أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

العرس في صنعاء و الحرب في صعدة

- د. محمد حسين النظاري
عجيب هو حال اليمنيين، لم يعودوا يعرفوا متى وقت الفرح من وقت الحزن، ففي الوقت الذي يتقاتلون فيه في محافظة صعدة، وتطغى طائفة على أخرى، تقام الافراح في صنعاء، وكأن الذين يقتلون هناك ليسوا بشرا، وليسوا اخوة لهم في الدين واللغة والوطن... مفارقة عجيبة، والأعجب منها حينما يشترك نفس المال الاتي من الخارج التزويج و التقتيل، كيف لـ4000 عريس وعروسة أن ينعموا بطعم الفرح، ودماء هناك تسيل، وأرواح تزهق، ولا أحد ينظر إليها، لأن العدسات متوجة لمكان الفرح، فيما موقع الحزن، لا تنظر اليها إلا عيون المتقاتلين فقط... ولا يشفنا ان ندخل موسوعة غينس للأرقام القياسية على جثث اهلنا.
من حق الجميع في مدينة صعدة ان يعيشوا بسلام، وان اختلفت رؤاهم وتعددت توجهاتهم، فالاختلاف لا يوجب القتل، ولا يصوغ الإبادة، والغريب ان هذا يحدث والدولة لا تعير بالاً لما يحدث هناك.. فما يجري في صعدة أمر خطير، ويهدد السلم الاجتماعي في اليمن برمته، فالنار لا تأتي إلا من مستصغر الشرر.
كلنا يتفرج وهذا عار علينا، ولكن العار الاكبر أن يشجع بعضنا أحد الفريقين على الاخر، ولا يسعى للصلح بينهما، متمنيا في نفسه زواله، وهو بذلك لا يريد إلا زوال الامن في يمن الإيمان.. فالصراع لن يتوقف عند تلك الحدود، بل سيصل الى بيت يمني، فجميعهم اخوة لنا، والسعي بالإصلاح بينهم واجب ديني، فإن بغت احداهما على الأخرى، فلنا بعد ذلك رأي آخر.
قد يقول قائل ان اليمن ألف على القتال، ونجيبه أن القتال هذه المرة يختلف، فحين يعتقد البعض أن العقيدة في صفه وضد الاخر، فهنا مكمن الخطر المصدر الينا من الخارج، والذي يجعلنا حطبا ووقودا لما يريد تنفيذه من أجندات، زج فيها اليمنيين زجاً، وبمساعدة مسعري الحرب، والباحثين عن الثروة والجاه على حساب كل شيء.
نعود للمال الذي يغذي الحرب فيقتل فيها الابرياء في صعدة، وينشأ الاعراس ليحيي الفرحة في صنعاء.. نحن لسنا بحاجة الى ذلك المال الذي يفرحنا نهارا ويبكينا ليلاً، ذلك المال الذي يريد اصحابه الا ينعم اليمن ولا اليمنيين بأي خير.
أيهما افضل السعي بالإصلاح بين المتخاصمين أم تشجيعهم على القتال، لو أن المال المسخر أمام الكاميرات للإعراس لم يأتي ولم يأتي معه نفس المال المشجع على الاقتتال، لكنا في أفضل حال، فلا يسعدني ان تقيم لي عرسا ومأتما في ذات الوقت، بل ما يسعدني أن تكف خيرك وشرك عني، وتدعني واخوتي نعيش كما كنا في يمن الايمان.
ليس غريبا ان يحدث ما يحدث هذه الايام في صعدة ومؤتمر الحوار يسطر حروفه الأخيرة، فالمقصود هو ارباك المتحاورين ومن خلفهم جميع اليمنيين، ونقل موقع الحدث من فندق موفمبيك الى دماج، وكلما تصعد القتال هناك طال الاختلاف هنا، وهي عملية مقصودة، دبرت وتدار بمهارة، ويراد منها نسف الحوار وهو يلد مخرجاته.
لعنة الله على كل من يحرض يمنيا على قتل يمني، مهما كان الهدف والمقصد، فكلنا مسلمون، لا لحق لأحد فينا على تكفير الاخر، طالما وهو يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلى اليمنيين عامة ورجال الدين خاصة السعي الى اطفاء نار الفتنة، وإخمادها في مهدها، فما يحدث منذ سنوات في العراق ليس منا ببعيد.
المهم أن اليمنيون ان عدوهم خارجي، وأنهم إخوة سيجتمعون على كلمة واحدة، متى ما ادركوا ذلك، وعندما يدركون سيصبح العدو مكشوفا وسيعود وماله خائبا، ولن تفلح اعماله طالما واليمنيون على قلب رجل واحد، يحترم كل منهم رأي وأفكار الآخر.. حمى الله اليمن، واخمد فيها الفتن.

د. أستاذ مساعد بجامعة البيضاء

Total time: 0.0497