السيد أسانغ، ربما ذلك نابع من رغبتهم بالانتقام منه لعدم وجودهم بين حاشيته.
ويستطرد الكاتب بالقول إنه لا غبار على حق السلطات في حماية الأمن الوطني ويجب أن يكون ذلك جليا، ولكنه يقول إن ما يحدث غير ذلك لأن نطاق السرية يفرض ليس من أجل أغراض حماية الأمن القومي ولكن من أجل حماية السياسيين والمسؤولين من الوقوع في الحرج. إن فرض السرية لهذا الغرض موضوع متكرر الحدوث.
فالحكومة (البريطانية) السابقة قامت بجهود حثيثة لمنع الأدلة القانونية عن تورط الحكومة البريطانية في قضايا تعذيب معتقلين من الوصول إلى الجمهور. الوزراء تم حثهم بصورة مخادعة على أن الحكومة تحاول الحفاظ على العلاقة الاستخبارية الخاصة مع الولايات المتحدة.
مراقبة وتوقع
من المثير للاهتمام مراقبة ما سيسمح بنشره عن بدء تحقيق السير بيتر غيبسون (المسؤول عن تحقيق بريطاني بشأن تورط الاستخبارات بقضايا تعذيب) رغم أن التجارب السابقة لا تبعث على الكثير من التفاؤل.
ويكمل الكاتب معلقا على نشر وثائق ويكيليكس الدبلوماسية، بأن القرينة وسياق الكلام هما المفتاح. من الحيوي أن نعرف إذا ما تورطت الحكومة بقضايا تعذيب. من المهم أن نعلم متى تقول الحكومة شيئا وتفعل شيئا آخر؟ من المقلق أن نعلم أن منظمات الإغاثة يتم استخدامها لكسب قلوب وعقول الأفغانيين.
هذه الأمور حيوية للنقاش الديمقراطي، ولا مفر من الحرج الذي قد تسببه الإجابة عن تساؤلاتنا، ولكنه أيضا أمر جوهري لإدامة مجتمع مدني صحي.
الصحفي الجيد والمحرر الجيد يجب أن يكون قادرا على التمييز بين غير المناسب والمضر، فالمعلومات التي تشكل خطرا على الحياة سواء على المدى القريب أو البعيد يجب أن تبقى سرية.