أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

مجزرة الخليل، إرهاب دولة !

- د. عادل محمد عايش الأسطل

عشرون عاماً انقضت على مجزرة الخليل الإرهابية، التي ارتكبها واحداً من سفهاء المستوطنين الصهيونيين "باروخ غولدشتاين" المنتمي إلى حركة (كاخ- هكذا) الإرهابية، ضد الآمنين داخل الحرم الإبراهيمي خلال شهر رمضان المبارك وعند صلاة فجر يوم الجمعة في رمضان الكريم، الذي وافق يوم 25 فبراير/شباط 1994، وبعد خمسة أشهر فقط من توقيع اتفاق أوسلو، حينما تسلل الإرهابي"غولدشتاين" إلى داخل الحرم، وقام بفتح النار على المصلين ليحصد أرواح أكثر من ثلاثين مُصلياً وليُصيب العشرات منهم، بدون رحمة ولا حساب لأحد.

وعلى الرغم من أن المُعلن الإسرائيلي، بأن العملية كانت فرديّة ومن تلقاء المجرم نفسه، بهدف إفشال محادثات أوسلو، ولإثارة الفتنة بين الفلسطينيين، إلاّ أنه لم يشك أحدٌ هنا أو هناك، في أنها كيفاً وحجماً، تمّت بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، وذلك نظراً للعلامات الكبرى والواضحة التي سبقت حدوث المجزرة، وأثناءها وما أعقبها في شأن استكمال فصول تلك الجريمة البشعة، بدءاً من تخفيف حِدة الأمن الإسرائيلي في تلك الساعة، ومروراً بالتمنّع من فتح أبواب المسجد أثناء استغاثة المصلّين وطلبهم للنجاة بأرواحهم، ومنع الجيش للقادمين من الخارج للوصول لإنقاذ الجرحى، وانتهاءً بإقدام قوات الاحتلال على قتل أكثر من عشرين فلسطينياً آخر خلال ساعات قليلة، كانوا احتجوا على المجزرة الأشنع في تاريخ المدينة، ثم بالإجراءات الإسرائيلية التعسفيّة، ضد من كُتبت لهم الحياة، ليتم تقديمهم للمحاكمة، بسبب اتهامهم بقتل القاتل.

ومن جهة أخرى، وهو الهدف المهم، معاقبة سكان المدينة بالكامل، من خلال الإقدام إلى تنفيذ النوايا المبيّتة، والتي بدأت بتقسيم الحرم الإبراهيمي على نحوٍ أدق، بحيث يختص اليهود بالجزء الأكبر منه، وفي وقتٍ لاحق انحصر استخدام المسجد بكامله لليهود المستوطنين وخاصةً خلال الأعياد الصهيونية التابعة لهم، حيث لا يسمح برفع الآذان في الحرم ولا بدخول المصلين المسلمين إليه. وفي تطورات لاحقة فقد خضعت المنطقة كلّها للتقسيم، وترتّب عليه، اللجوء العمد إلى إغلاق أهم شوارع المدينة، وهو شارع الشهداء الذي يعتبر الشريان الأهم لحياة المدينة بشكلٍ عام، إلى غير ذلك من جملة الممارسات القمعية الأخرى، التي كانت سبباً مباشراً في اختناق المدينة وعلى كافة مستوياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية أيضاً، والتي استمرت تداعياتها حتى الآن.

لم تأتِ هذه الذكرى على ما تشتهي إسرائيل، حيث بدأت إشارات الغضب تتعالى في كافة المناطق الفلسطينية وخاصة مدينة الرحمن، فهي وعلى الرغم من أنها لم تكن المجزرة الأولى ولم تكن الأخيرة على النطاق الفلسطيني، إلاّ أنّها تبقى مناسبةً لحفظ العهد للشهداء، بأنهم ما زالوا يشكلون ثمن الحرية والكرامة التي يصبو إليها الشعب الفلسطيني على مدار حياته الدنيا، ولتكريس إصراره نحو عدم التخلي عن انتزاع حقوقه المشروعة، ثم إلى تقييمٍ دقيقٍ وفاعلٍ للمواقف الإسرائيليّة المختلفة، منذ تلك المجزرة وإلى الآن، خاصة وأن التطورات مازالت تلد المزيد من الممارسات الإسرائيلية المعادية، وسواء تلك الرسمية التي تعتبرها ضرورية لاستمرارها وبقائها، وغير الرسمية، والتي تتمثل في مواصلتها غض الطرف عن التنظيمات الإرهاب اليهودية بجملتها ودعمها، وإن بطرق غير مباشرة.

