إبراهيم الوهابي
سأذكر لكم المبالغ التي دفعتها وخذوا الحالة المرضية التي كانت معي كمثال بسيط حيث لم يدم وقتنا بالمستشفى الا 24 ساعة فقط.
ويجب أن يطلق عليه مستمرض عمران العام أو مستنقع عمران العام .. فلا أدري أخي القارئ الكريم من أين أبدأ سرد قصتي لك؟ أأبدأ من الرسوم الرمزية أم أبدأ من البلطجة العسكرية أم أبدأ من الكادر الوظيفي (الطبي).
بصراحة سأبدأ من البوابة الرئيسية المتهالكة والمستنقع المائي بقربها حيث أن عنوان كل شيء بابه والبوابة هي من ستلخص مقالي إذا تأملت إليها في الصورة.
أما اللافتة الموجودة على يمين البوابة الرئيسية فمن يقرأها يشعر وكأنه في مستشفى ينافس المستشفيات العالمية ولكن المضمون مغاير لشكل اللافتة تماماً وأترككم لشجونكم حتى تقرؤوا ما فيها بزيارة المستمرض أقصد المستشفى.
أما الى جانب اللافتة تماماً وكما هو واضح في الصورة فيقع وكر العسكر وتلاحظ أمامها مستنقع من الماء الآسن وبصقات مترامية من الشمة والقات وأكوام من أوراق القات المتناثرة ممزوجة بأعقاب السجائر المتنوعة وبداخل الوكر عسكر منتفخي الخد الأيمن أو الأيسر (حسب طريقتهم في تناول القات) وتتوسطهم (ضمنه) ونادراً أن تجد من يرتدي الزي الرسمي بالكامل إلا السلاح (الآلي) فكل واحد منهم يتأبطه ولا يفرط فيه وكأنهم في ثغر عبر الحدود! أما الضابط المستلم (المسئول عليهم) فقد ظننته منذ الوهلة الأولى من قبائل القرى المجاورة لرداءة منظره وأثر السفر الطويل عليه ولقزازة ما يرتديه من ملابس والغريب أنه كان يأمر وينهي وقد أغضبته جداً عندما خاطبته بالفضولي لأني لم أكن أعرف أنه شيخ العسكر حينها.
أما عن الرسوم الرمزية فسأذكر لكم المبالغ التي دفعتها وخذوا الحالة المرضية التي كانت معي كمثال بسيط حيث لم يدم وقتنا بالمستشفى الا 24 ساعة فقط:
1- رسوم معاينة 100 ريال
2- رسوم الفحوصات الأولية 4500 ريال
3- رسوم الكشافة التلفزيونية 1000 ريال
4- رسوم الرقود (حسب نصيحة الطبيبة لنقل الدم) 3000 ريال
5- رسوم نقل الدم والتطابق 7000 ريال
طبعاً كل ذلك رسوم (رمزية) من دون ذكر قيمة العلاجات والقرب الفارغة وغيره ولا ننسى أننا في مستشفى حكومي يدفع له من خزينة الدولة التي تأخذ منا ضرائب حسب الدستور وتدعمه منظمات عالمية ولا ندري أن يذهب كل ذلك الدعم؟
ولن تصدقوا إن قلت لكم أن (الميداني) وهي الإبرة التي تحتاجها الممرضة لسحب الدم من المريض يتوجب عليك شراؤها من خارج المستنقع!؟
وقد سمعت ممن مأساتهم أكبر من مأساتي وقد احتاجوا لإجراء عملية جراحية في هذا المستمرض وقد سمعتهم يتكلمون عن مبالغ كبيرة قد تصل لـ75000 ريال وهي تعتبر كرسوم رمزية.
وبصراحة يجب أن تشمر عند دخولك المستمرض وتتيقظ لجيبك جيداً حتى لا يبتزك أحد السماسرة المدعومين من شيخ العسكر ويجب أن تعمل كل شيء بنفسك من البحث عن الطبيب المختص في أحد أزقة المستنقع وحتى ضرب الإبرة العضلية، صدقوني أن ما أقوله هو الحقيقة لدرجة أن الممرضات امتنعن عن الحضور لنزع القربة الفارغة بعد اكتمال عملية نقل الدم مما اضطر زوجتي المريضة حينها بالذهاب اليهن (لمخدعهن) حتى ينزعنها!
يتوجب عليك البحث طويلاً عن الطبيب بنفسك إذا حصل أي مضاعفات لمريضك وذلك قبل أن يحين وقت القيلولة (وقت تخزين القات) لأنك لن تجد أحداً في ذلك الوقت وببساطة لأنهم مخزنون، وعليك البحث حتى تتفطر قدميك بعد أن يتفطر قلبك وإياك أن تقترب مما يسمونها (الاستراحة)؟!
أما عن قسم الطوارئ وقت القيلولة فلن تجد إلا عامل النظافة يتربع على كرسي الطبيب المناوب، وللأمانة لم أجد أحداً في مقر عمله وقت القيلولة إلا العسكر لأن وكرهم مخصص لذلك وهم مبدعون كذلك في لعب الضمنة مع شيخهم المنشغل قبل وقت القيلولة بمعاملات لبعض المرضى ومرافقيهم لوجه الله طبعاً!
فما أدري ! .. هل سينعم المواطن اليمني فعلاً بدولة مدنية حديثة؟ .. هل سنتخلص من كل هذا الخبث؟ .. أم أننا محتاجون فعلاً لثورة شبابية شعبية عارمة تخلصنا من كل هذه المآسي .. فإذا كان هذا الفساد والتسيب والبلطجة في مستشفى واحد كمثال فما هو الحاصل في بقية المستشفيات؟ .. ما هو الحاصل في وزارة الصحة؟ .. ما هو الحاصل في وزارة التربية؟ .. ما هو الحاصل في بقية الوزارات؟ .. أين وزراء حكومة الواق الواق (التغييرين)؟ .. أين التدوير الوظيفي وقانون العدالة الانتقالية؟ .. أين أهداف الثورة الأولى ناهيك عن أهداف الثورة الأخيرة؟ .. وسؤالي الأهم هل سيكبر أبناءنا مع هذا الفساد؟ .. وكيف سيتأقلمون مه!؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.