الحمد لله و الصلاة و السلام على أشرف المخلوقين و إمام النبيين و آخر المرسلين. الحمد لله الذي نصر الإسلام و المسلمين. و أما النصر الذي تحقق فهو بادي للعين المتأملة لحكمة الله عزّ و جل في علاه.
الله أعلم.
تم التمكين للإسلاميين في مصر ليرثوا بحارا من فساد عام متراكم على مدى عقود. كانت المهمة صعبة للغاية، بل مستحيلة في مدة زمنية قصيرة تعادل فترة انتدابية انتخابية، فرحم الله الإسلاميين بأن تم الانقلاب العسكري على الشرعية الديمقراطية ليتضح للعالمين أن الديمقراطية ليست في حد ذاتها هي الحل. فالديمقراطية ليست برنامجا متكاملا يقدم حلا للأزمات الاقتصادية، بل هي مجرد وسيلة تمكّن من التداول على السلطة بطريقة حضارية.
لقد أعمى الله بصيرة مناوئي الإسلاميين في مصر حتى ارتعدوا من إمكانية نجاح التجربة الديمقراطية، و أرعبتهم شخصية الرئيس محمد مرسي صاحب الفكرة الكبيرة التي نسيتها شعوب كثيرة: "سننتج غذاءنا و سنصنع سلاحنا". فكرة كبيرة لم يكن ليذكّر بها سوى رجل دولة شجاع مقدام من طينة الرئيس محمد مرسي. فهل كان باستطاعة الإسلاميين تحقيق هذه "المعجزة" في فترة زمنية وجيزة و حرجة؟ أكيد لا. و الدليل هو أن لعلّ الله عزّ و جلّ في علاه رحم الإسلاميين بانقلاب عسكري وضع حدا للشرعية الديمقراطية في مصر ليتضح للعالمين من الصالح و من الطالح.
إن رحمة الله واسعة. فلقد أعمى الله عزّ و جلّ في علاه بصيرة الانقلابيين إلى أن ألقوا بشيوخ الدين الأبرار في السجون، و أسكتوا أصواتهم، و اقفلوا قنواتهم، و زجوا ببعضهم في ردهات محاكم لم يتأكد قط أنها لن تناصر الظلم و لن تمكّن له. ظن الانقلابيون أن إسكات صوت شيوخ الدين الحنيف و سجنهم سيجعل الإسلاميين يتامى مما سيجعلهم يعانقون الفكر الانقلابي. لا. بل لن يزيد إسكات صوت شيوخ الدين الحنيف الإسلاميين المعتدلين في مصر إلا إيمانا، و سيصبح المسلمون كلهم شيوخا قيّادا يقودون أنفسهم نحو الفلاح و النصر و الإصلاح و الصلاح عبر مساندة الإسلاميين المعتدلين المظلومين في مصر، سيصبح المسلمون كلهم في مصر شيوخا معتدلين يرفضون اختزال الإسلام في عدد ركعات الصلاة و شعائر العبادات فقط ليشمل الإسلام مجددا واجب النصرة لقضية الإسلام أولا.
إن الله عزّ و جلّ في علاه يدبر أموره. فئة معتبرة من العلمانيين يؤيدون الشرعية الديمقراطية و لا يعتنقون الفكر الانقلابي العسكري. و ما الظلم الكبير الذي حل في مصر سوى مؤشر على تحول جذري في الكثير من المفاهيم. فإذا كانت العادة مثلا تقتضي الحديث عن الإسلاميين من جهة و المسلمين من جهة أخرى، فلم يعد الأمر كذلك اليوم. لقد قامت ثورة في مصر انظم إليها الجميع، العلمانيون، المسلمون، الإسلاميون... ثم كان الانقلاب العسكري على الإسلاميين أصحاب الشرعية الديمقراطية. فأعيد العدّاد إلى الصفر و انطلقت عملية الاستفادة من الأخطاء. لقد افتقدت جميع الفئات الثائرة في مصر ثورتها و ضاعت منها الحرية و الكرامة و الديمقراطية مجددا من جراء الانقلاب العسكري.
الأغلبية الساحقة من العلمانيين في مصر لا تنفي كونها مسلمة. و إذا كان عدد معتبر من قادة العلمانيين المعتبرين يؤيدون الديمقراطية و يشجبون الانقلاب العسكري و يرفضونه، فهذا يعني أنهم انضموا مجددا لقضية جميع المسلمين التواقين للحرية و الكرامة. أما الإسلاميون، فهم الضحية البارزة لأعداء الديمقراطية بعد ثورة 25 يناير التي قدمت شهداء كثر من جميع الفئات الثائرة. فما الانقلاب العسكري على حكم الرئيس محمد مرسي سوى انقلاب على ثورة 25 يناير.
الجميع يعلم أن الانقلاب على ثورة 25 يناير في مصر خط أحمر لأن ثورة 25 يناير مكسب للشعب عموما، اكتسبه بعرق جبينه، و بتضحيته في سبيل التخلص من الاستبداد، و بإرادته القوية للحصول على الحرية و الكرامة، كما أن الجميع يعلم أن ثورة 25 يناير مكسب اكتسبه الشعب بفضل دم الشهداء.
