ان الحرمان الذي خيم على مجتمعنا لاكثر من اربعة عقود من الزمان أنعكس سلباً على واقعه الاقتصادي والمعيشي والثقافي ولذلك بناء دولة ديمقراطية على انقاض سنوات عجاف من الاذلال والقمع والاستبداد ومصادرة الحريات يستلزم اعتماد أحد اشكال نظم الادارة الذي بمقدوره وضع اطار شامل لاستراتيجية وطنية للنهوض بواقع البلاد وترسيخ مسيرتها نحو الديمقراطية.وعلى الرغم من حداثة تجربة العراق البرلمانية التي أرسيت ركائزها بالعهد الجمهوري على خلفية التغيير السياسي الكبير الذي شهدته البلاد في نيسان 2003م فانها تعبر في واقعها الموضوعي عن تحول كبير في شكل نظام ادارة الدولة الذي يستهدف انضاج معالم الدولة المدنية الحديثة التي تتركز قوتها الحضارية والانسانية باستقلالية المجتمع المدني وفصل السلطات الثلاث.ولا نبعد عن الواقع اذا قلنا ان القدر المحدد من الانجازات التي حققها المجلس النيابي في دورته السابقة لايخفي تعثره بتشريع كثير من القوانين المهمة التي تسبب بعضها بتعطيل مصالح كثير من الشرائح الاجتماعية والاضرار بها فضلاً عن اعاقة محاولات ازالة الاوضاع المتدنية التي يعاني منها المواطن.وبالاستناد على ما أفضت اليه الدورة النيابية الاولى من انجازات بنسبة مقبولة ومارافقها من أزمات ومشكلات متباينة لاسيما في مجال الخدمات البلدية والاجتماعية فان البرلمان العراقي الجديد سيضطلع بمهمات كبيرة ومسؤوليات جسيمة بوصفه المعبر الحقيقي عن طموحات شعبنا الجريح المتمثلة بمعالجة مختلف الازمات التي ورثها من القيادات الادارية السابقة او التخفيف من شدة آثارها وغني عن البيان ان العراق بحاجة الى استراتيجيات وسياسات وبرامج واعية وهادفة لضمان التخلص من المشكلات والازمات التي مايزال شعبنا يعاني منها، غير ان القاسم المشترك لهذه الازمات يتركز في آفة الفساد المالي والاداري التي تعد شريكة الارهاب في نتائجها الكارثية التي تستهدف تدمير البنى التحتية وأذى الشعب العراقي واستنزاف موارده وثرواته.ان تفشي ظاهرة الفساد المالي والاداري واستشراء الاساليب الابتزازية والممارسات الطفيلية الشاذة في عدد من المؤسسات والدوائر الحكومية فضلاً عن الاساليب الخبيثة التي لجأ اليها عدد من المقاولين الفاشلين أفضت الى بعثرة جهود بشرية وامكانيات مادية ضخمة كان بالامكان توظيفها بتخطيط منهجي منظم في مهمة النهوض بالبنى التحتية الى مصاف الدول المتقدمة بغية الاسهام بانتشال البلاد من أزماتها على الصعد كافة.وعلى وفق ماتقدم تتركز فاعلية اداء مجلس النواب في دورته الحالية بتفعيل دوره الرقابي على اداء المؤسسات الحكومية وبخاصة ما ينفذ من مشاريع وبرامج في المرحلة القادمة بالاستفادة من النتائج السلبية التي آلت اليها حركة الاعمار والبناء في السنوات الاربع الماضية بعد ان شغل الحديث عن بعض ما انجز من المشاريع مساحة واسعة بالنظر لما أفرزته من نتائج أحرجت الحكومة المنتخبة، لعدم مطابقة نهاياتها مع خرافية الارقام الخاصة بالاموال التي صرفت في سبيل انجازها.فضلاً عن عدم ارتقاء أغلبها الى مصاف المشاريع الكبرى التي بوسعها التخفيف عن هموم المواطن الذي رهن سعادته ومستقبل عائلته امانة باعناق اعضاء مجلس النواب، بوصفه اللاعب الرئيس والفاعل في العملية السياسية الذي أسهم بوصول ممثليه الى قبة البرلمان..ولان بداية مرحلة بناء العراق واعماره لم تكن توحي الى ماآلت اليه فان المرحلة القادمة ستكون صعبة في ملامحها وابعادها.. ومن هذا المنطلق يتعين على البرلمان الجديد ان يكون حازماً في متابعته للاداء الحكومي من خلال التأسيس لمشروع وطني يتكفل البحث عن آليات عصرية تنظم سير اعمال المراقبة التي تراقب تنفيذ المشاريع والبرامج من دون ان تشكل اعاقة لها، لضمان الحصول على نتائج ملموسة تفضي الى خفض معدلات الفساد المالي والاداري فضلاً عن الاسهام بترسيخ مقومات المشروع الوطني الثقافي الخاص بمكافحة الفساد لجميع المستويات من أجل المحافظة على ثروات البلاد من النهب والسلب كذلك ينبغي التأكيد على ان استضافة المسؤولين على مختلف مستوياتهم واستجوابهم تحت قبة البرلمان لايعد منقصة او نيلاً من الجهات التي ينتسبون اليها او يمثلونها بالاستناد على الصلاحيات التي تجيز للبرلمان مراقبة السلطة التنفيذية بقصد متابعة ادائها.والتعرف على مشاكلها لغرض معالجتها، اضافة الى دوره بتعزيز آليات العمل الايجابي المثمر ومحاسبة القصور الذاتي في الكفاءات.
ان مهمة استرداد متطلبات بناء المجتمعات الحديثة التي استلبت من شعبنا في العقود الماضية، تستلزم تبني البرلمان مشاريع عملية تفضي بنتائجها الى اعادة مواطنة المواطن وحريته فضلاً عن ازالة التوجس الذي تراكم عبر عقود طويلة بفعل كثير من البرامج والسياسات الخاطئة.وليس من شك في ان شعبنا الصابر يتطلع الى اسهام ممثليه بانضاج التجربة الديمقراطية التي تعد الدعامة الاساسية في البناء الثقافي والاقتصادي والاجتماعي الذي يغذي مسيرة التحولات الكبرى في البلاد خلال المرحلة القادمة التي يتطلع فيها المواطن الى عمران مدنه ونظافتها، وتفوق تأثيرها الثقافي والحضاري على مثيلاتها في البلدان المجاورة، واستبدال نفايات وانقاض ساحاتها وحدائقها بالزهور ومختلف الاشجار والشجيرات وتصريف مجاريها على وفق أحدث الانماط القياسية المعتمدة، ومياه الشرب فيها وفيرة وأمنة وعدم اقتصار ترميم مدارسها على صبغ الجدران بوساطة الرديء من الطلاء الحرفي ، ومعدلات تجهيز الطاقة الكهربائية لاتفرض على ساكنيها اللجوء الى التظاهرات والاعتصامات ان ما يملكه البرلمان من صلاحيات يعطي اعضاءه المناخ الملائم لاتخاذ القرارات الصائبة التي بوسعها الاسهام بتقويم ومتابعة مخرجات الاداء الخاص بالسلطة التنفيذية من أجل اعطاء صورة أفضل للسياسات الحكومية ومستوى الاهداف المتحققة. ويقيناً ان شمس الامل ستزين قبة البرلمان القادم, بالاستناد على اقتدار أهل العراق وثقتهم بمستقبلهم، من دون الرجوع الى الاخطبوط بول الذي نجح بتوقعاته الصحيحة لنتائج مباريات كاس العالم في جنوب افريقيا.