منشق عن «القاعدة» يروي تفاصيل انقلاب الأفغان على «المقاتلين العرب».. وقصة تسليمهم لباكستان
عبر دولة قطر، انتقل إلى باكستان، قبل التسلل إلى أفغانستان، ليقاتل إلى جانب حركة طالبان الأفغانية 9 أشهر، حتى جاءت أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، لتضع حدا لوجوده هناك.
كل تلك المحطات، حاضرة في اعترافات جابر الفيفي التي كشف عنها أمس، وهو أحد المنشقين عن تنظيم القاعدة، قام مؤخرا بتسليم نفسه إلى الحكومة السعودية، بعد أن أدرجته على قائمة تحمل أسماء 85 مطلوبا نتيجة تسلله للأراضي اليمنية وانضمامه لـ«القاعدة» هناك.
أعطى جابر الفيفي، الذي كان من أهم المطلوبين على قائمة الـ85 السعودية، معلومات دقيقة حول رحلته إلى أفغانستان، وقتاله إلى جانب طالبان بزعامة الملا محمد عمر، ومواجهتهم قوات التحالف الشمالي.
الفيفي، الذي كانت أقصى طموحاته، بحسب اعترافاته، الانضمام للعب في فريقه المفضل «الأهلي السعودي»، مر بتحولات كثيرة. فهو كما يعترف رجل صاحب شخصية حادة وعنيدة.
أحد التحولات المهمة في حياة الفيفي، كانت فترة التزامه الديني. لم يكن يقتنع بأوساط الحلول؛ فإما أن يكون أو لا يكون. قبل ذلك، كان الفيفي يعمل عسكريا في سجن بريمان في جدة، قبل أن يفصل من العمل بسبب غيابه المتكرر وتأخره الدائم. عاش 4 سنوات على هذه الحال، قبل أن يقرر الالتزام دينيا.
حرصه على المظهر الخارجي، أفقده كثيرا مما يجب أن يكون عليه المسلم من الداخل، فكان فقط يهتم بتقصير الثوب وإطالة اللحية، كما يؤكد في اعترافاته. في هذه المرحلة التحق بجماعة مسجد الحي الذي يقطنه في مدينة الطائف (غرب السعودية) التي عاد إليها من جدة، إثر فصله من عمله في الحقل العسكري وفشله في الالتحاق بالنادي الذي يحبه.
وجاء قرار جابر الفيفي، الذي سبق أن استعادته الرياض من معتقل غوانتانامو والذي يدعي أن دخوله له جاء بعد أن قام الأفغان بتسليمه ضمن 300 رجل للجيش الباكستاني، بعد أن شاهد شريطا مرئيا عن مرحلة الجهاد الشيشاني، ويحكي سيرة القائد المعروف خطاب، عند أحد الأشخاص الذين تعرف عليهم ضمن جماعة مسجد الحي.
ويحكي الفيفي، أنه قرر الذهاب إلى «الجهاد»، رغبة منه في التطهر من الذنوب والمعاصي التي ارتكبها خلال سنوات عمره. ساعده في ذلك أشرطة صوتية تحث على الجهاد، لمشايخ سعوديين معروفين، كما يقول.
وفي اعترافاته، التي بثت أمس على التلفزيون السعودي، يروي المنشق عن تنظيم القاعدة جابر الفيفي، قصة انقلاب الأفغان على المقاتلين العرب، وتفاصيل تسليمه للجيش الباكستاني، الذي قام بدوره بتسليمه ضمن 300 رجل، إلى الأميركيين.
ولم يكن تنظيم القاعدة في الفترة التي غادر فيها الفيفي البلاد، ينشط على الأراضي الأفغانية؛ بل كانت السيطرة لطالبان، ويقول: «بالنسبة لتلك الفترة، لم يكن هناك شيء اسمه تنظيم القاعدة، وليس معروفا أو معلنا عنه، كان أغلب الذين يدخلون أفغانستان يريدون التدريب أو الالتحاق بطالبان أو الذهاب إلى الشيشان عن طريق أفغانستان».
وكان المقاتلون العرب الذي يأتون إلى أفغانستان، يستغلونها للإعداد والتدرب على الأعمال القتالية. يقول الفيفي إنه حينما جاء لأفغانستان قادما من قطر عبر باكستان، كان ينوي التدرب ومن ثم الانتقال إلى الشيشان.
وتلقى جابر الفيفي تدريباته كما يقول في معسكرات الفاروق، وفي تلك المرحلة بدأ تنظيم القاعدة في التشكل داخل الأراضي الأفغانية، بقدوم أيمن الظواهري الرجل الثاني في «القاعدة».
ونفى جابر الفيفي، علمه بمصادر تمويل المجموعات المقاتلة على الأراضي الأفغانية، قائلا إنه قبل أن يفكر في الذهاب إلى أفغانستان، باع سيارته ليستفيد من قيمتها في السفر.
