أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

اليمن ليست بلدا وإنما نعش متحرك.

- محمد عبده العبسي
كل يوم نحمل نعوشا جديدة، وكل يوم نرى على السيارات والباصات صورا لشهداء جدد لم نعد نعرف أين وفي أي يوم قتلوا.. هكذا فجاة نرى صورهم وعبارة فقيد الوطن!
أي وطن؟
 
من مذبحة السبعين إلى دوفس. ومن جريمة العرضي إلى غارة رداع، إلى مذبحة الضالع إلى سقوط الطائرات، إلى اغتيالات الضباط، إلى ضرب أبراج الكهرباء والنفط، إلى تقتيل الجنود في الشحر ولحج، والليلة في عدن.. وكل ذلك ولا أدين مجرم؛ ولا اقيل مسئول، ولا جبرت أسر الضحايا!
 
والمبعوث الاممي يتحدث عن إعجاب العالم بالتسوية السياسية في اليمن!
 
توقفت مشاريع التنمية ولم يتوقف بعد عداد القتل والجريمة.
 
ضربت محطة الكهرباء مئات المرات ولم تقم الدولة بضرب واحد من القتلة والمجرمين!
 
إن الدولةوأجهزتها موجودة فقط في نشرات الأخبار الحكومية وقاعات موفمبيك!
 
يقتل الجنود أو المدنيين شمالا وجنوبا وغربا وشرقا؛ وبدلا من القصاص لهم يستخدمونهم بطريقة انتهازية ودعائية قذرة من أجل البقاء في السلطة والتبرير لفشلهم.
 
تضرب أبراج الكهرباء والنفط فيقولون، دون احمرارة حياء وخجل: إن المجرمين الأشباح يستهدفون مؤتمر الحوار ويريدون إفشاله؟ وكأنه كان ناجحا!
 
يضرب تنظيم القاعدة ويقتحم وزارة الدفاع ورمز سيادة الدولة؛ فيقال إنهم يستهدفون التسوية السياسية!
 
يقتل الجنود باليومية فيما الرئيس والحكومة ووزارة الدفاع في غيبوبة تامة. وهم اللذين صجونا ليل نهار بمنجزات استراتيجية هيكلة القوات المسلحة!
 
وقبل أسبوع؛ نشرت جماعة مسلحة تسجيلا وصورا لجنود مختطفون في حضرموت؛ ولم تحرك وزارة الدفاع ساكنا. وبالأمس 9قتلوا بشناعة في لحج. وقبل ساعات دشنت حفلة مروعة للإجرام والإرهاب في عدن؛ بالتزامن مع احتفالات رأس السنة: 5انفجارات مدوية تستهدف مقرات الأمن. وما هي إلا لحظات حتى تتحول الجريمة شأن عظم الجرائم؛ إلى مباراة صفرية؛ وتراشق للإتهامات السياسية القذرة بين فرقاء السياسةوالسلطة. وتتحول الأنظار بعيدا عن الجريمة الشنعاء. ثم أخيرا يتحول الضحايا مجرد أرقام يتلهى بهم الرأي العام ويندبون لأيام ليس إلا:
ن5
قال 7
لا قالوا 10
وأيا تكن الأعداد.
أليس الواحد كالمليون؟
ويأتي بعد ذلك من يلمز بوقاحة، أو يتشفى أو من يبرر، بانحطاط ولا أخلاقية جريمة قتل هؤلاء الجنود؛ ويعللها بما جرى في الضالع؛ أو قتلى عدن بعدها وأنهم جنود الإحتلال!
 
الجرائم لا تحمى ولا يبررها إلا مجرم.
 
عندما ذبح الأطباء والمرضى في مستشفى العرضى كان هناك أطراف سياسية ومدنية تحمي القاعدة في صنعاء من خلال أحاديث هذه قاعدة صالح/ قاعدة محسن/ أو هؤلاء مخدرين وشاربين حبوب!
 
نفس الشيء يحصل الآن إنما بلغة أخرى، حيث يتم حماية المجرمين الحقييقين الذين استهدفوا مقار الأمن في عدن اليوم؛ أو قتلوا الجنود قبلها في الشحر ولحج، ببث أحاديث وكلام من قيبل هذه قاعدة صنعاء ومؤامرة من الحمر بينما لم تمض أسابيع على توعد البيض وشلال شايع.. بالكفاح المسلح.
 