الظلم الكبير الذي حصل في مصر مؤشر على تحّول جذري في المفاهيم. الإسلاميون أصحاب الشرعية الديمقراطية. و المسلمون حلفاء الإسلاميين الطبيعيون. و العلمانيون متشبثون بالديمقراطية على اعتبار أنها مفتاح الحرية و الكرامة. و أما الديمقراطية فما هي سوى وسيلة للحصول على الحرية و الكرامة عبر التداول على السلطة وفق ما تمليه صناديق الاقتراع.
الديمقراطية وسيلة قبلها الإسلاميون، و اعتمدها المسلمون، و تشبث بها العلمانيون. هذا يعني أن لا يمكن حماية الديمقراطية إلا بمساندة و دعم الإسلاميين أصحاب الشرعية الديمقراطية. إذا، الإسلام هو الحل بالنسبة لكل المصريين في الظرف الحالي، إن هم أرادوا الديمقراطية كمفتاح للحرية و الكرامة، و ذلك لأن الإسلاميين هم من فتحوا باب الديمقراطية في مصر باحترام قواعدها و نصوصها فحصلوا على الشرعية الديمقراطية لمدة انتدابية محددة في الزمان قبل أن ينفّد انقلاب عسكري ضدهم.
المصريون شعب ذاق طعم الحرية و الكرامة. لن يرضى شعب مصر طعاما آخر غير الحرية و الكرامة بعد ثورة 25 يناير. و ما يجري في صفوف الشعب المصري الآن ما هو سوى مرآة لما يعتمل سرّا بصدر كل فرد مصري يستعد للإصرار على الحصول مجددا على الحرية و الكرامة التي ذاق طعمها. يمكن أن يصبر غير الإسلاميين على حكم الإسلاميين لمدة انتدابية تقتضيها الديمقراطية، ولكن لن يصبر أي مواطن في مصر بعد ثورة 25 يناير أبدا على مرارة الذل و الإهانة و الاستبداد مجددا.
الديمقراطية كلمة لم تتغير، فلقد كانت مصر" ديمقراطية" في عهد حسني مبارك. و ها هي اليوم مصر "ديمقراطية" في عهد "حكم" الانقلاب العسكري. و لكن الجميع يعلم أن شعب مصر لم يعرف الديمقراطية حقيقة سوى مع الرئيس محمد مرسي الذي استعمل صلاحياته كرئيس شرعي لمصر بكل شجاعة، و اتخذ القرارات التي ارتآها صائبة و في صالح شعبه و بلده بكل مسؤولية. كان يجب على مناوئي و معارضي الرئيس مرسي انتظار الانتخابات الرئاسية المقبلة للاحتكام مجددا للصندوق، و كانت ستكون لهم آنذاك ربما كل الحظوظ للفوز بالرئاسة، و لكن الله عزّ و جلّ في علاه أعمى بصيرتهم و جعلهم يرتكبون خطأهم الفادح لتعزيز حجة الإسلاميين أمام العالمين.
و ما شاء الله للرئيس محمد مرسي و للإسلاميين جميعا إلا خيرا. فها هو شعب مصر و العالم بأسره يشهد اليوم، فردا فردا، إن في السر أو في العلن و على الملأ، أن الإسلاميين خير و أفضل الديمقراطيين، لا يبتغون عنفا، و لا حربا، و لا يكنّون عداء لأحد. يشهد العالم بأسره اليوم بأن الظلم الشنيع الذي لحق بإسلاميي مصر ما هو سوى ظلم كبير لكل الديمقراطيين في العالم.
و سيأتي يوم قريب إن شاء الله يتوصل فيه زعماء الدول الغربية العظمى و حلفاءهم إلى أن مصلحة بلدانهم ليست في الحفاظ على التخلف الفكري في بعض البلدان العربية، بل في دعم تلك الشعوب العربية التواقة للحرية و الكرامة عن طريق الديمقراطية مهما كانت نتائجها، و لو انتصر الإسلاميون و فازوا بالرئاسة لفترة انتدابية محددة في الزمان. سيأتي يوم تنقلب فيه الدول العظمى على كل انقلاب عسكري يرفض الديمقراطية و نتائجها المشروعة.
لقد شهد الرأي العام الدولي أن الرئيس مرسي تعرض لحملة إعلامية رهيبة شنيعة تخللها السب و الشتم ليل نهار، و مع ذلك لم يقفل الرئيس القنوات المناوئة له و لحزبه. كما شهد الرأي العام الدولي على أن أول ما قام به الانقلابيون هو إقفال جميع القنوات الإسلامية قبل الزج بالعاملين بها في السجون. لقد خاض علمانيون من معارضي الرئيس محمد مرسي حربا قذرة ضده، حيث استغلوا الفقر و الفساد العام في البلاد منذ القدم لإحداث جوّ من الفوضى جعل الناس يخرجون للشوارع تحت وطأة القلق و نفاد الصبر، مستغلين طيبوبة الإسلاميين في الحكم لإطلاق صرخات الألم من وطأة الفقر و الجوع و الحرمان الذي تسببت فيه الدولة العميقة منذ القدم، مما مهّد للانقلاب العسكري و العودة إلى سابق عهد القمع، و الرأي الواحد، و الحزب الواحد و هو حزب التحكّم في البلد و العباد بالقوة و بالحديد و النار.
