أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » دراسات وتقارير

السودان هو الضحية الاولى

- محمد سيف الدولة

ان بتر الجنوب عن السودان وعن الوطن العربى ، ليس سوى الخطوة الأولى فى المشروع الامريكى الصهيونى الجارى على قدم وساق لإعادة تفتيت كل الدول العربية من المحيط الى الخليج .

وهو مشروع ثابت فى كل وثائقهم المعلنة والمحجوبة :

1) فكانت أول هذه الوثائق هى الرسائل المتبادلة بين بن جوريون وموشى شاريت عام 1954 ، الداعية الى إقامة دويلة مارونية فى لبنان فى اتجاه السعى لتقسيمه لعدة دويلات طائفية على النمط الصهيونى .

ثم تم احياء ذات المشروع مرة أخرى أثناء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، ولكن القوى الوطنية تصدت له و أفشلته .

* * *

2) و فى 1982 نشرت مجلة كيفونيم لسان حال المنظمة الصهيونية العالمية دراسة بعنوان إستراتيجية اسرائيل فى الثمانينات ، قمت بنشرها تحت عنوان الوثيقة الصهيونية لتفتيت الأمة ، جاء فيها بوضوح : ضرورة إعادة تقسيم العالم العربى والاسلامى الى دويلات أكثر بكثير من تلك التى صنعتها سايكس بيكو ، و التى لم تراع الفوارق والتناقضات الطائفية والمذهبية المتعددة القائمة فى هذا العالم الورقى الهش .

وطرحت الوثيقة تصورات محددة عن أهدافها فى كل قطر : فمصر يجب تقسيمها الى دولتين قبطية واسلامية أو أكثر  ، والعراق الى ثلاثة دويلات: كردية وشيعية وسنية . والسودان الى أربعة دويلات : عربية سنية و افريقية ووثنية و مسيحية ، وهكذا ..

* * *

3) وتأكدت نفس هذه الإستراتيجية فى محاضرة حديثة لوزير الأمن الداخلى الصهيونى "آفى ديختر" فى سبتمبر 2008 ، ألقاها فى معهد أبحاث الأمن القومى الاسرائيلى ، حين تحدث عن السودان قائلا :

§       انه لا يجب السماح للسودان ان يصبح قوة مضافة الى قوة العالم العربى

§       ولابد من العمل على إضعافه وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة

§       فسودان ضعيف ومجزأ وهش أفضل من سودان قوى وموحد وفاعل

§       وهو ما يمثل من المنظور الاستراتيجي ضرورة من ضرورات الأمن القومى الاسرائيلى

§   ولقد تبنى كل الزعماء الصهاينة من بن جوريون وليفى اشكول وجولدا مائير واسحاق رابين ومناحم بيجين وشامير وشارون واولمرت خطا استراتيجيا واحدا فى التعامل مع السودان هو : العمل على تفجير أزمات مزمنة ومستعصية فى الجنوب ثم دارفور

§   وانه حان الوقت للتدخل فى غرب السودان وبنفس الآلية والوسائل لتكرار ما فعلته اسرائيل فى جنوب السودان

§       وان الدور الامريكى فى دارفور يسهم بشكل فعال فى تفعيل الدور الاسرائيلى

§   وأن أمريكا مصرة على التدخل المكثف فى السودان لصالح انفصال الجنوب وانفصال دارفور على غرار ما حدث فى كوسوفو .

§   وان اسرائيل نجحت بالفعل فى تغيير مجرى الأوضاع فى السودان ، فى اتجاه التأزم والتدهور والانقسام ، وهو ما سينتهى عاجلا ام آجلا الى تقسيمه الى عدة كيانات ودول مثل يوغوسلافيا .

§       وبذلك لم يعد السودان دولة إقليمية كبرى قادرة على دعم الدول العربية المواجهة لإسرائيل .

* * *

4) وبعد احتلال العراق : تسربت وثيقة من وزارة الخارجية الأمريكية ، تتحدث عن ان البداية هى العراق ثم سوريا ولبنان فالسعودية والجائزة الكبرى مصر .

وكان من الواضح أن الأمريكان بعد ان احتلوا العراق ووضعوا أرجلهم وجيوشهم في المنطقة قرروا ان يتبنوا الخطة التى وضعتها بعثتهم وقاعدتهم العسكرية الأولى فى المنطقة المسماة بـ ( اسرائيل)

وقد قام الكونجرس الامريكى بالفعل فى خريف 2007 بإصدار قرار صريح غير ملزم يطالب بتقسيم العراق الى ثلاثة دويلات .

* * *

5) أما تنفيذ عملية فصل الجنوب السودانى عن العالمين العربى والاسلامى ، فلقد بدأت خطواتها منذ منتصف تسعينات القرن المنصرف :

·       فبدأت بتوقيع العقوبات على السودان .

·       و ضرب مصنع الشفاء السودانى للأدوية بحجة انه ينتج أسلحة كيماوية .

