أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

هل الخرفان أصلها عربي؟

اعتقد ان الاغلبية قد استغربوا هذا العنوان، لكن، بعد ما قرأت هذه القصة، خطر على بالي هذا السؤال، واتمنى من الجميع قراءة هذه القصة، قبل الاجابة على السؤال.

تبدأ القصة في زاوية قصية، وبعيدا عن أعين الإعلام... حيث كان الجزار يحد سكينه، ويجهز كلاليبه. في تلك اللحظة، كانت الخراف في الزريبة تعيش وتاكل وتشرب، وكأنها قد جاءت الى تلك الزريبة بضمان الخلود.

دخل الجزار فجأة الى وسط الزريبة، فأدركت "الخرفان"، بحسها الفطري، أن الموت قادم لا محالة. وقع الاختيار على احد الخراف، وأمسك الجزار بقرنيه يسحبه الى خارج الزريبة... ولكن ذلك الكبش كان فتيا في السن، ذو بنية قوية، وجسما ممتلئا، وقرنين قويين... وقد شعر برهبة الحدث، وجبن الموقف، وهو يقاد الى الموت... فنسي الوصية رقم واحد من دستور القطيع، وهي بالمناسبة، الوصية الوحيدة في ذلك الدستور. وكان قد سمع تلك الوصية، قبل ساعات، من كبار الخرفان في الزريبة.

وكانت الوصية تقول: حينما يقع عليك اختيار الجزار، فلا تقاوم، فهذا لن ينفعك، بل سيغضب الجزار منك، ويعرض حياتك، وحياة افراد القطيع للخطر.

قال هذا الكبش في نفسه: هذه وصية باطلة، ودستور غبي، لا ينطلي حتى على قطيع الخنازير، فكيف بنا نحن الخراف، ونحن أشرف وأطهر؟ فاذا كانت مقاومتي لن تنفعني في هذا الموقف، فلا أعتقد انها ستضرني. اما قولهم ان مقاومتي ستغضب الجزار، وقد يقتل جميع الخرفان، فهذا أيضاً من الغباء، فما جاء بنا هذا الجزار الى هذه الزريبة الا وقد أعد عدته، ورسم خطته، ليذبحنا واحدا بعد الاخر، فمقاومتي قد تفيد، ولكنها، بلا شك، لن تضر.

انتفض ذلك الكبش انتفاضة الاسد الهصور... وفاجأ الجزار... واستطاع ان يهرب من بين يديه، ليدخل في وسط القطيع، حيث نجح في الافلات من الموت الذي كان ينتظره، ولو إلى حين.

لم يكترث الجزار بما حدث كثيرا، فالزريبة مكتظة بالخراف، ولا داعي لتضييع الوقت في ملاحقة ذلك الكبش الهارب. أمسك بخروف اخر، وجره من قرنيه، وخرج به من الزريبة. كان ذاك الخروف مسالما مستسلما، ولم يبد اية مقاومة، الا صوتا خافتا، يودع فيه بقية القطيع.

نال ذلك الخروف اعجاب جميع الخرفان في الزريبة. وكانت جميعها تثني عليه، بصوت مرتفع، وتهتف باسمه... ولم تتوقف عن الهتاف، حتى قاطعها صوت الجزار الجهوري، وهو يقول: بسم الله، والله أكبر!

خيم الصمت على الجميع، خاصة بعد ان وصلت رائحة الموت الى الزريبة، لكنهم سرعان ما عادوا الى اكلهم وشربهم، مستسلمين لمصيرهم، الذي يرفض أي فكرة لمقاومة الجزار. وهكذا بقيت الخراف في الزريبة، تنتظر الموت واحدا بعد الاخر... وفي كل مرة ياتي الجزار ليأخذ احدهم، لا تنسى بقية الخراف توصيته بالموت على دستور القطيع.

لا، ثم لا للمقاومة

وصار الجزار، وتوفيرا للوقت والجهد، اذا وجد خروفا هادئا مطيعا، فانه يأخذ معه خروفا اخرا. وكل ما زاد عدد الخراف المستسلمة، زاد طمع الجزار في أخذ عددٍ اكبر في المرة الواحدة، حتى وصل به الحال أن يمسك خروفا واحدا بيده، وينادي خروفين او ثلاثة آخرين او اكثر، لتسير خلفه الى المسلخ، وهو يردد: يا لها من خراف مسالمة... لم احترم خرافا من قبل قدر ما احترم هذه الخراف. انها فعلا خراف تستحق الاحترام!