ولكن مهلا، لقد ذاق شعب مصر طعم الحرية و الكرامة. فلا خوف على مصر.
ظن البعض من الديمقراطيين الإسلاميين و غيرهم في مصر و خارجها أن كان على الرئيس مرسي التخلي على الحكم بمجرد أن نجحت الدولة العميقة في تعميم الفوضى في شوارع مصر بشتى الوسائل على رأسها إعلام لا يصفه الواصفون، إعلام مستبد إقصائي استئصالي وقح يشتم و يلعن كما يشاء، و لكن اليوم فهم الجميع على أن الرئيس مرسي كان على صواب لما تشبث بالشرعية و رفض خيانة الأمانة الديمقراطية التي أوصلته إلى الحكم. و ها هم اليوم الإسلاميون يحضون بتعاطف يتعاظم و يتكاثر في كل ساعة و دقيقة و ثانية. ستنهض مصر مجددا.
كل ما حدث في مصر ما كان ليخطئها لأنها مشيئة الله الذي يدبّر شؤونه.
الإسلاميون هم قادة المسلمين في مصر شاء من شاء و أبى من أبى لأن هذه هي الحقيقة. كما أن الأقلية المسيحية أمانة في عنق الإسلاميين في مصر لن يخونوها أبدا شاء من شاء و أبى من أبى لأن هذه هي الحقيقة.
ستنهض مصر مجددا. انتهى الكلام.
لن يحزن الرئيس محمد مرسي. علم الناس أن قضية الأقصى كانت من بين أولوياته قبل اختطافه و سجنه، حيث كان يداوم الاتصال بالشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الإسلامية في القدس، بشتى الوسائل ليطّلع على أحوال المقدسيين. فهل الانقلاب العسكري في مصر، و المشاكل في ليبيا، و ما يجري في سوريا و غيرها كلها أشياء شغلت الناس عن قضية القدس؟، يقول أحمد منصور.
برأي الشيخ رائد صلاح، الانقلاب على مرسي هو انقلاب على القدس و المسجد الأقصى. لقد كان الرئيس محمد مرسي يفكر في مشروع تكوين عشرات الآلاف من الأئمة ليكونوا سفراء لقضية القدس في مساجد مصر، و الانقلاب عليه أوقف هذا المشروع. يجب على كل المسلمين أن يعلموا أن حرمة المسجد الأقصى من حرمة البيت الحرام و الكعبة، و أن هدم المسجد الأقصى كهدم الكعبة، يقول رائد صلاح. و نعم الكلام.
المقدسيون في القدس القديم عددهم 70.000 يعيشون في ظروف مزرية، و اليهود يحاولون شراء بيوتهم في محاولة لتهويد القدس بالكامل. أما عدد اليهود في القدس القديم فهو 500.000. المقدسيون مرابطون يحمون الأقصى و لكن بيوتهم تحتاج إلى ترميم و عناية، فأين المساعدة؟
لقد كان المغرب دائما سبّاقا لفعل الخير كلّما اشتد الخناق على شعب من الشعوب فاحتاج إلى المساعدة. باستطاعة المغرب أن يفعل الكثير في قضية القدس و المسجد الأقصى. لن يبخل المغرب و المغاربة بآي شيء من أجل القدس و المسجد الأقصى. إخواننا المرابطون في القدس القديم في حاجة إلى مساعدتنا المادية من أجل ترميم منازلهم الآيلة للسقوط و من أجل تحسين ظروفهم المعيشية، و حتى لا يتخذ اليهود أية ذريعة لإخلاء المقدسيين من ديارهم بالقوة. في المغرب لدينا أيضا منازل آيلة للسقوط و لكن يكفي في هذه الحالات توفير منازل أخرى في مناطق أخرى لقاطني تلك المنازل القديمة المتآكلة. أما قضية القدس و بيوت القدس القديم الآيلة للسقوط، فهي قضية رباط لا بد و أن يصمد أمام هجمات اليهود المتنوعة التي تعتمد تارة على الإغراءات و تارة أخرى على القوة من أجل استكمال عملية تهويد القدس.
اكتتاب مغربي وطني فعّال لفائدة الأقصى مع حملة إعلامية ضخمة، بقيادة رئيس الدولة و بدعم منه، من شأنه أن يوفر المال الكافي لإنقاذ القدس القديم من إتمام عملية التهويد الظالمة.
لن يحزن الرئيس محمد مرسي، سننقذ المسجد الأقصى، و سنبقي على المقدسيين المرابطين في القدس القديم في منازلهم و سنحسّن ظروف معيشتهم إن شاء الله. سيتحرك المغرب و المغاربة من أجل القدس. ستتحرك إمارة المؤمنين من أجل القدس إن شاء الله. لن يحزن الرئيس محمد مرسي.