سخصيا أستبعد كليا أن تكون القاعدة وراء الجريمة. القاعدة ما تزال مربكة ومذعورة من ردة الفعل المجتمعية تجاه جريمتها في العرضي. وبالمجمل، وأيا يكن الجناة؛ لا بد أولا من إدانة السلوك أيا كان مقترفه.
 
فمن يقتل باسم الله؛ أو باسم محاربة أمريكا والطائرات بدون طيار؛باسم الوحدة أو تحرير الجنوب، باسم محاربة الرافضة أو التكفيرين والمشروع السعودي؛ وبأي الأسماء، وتحت أي شعار ودافع إنما هو مجرد قاتل ومجرم ولا وصف آخر.
 
وقد يتبرع فجاة أحد أعضاء موفمبيك بتصريح ينفي مسئولية الحراك، معتبرا مجرد التفكير فيه إهانة ووقاحة! وكأن الحراك مؤسسة أو كيان موحد. وكأن المنطق البيولوجي يقضي حصرا بمسئولية الشمال عن كل جريمة في البلد!
 
لنقلها بصراحة وبدون إكسسوارات.
تعرضت صعدة للظلم والاضطهاد. نعرف ذلك ووقفنا ضده. تعرض الجنوب للنهب والإقصاء والقتل. نعرف ذلك وقمنا بإدانته في وقت كان نصف أبطال القضية الحاليين في فنادق خمس نجوم؛ بعيدين عن عقاب النظام او في خدمته.
المظلمة محسوم أمرها لكن أيعني هذا أن تتحول المظلمة إلى أداة تنكيل وظلم أيعني هذا أن ينزع الناس إلى اضطهاد بائع متجول أو جندي مكروب لمجرد انتماءه إلى جغرافيا الظالم الذي لم يكن بالمناسبة وحده المذنب. بل لقد كان معظم قادة حرب 94م من أبناء الجنوب وتعرفونهم واحدا واحدا، ولست أنا ولا صاحب البسطة؟
 
الضحية يصبح جلاد.
التاريخ علمنا ذلك. ونحن العرب لا نتعظ.
 
يقول أمين معلوف في مقطع يبدو لي كما لو أنه كتبه عن الحوثيين والحراك الجنوبي؛ أكثر من كونه تنظيرا وتحليلا عاما:
 
إن أحدا لا يحتكر التطرف، وبالعكس، لا أحد يحتكر التزعة الإنسانية!
 
إن كل جماعة بشرية، إذ تشعر ولو قليلاً بالمهانة أو بوجودها مهدداً، تنزع لإنتاج القتلة الذين سوف يقترفون أبشع الجرائم وهم مقتنعون أنهم محقون ويستحقون البركة الإلهية وإعجاب إخوانهم.
 
وإذا ما شعر "هؤلاء" أن الآخرين يمثلون خطراً على إثنيتهم ودياناتهم وقوماياتهم، فكل ما بمقدورهم القيام به لتبديد هذا الخطر سوف يتراءى لهم مشروعاً، حتى ولو اقترفوا المجازر فهم على يقين أنها تدبير ضروري لحماية أهلهم.
 
لا يشعر القتلة في أغلب الأحيان بتأنيب الضمير على أفعالهم، ويعجبون لمن ينعتهم بالمجرمين!
 
إن الشعور الذي يتولد لدى المرء بالتحرك من أجل بقاء الجماعة، مشفوعاً بصلواتها، وبأنه في حالة دفاع مشروع عن النفس، يمثل السمة المشتركة، لكل الذين ارتكبوا أبشع الجرائم في مختلف أرجاء الكرة الأرضية.
 
إن العالم يعج بالجماعات الجريحة التي تتعرض حتى اليوم إلى الاضطهاد او تحتفظ بذكرى عذاباتها القديمة، وتحلم بالثأر والانتقام، ولا يسعنا إلا أن نتعاطف معها، ونتفهم رغبتها في التحدث بلغتها، وبممارسة شعائرها الدينية دون خوف، غير إننا ننساق من التعاطف إلى التساهل، فنغفر للذين ذاقوا غطرسة الاستعمار والعنصرية، تطرف غطرستهم القومية وعداءهم للأجانب.
 
وهذا بالضبط ما وقعنا فيه جميعا الانسياق من التعاطف إلى التساهل.
 
اصحوا يا يمنيين.
والله إنها لن تبق ولا تذر وستحرق الاخضر واليابس.
 
اللهم احفظ اليمن وأهله وإن كنا لا نستحق؛ رحمة ورأفة بما أنت أهله لا نحن أهله.
16

Total time: 0.0659