وكان الفيفي موجودا في الأراضي الأفغانية، قبل الغزو الأميركي لأفغانستان. يقول: «قبل أحداث سبتمبر كنت آخذ دورات وجاءت الأحداث، طبعا على طول انتقلنا من المنطقة اللي فيها الدورات إلى نفس الخط، منطقة القتال اللي هو (برغرام)، فكان هناك منطقة خط برغرام بين طالبان والتحالف الشمالي، فطالبوا وقتها بتعزيز الخطوط لاحتمالية دخول الأميركيين».
ويتحدث الفيفي في اعترافاته عن المرحلة التي بدأ بها القصف الأميركي للعاصمة الأفغانية كابول، حيث اضطروا نتيجة تواصل القصف إلى اللجوء لجبال تورا بورا.
ويؤكد الفيفي في اعترافاته، أن المقاتلين السعوديين والعرب، نمى إلى علمهم نبأ أحداث 11 سبتمبر، ولكن لم يكونوا يعلمون أين وقعت تلك الأحداث؛ إذ يشير إلى اختلاف الأقوال، فمنهم من تحدث أنها ضربت الصين، مشيرا إلى أن دورهم في مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر هو تعزيز جبهة طالبان القتالية.
ويتحدث الفيفي بشكل تفصيلي عن الأيام التي سبقت احتدام القتال في المناطق الأفغانية، حيث يقول: «كنا في خنادق والتحالف الشمالي أمامنا وبعد شهر بدأ القصف وتقدم التحالف الشمالي وكسروا المناطق، مناطق خطوط القتال واضطرت طالبان (إلى) إرجاع الناس، وسقطت كابل، وانتقلنا إلى المدينة اللي خلفها، حتى وصلنا جلال آباد، التي جلسنا تقريبا فيها يوما حتى أبلغونا بسقوطها، فاضطررنا إلى الاحتماء بجبال تورا بورا. موجود فيها عرب، فانضمينا إليهم هناك».
ويوضح جابر الفيفي، الذي استعادته بلاده من غوانتانامو، قبل أن يفر إلى اليمن بعد إعادة تأهيله، ليقرر العودة طواعية إلى بلاده من جديد، أن السعوديين كانوا يشكلون أغلبية المقاتلين العرب، إلى جانب اليمنيين.
ويضيف أن المقاتلين العرب مكثوا في جبال تورا بورا كامل شهر رمضان المبارك، حيث كانت مجهزة من قبل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، على حد تعبيره. ويؤكد العائد الفيفي، أن أمراء المقاتلين العرب كانوا مصريين وجزائريين ومغربيين ويمنيين، وأشار إلى أن المقاتلين يتم توزيعهم بحسب الجنسيات، لذلك كان السعوديون يعملون بعضهم إلى جانب بعض، لظروف اللغة وطرق التفاهم، تحقيقا لأكبر قدر من الانسجام.
ويحكي جابر الفيفي، المطلوب السابق للسلطات السعودية في اعترافاته، عن فترة مكوثهم في جبال تورا بورا لمدة شهر كامل، في ظل تعرض تلك المنطقة لقصف مستمر من قبل الطائرات، وقطع إمدادات الطعام عنهم.. يقول: «لقد انتهى الطعام لدينا، وانتهى أيضا في الأفغان».
وتسبب انقطاع الطعام عن المقاتلين العرب وعن الأفغان، في انقلاب الأفغان على المقاتلين العرب، فأصبحوا يقاتلونهم ليخرجوهم من القرى الأفغانية.. يقول الفيفي أمام ذلك: «لقد كانوا يقاتلوننا من أجل إخراجنا. لأن قراهم تتعرض أحيانا للقصف، فيضطرون لقتالنا لنخرج من أرضهم»، ويضيف: «هم يريدونك أن تخرج علشان الأذى لا يتسبب لهم، فجلسنا لين (حتى) آخر رمضان، وبعدين خرجنا في فترة العيد، خرجنا إلى باكستان.. على الحدود الباكستانية».
ومن هنا، تأخذ الأحداث منحى دراماتيكيا، حيث يبدأ التخطيط لنقل المقاتلين العرب إلى باكستان، قبل أن يتم تسليمهم إلى الجيش الباكستاني.. يقول الفيفي: «كنا قرابة 300 شخص، أغلبنا من السعوديين، وأعمارنا تتراوح بين 20 و25 عاما»، ويضيف: «تم إيهامنا بأنه تم التوافق داخليا على عودة كل منا لدولته، خاصة الذين ليست لهم مشكلات هناك».
وفي جو شديد البرودة، وفي حين كانت الثلوج تلف المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان، سار نحو 300 رجل في طابور واحد، نحو منطقة حدودية باكستانية، مسيرة 4 أيام متواصلة.
وفي إجراء يهدف إلى تخليص المقاتلين العرب من الأسلحة التي كانت بحوزتهم، يشير الفيفي إلى أنه تم إقناعهم باستحالة دخول باكستان وبحوزتهم الأسلحة، حيث أكدوا لهم أنه يجب التخلي عنها.