·       ودعم دول الجوار السودانى مثل إثيوبيا و أوغندا واريتريا وكينيا ، للتحرش العسكرى المستمر بالسودان

·   و توظيف ما يسمى بمنظمة الإيجاد ، لتولى الجانب السياسى والقانونى فى إخراج عملية الانفصال من خلال ما سمى بتفاهم ماشكوس عام 2002 الذى الذى كان هو المقدمة لمعاهدة نيفاشا الانفصالية عام  2005 .

·   ثم وضع ملف السودان تحت بند الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، الذى عادة ما يكون مقدمة لإست خدام القوة لإخضاع النظم "المارقة"

·   ثم إرسال البعثات الدبلوماسية ونشر القوات الدولية هناك جنبا الى جنب مع منظمات ومراكز حقوق الانسان فى طاحونة جهنمية للضغط والتشهير والعقاب

·   وتوظيف المحكمة الجنائية الدولية لمطاردة رموز النظام السودانى وتوقيفهم كأداة إضافية للابتزاز والضغط والترويض والإخضاع .

·   ثم يأتى الدور الصهيونى فى تسليح الجنوب وتدريبه ، والحيلولة دون نجاح النظام السودانى فى إنهاء الحرب الأهلية لصالحه .

·   وما يتواتر من معلومات عن الوجود والنشاط الصهيوينى هناك ، وما يعلنه  قادة الجنوب باستمرار عن نواياهم فى إقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل

·       ثم التهديدات الأمريكية المباشرة ضد أى تعويقات سودانية لإجراءات الاستفتاء الانفصالي .

·   وتحييد الدول العربية وبالذات مصر من التدخل ، وإبعادها تماما عن هذا الملف وتجاهل لمبادرتها المشتركة مع ليبيا ، وتغليب مبادرة الإيجاد المذكورة عليها .

* * *

6) أما لماذا كان السودان هو أضعف الحلقات، وباكورة الأقطار العربية المنكوبة بالتفتيت ؟ ولماذا يوجد نزوع شعبى جنوبى نحو الانفصال ؟

فانه لا يمكن فهم ذلك بدون التعرف على دور الاحتلال البريطاني للسودان 1898 ـ 1955 ، فى تأسيس وبناء عوامل الانفصال منذ زمن بعيد .

ووفقا لدراسة مهمة أعدها المؤرخ الراحل يونان لبيب رزق عن هذا الموضوع ، فلقد قامت الإدارة البريطانية خلال نصف قرن بالتالى :

·       إضعاف الثقافة العربية  من خلال إحلال اللغة الانجليزية محل العربية فى التعليم والمكاتبات الرسمية

·       وتشجيع انتشار اللهجات المحلية وتحويلها الى لغات مكتوبة

·       إحلال الموظفين الجنوبيين محل الشماليين

·       وإبعاد الموظفين المتحدثين بالعربية ولو كانوا جنوبيين

·       ومنع التجار الشماليين من الوصول الى الجنوب

·       واستبدالهم بالتجار اليونانيين والسوريين المسيحيين

·       وتشغيل الموظفين من غير المسلمين فى الإدارة بهيئاتها الكتابية والفنية

·       وإخراج قوات الجيش المصري المعسكرة فى الجنوب

·       وإخراج الموظفين المصريين والسودانيين من الجنوب

·       وعند الضرورة ، إرسال كتبة من المصريون يختارون من الأقباط

·       وتبنى سياسة رسمية بالحفاظ قدر الإمكان على جنوب السودان بعيدا عن التأثير الاسلامى

·   فانجلترا كدولة مسيحية لا يمكنها ان تشارك فى سياسة تشجيع انتشار الإسلام بين شعب يزيد على ثلاثة ملايين وثنى

·       فانتشار التعصب الدينى بين شعوب انتشر الإسلام فيها مؤخرا قد يترتب عليه نتائج مدمرة

·       وتنصيب يوم الأحد عطلة اسبوعية بدلا من الجمعة

·       وتكليف الإرساليات التنصيرية بمنع انتشار الاسلام

·       والاستعانة بها لتنفيذ ما أسموه تمدين البشر

·       وتكليفها بإدارة العملية التعليمية

·       ولا زال المنصرون حتى يومنا هذا يشكلون المؤسسة التعليمية الوحيدة فى الجنوب

·       وحظر دخول اى شخص شمالي او غير سوداني الى الجنوب الا برخصة

·       إقامة خط يفصل الزنوج عن الاراضى العربية يمتد من الشرق الى الغرب

·   وغيرها الكثير من سياسات واجراءات ، زرعت ، على امتداد نصف قرن ، ألغام الانفصال ، وحالت دون اتمام عملية التفاعل والاندماج الطبيعى بين شعب السودان الواحد .

* * *

·   وبعد الإستقلال فى 1955، وللأسف الشديد ، فشلت الانقلابات والحكومات المتعاقبة فى إصلاح و معالجة آثار ما فعله الانجليز فى الجنوب .

·   وهى فى ذلك لا تختلف كثيرا عن حالة الوهن والفشل العربى العام الذى استفحل بعد عصر الهيمنة الأمريكية 1990ـ 2010

·       وللحديث بقية باذن الله .

Total time: 0.0601