كان الجزار قبلها يتجنب أن يذبح خروفا امام الخراف الاخرى كي لا يثير غضبها، وخوفا من أن تقوم تلك الخراف بالقفز من فوق سياج الزريبة، والهرب بعيدا... ولكنه، حينما رأى استسلامها المطلق، أدرك أنه كان يكلف نفسه فوق طاقته، وان خرافه تلك تملك من القناعة بمصيرها المحتوم، ما يمنعها من المطالبة بمزيد من الحقوق، فصار يجمع الخراف بجانب بعضها، ويشحذ السكين مرة واحدة فقط، ثم يقوم بسدحها وذبحها. والاحياء منها تشاهد من سبقت اليهم سكين الجزار. فالوصية في  دستور القطيع كانت تقف حائلا امام أي منهم لمحاولة المقاومة او الهروب...

لا تقاوم...

مساء ذلك اليوم، وبعد أن تعب الجزار، وذهب لأخذ قسط من الراحة، كي يكمل في الصباح ما بدأه قبله، كان الكبش الشاب قد فكر في طريقة للخروج من زريبة الموت، واخراج بقية القطيع معه. كانت الخراف تنظر الى الخروف الشاب وهو ينطح سياج الزريبة الخشبي، مندهشة من جرأته وتهوره. لم يكن ذلك الحاجز الخشبي قويا، فقد كان الجزار يعلم أن خرافه أجبن من أن تحاول الهرب.

وجد الخروف الشاب نفسه خارج الزريبة... لم يكد يصدق عينيه... صاح في رفاقه داخل الزريبة للخروج والهرب معه، قبل أن يطلع الصباح. ولكن، كانت المفاجأة أنه لم يخرج أحد من القطيع، بل كانوا جميعا يشتمونه ويلعنونه، ويرتعدون خوفا من أن يكتشف الجزار ما حدث...

وقف ذلك الكبش الشجاع ينظر الى القطيع، في انتظار قرارهم الاخير...

تشاور افراد القطيع مع بعضهم في شأن ما اقترحه عليهم ذلك الكبش، من الخروج من الزريبة، والنجاة بأنفسهم من سكين الجزار... وجاء القرار النهائي بالاجماع، مخيبا ومفاجئا للكبش الشجاع!

في صباح اليوم التالي، جاء الجزار الى الزريبة ليكمل ما بدأه بالأمس، فكانت المفاجأة مذهلة. سياج الزريبة مكسور... ولكن القطيع موجود داخل الزريبة، ولم يهرب منه أحد. ثم كانت المفاجأة الثانية، أن رأى في وسط الزريبة خروفا ميتا. وكان جسده مثخنا بالجراح، وكأنه تعرض للنطح... نظر اليه ليعرف حقيقة ما حدث. صاح الجزار... يا الله، انه ذلك الكبش القوي الذي هرب مني بالأمس!!!

نظرت الخراف الى الجزار بعيون الامل، ونظرات الاعتزاز والفخر، بما فعلته مع ذلك الخروف "الارهابي" الذي حاول أن يفسد علاقة الجزار بالقطيع، ويعرض حياتهم للخطر. كانت سعادة الجزار أكبر من أن توصف، حتى أنه صار يحدث القطيع بكلمات الاعجاب والثناء:

أيها القطيع، كم افتخر بكم، وكم يزيد احترامي لكم، في كل مرة اتعامل معكم! ايها الخراف الجميلة، لدي خبر سعيد سيسركم جميعا، وذلك تقديرا مني لتعاونكم منقطع النظير. أنني، وبداية من هذا الصباح، لن أقدم على سحب أي واحد منكم الى المسلخ بالقوة... كما كنت أفعل من قبل، فقد اكتشفت انني كنت قاسيا عليكم، وان ذلك يجرح كرامتكم. كل ما عليكم أن تفعلونه الآن، يا خرافي الاعزاء، أن تنظروا الى تلك السكين المعلقة على باب المسلخ، فاذا لم تروها معلقة، فهذا يعني أنني أنتظركم داخل المسلخ. فليأت كل واحد بعد الاخر... وتجنبوا التزاحم على الباب...

وفي الختام، لا انسى أن اشيد بدستوركم العظيم...

لا للمقاومة!!!...

انتهى! وهنا يأتي السؤال الذي خطر لي عند قراءتي لهذه القصة:

هل الخرفان أصلها عربي؟؟

Total time: 0.0458