وباقتناع المقاتلين العرب بالتخلص من أسلحتهم، كانت البداية نحو إتمام عملية تسليمهم إلى الجيش الباكستاني. يقول الفيفي: «تيقنا من الأمر بأن أدخلونا في مكان محصور، وبرروا كثرة السيارات المحيطة بالمكان بوجود جنازة». ويتابع سرد تفاصيل القصة: «كل هذا تمويه علشان تتم عملية تسليمنا. وضعونا في مسجد كبير في القرية نفسها، قالوا إحنا الآن ننتقل إلى منطقة ثانية ونأخذكم في سيارات وبيكون معكم واحد بيسمونه الجيش القبلي أو اسم ما يقارب هذا، يعني عسكر الحدود من القبيلة نفسها بس عسكري، علشان يتجاوز بكم النقاط (حتى) لا يوقفونكم، ونزلونا مدينة تحت، في شارع مظلم، ودخلنا في مكان يشبه الحوش، وأول ما تدخل تلقى العسكر منتشرين، وحينما سألناهم عن الأمر، قالوا إن هذا سجن، وإنهم سيسعون لتسليمنا لبلادنا».
ويروي اللحظات التي قبع فيها بالسجن هو والمقاتلون العرب الذين معه من جزائريين ومغربيين، حيث قرر مقاتلو المغرب العربي إحداث فوضى في إحدى الحافلات التي ستنقلهم، لعدم رغبتهم في العودة إلى بلدانهم.. يقول الفيفي: «كانوا يقولون: ننسجن في باكستان ولا نعود لبلداننا».
وقرر المقاتلون الجزائريون والمغربيون إحداث ثورة في الحافلة التي ستنقلهم، وهي واحدة من 5 حافلات تقريبا نقلت المقاتلين العرب لتسليمهم للأميركيين. يتابع الفيفي القصة: «في ناس أدخلوا الباص، من دون رغبتهم، وتطور الأمر باعتدائهم على العسكر في نفس الباص، وكان في بعض العسكر داخل الباص وبعضهم فوق، وتم اعتداء على نفس العسكر، وسيطروا على الباص، وباقي العسكر اللي فوق، وبدأ تبادل الرماية، الشباب تحت والعسكر، حاول إسقاطهم السائق لين (حتى) لفّ فانقلب بالباص».
قتل من قتل في هذه الحادثة، وفر من فر، لكن الأمن الباكستاني استطاع ملاحقة بعض من لاذوا بالفرار، بواسطة مطاردتهم بمروحية. ويتابع: «انتشرت الباصات الخلفية على طول، وانتشر العسكر.. خرجوا وحاصروا وأنا أمامي، يعني كان في الباص هرب منه 5، وفي ناس خشوا مزارع وكنت أنظر إليهم، راح واحد في منطقة مفتوحة، وبدأوا يرمون عليه لين (حتى) أسقطوه» ويبرر جابر الفيفي عدم هروبه بقوله: «لأني صممت ذاك الوقت إني أرجع بلدي أنا ما عندي مشكلة»، ويكمل: «قاموا بإدخالنا في غرفة كانت ضيقة حقت (خاصة بـ) العسكر نفسها، وكنا مزدحمين، تقريبا أكثر من 100 في غرفة ضيقة، يعني ما أستطيع النوم إلا جالسا».
وأشار إلى أن أغلب من كانوا معه في ذلك الوقت سبق لهم المشاركة في القتال بأفغانستان في برغرام وجبال تورا بورا.
ويوضح جابر الفيفي في اعترافاته أن السلطات الباكستانية قامت بنقلهم وفق احتياطات أمنية مشددة لسجن آخر، كانوا خلالها مربوطي الأجساد، ومغمضي الأعين.. يقول: «طبعا نقلونا إلى سجن (مكان) ثان في السجن نفسه فيه مطار، وقاموا ابتداء بأخذ بصماتنا واستكملوا إجراءات السجن، ولاحقا جاءت فترة على السجن على أساس أننا سنسلم إلى بلداننا، قبل أن يأتي أناس غرباء، زعموا أنهم من الشرطة الدولية، وأخذوا يحققون معنا لمدة 14 يوما».
ويوضح الفيفي أنه كان هناك أعداد كبيرة من المقاتلين، ولكن الأغلبية كانت للسعوديين؛ إذ يشير إلى أن البقية كانت أعدادهم قليلة، وأخذت سلطات السجن تنقل السجناء، وتخرجهم كل يوم على دفعات، والدفعة التي تخرج لا تعود من جديد. ويبين أن «الاحتياطات الأمنية التي اتخذت بحقنا، كان تصل إلى مرحلة تجريدنا من كافة الأمور المعدنية، مثل الخاتم». وقام الأميركيون، طبقا لجابر الفيفي، بنقل المقاتلين إلى أفغانستان، وتحديدا قندهار، حيث مكثوا هناك 14 يوما، قبل أن يتم نقلهم إلى معتقل غوانتانامو.
يشار إلى أن سلسلة اعترافات المطلوب جابر الفيفي ستتواصل الأسبوع المقبل، حيث ينتظر أن يتحدث عن فترة وجوده في المعتقل الأميركي سيئ السمعة، والطريقة التي كان الأميركيون يتعاملون بها مع المعتقلين العرب، والسعوديون خاصة، وقد تمتد تلك الاعترافات لتصل إلى حالات الانتحار التي شهدها المعتقل الأميركي.