فعلى الرغم ممّا تقول به إسرائيل وتدّعيه بشأن إجراءاتها (الصارمة) ضد تلك التنظيمات، وبأنّها خارجة عن القانون الإسرائيلي، إلاّ أنها كانت صورية بالدرجة الأولى، بسبب أن شرارتها بدلاً من أن تنطفئ، فهي تزداد اشتعالاً. ونحن نشاهد تناميها إلى هذه اللحظة وبهذه القوة، وتواصل أنشطتها ضد العرب الفلسطينيين، تحت تسميات مختلفة، ومنظمة (دفع الثمن) ما هي إلاّ امتداداً لتلك التنظيمات الإرهابية المختلفة، حيث تمارس العنف بأشكاله، وتنادي بأفكار تدعوا إلى الطرد الجماعي لكل ما هو فلسطيني، والتي انتشرت اليوم بشكلٍ أعمق داخل جميع الأحزاب اليمينية المتشددة، وعلى رأسها الليكود، وإن بأساليب أخرى.

ظهرت حكومة "إسحق رابين" حينها، مُحرجة أمام العالم، فسارعت لإنقاذ صورتها، إلى اتخاذ قرارات داخلية، تمثلت في إخراج حركة (كاخ) الإرهابية عن القانون، وإعلانها عن تشكيل لجنة (شمغار) لتقصي الحقائق، والتي خرجت بقرارات هزيلة، برّأت الجاني وأدانت الضحية، على الرغم من احتوائها على شخصيات تابعة لمنظمات ومؤسسات إنسانية.

أصبحت ذكرى المجزرة مناسبة سنوية لثورة الغضب الفلسطيني، حيث بدأ الفلسطينيون واستمراراً من جانبهم في تقديم المزيد من النضال، يعلنون عن غضبهم واستنكارهم للممارسات الإسرائيلية ولاستمرار احتلالهم للأراضي الفلسطينية، وعدم جديّتهم في إحلال السلام، وذلك من خلال قيامهم بتنظيم مسيرات احتجاجية شعبية، في مناطق عديدة ومختلفة من المناطق الفلسطينية.

ففي مدينة المجزرة – خليل الرحمن- انطلقت مسيرات غفيرة وعلى رأسها محافظ المدينة وأعضاء حركات وفصائل وطنية فلسطينية، ضد جماعات المستوطنين وقوات الاحتلال، التي فاجأتهم بعنف مفرط، عندما استخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، والشروع بإطلاق الرصاص باتجاه المسيرات الغاضبة، مما تسبب في إصابة العشرات منهم بجروح عميقة، وقامت بحملات اعتقال مكثفة.

وفي القطاع وقعت مواجهات بين الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين على طول السياج الحدودي في شمال القطاع والوسط والجنوب إلى الشرق من مدينة رفح، وتم إطلاق النار عليهم أصيب على إثرها عشرات الفلسطينيين الثائرين.

وعلى الرغم من وقوع الأذى المفرط من قِبل الاحتلال، فإن لا أحد من الفلسطينيين في الداخل أو في الخارج، يمكنه من الامتناع عن مواصلة مسيرة كفاحه نحو دحر المحتل وانتزاع حقوقه، أو من نسيان تلك الكارثة وغيرها من المصائب التي حلّت بمجموعهم على مدار صراعهم الطويل مع جماعات الاحتلال الإرهابية، كما لا يمكنهم الصفح عن الإرهاب اليهودي أو إعفاء إسرائيل من المسؤولية بمستوياتها المختلفة، ليس بشأن هذه المجزرة وحسب، بل بشأن كل ممارساتها العنصرية ومجازرها الدموية، ومهما تقادم الزمن.

خانيونس/فلسطين

Total time: 0.0505