أخبار الساعة » السياسية » اخبار اليمن

تحليل : الحوثيون على أبواب صنعاء.. فشل سياسي وغرور مسلح

- الجزيرة نت
 
لم يدرك الحوثيون في اليمن أن من غير المجدي استمرار حالتهم المسلحة لتحقيق حلمهم بعد ثورة شعبية سلمية، وتوافق إقليمي ودولي على الانتقال السلمي للسلطة من خلال المبادرة الخليجية ودعم مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
 
حالة الحوثيين في اليمن الآن ليست مجرد طفرة ساهمت الثورة الشبابية الشعبية اليمنية ضد نظام علي عبد الله صالح عام 2011 في تحويلها إلى ظاهرة، ووصول الحوثيين إلى مشارف العاصمة صنعاء لم يكن المرة الأولى.
 
عشر سنوات على أول حرب شنها الجيش الوطني على تنظيم الحوثيين المسلح الذي بدأ تمرده في 2004، وقضت الحرب الأولى على نواة هذا التنظيم وقتل مؤسسه حسين بدر الدين الحوثي، لكن هناك اتهامات لنظام صالح بتكرار الحروب لإضعاف الجيش الوطني مقابل صناعة الجيش الموازي (الحرس الجمهوري) وتقوية نفوذ الحوثيين لضرب خصومه السياسيين في الداخل، وإثارة مخاوف الجوار الخليجي لضمان استمرار تدفق الدعم المالي.
 
لم يدرك صالح أن الحوثيين أكثر خطرا على نظامه إلا حين وصلوا في الحرب السادسة 2009 إلى حرف سفيان وبني حشيش على تخوم العاصمة صنعاء، فشعر بأن اللعب مع الحوثيين لم يساهم في اختراقهم وتوجيههم، بل ساعدهم على اختراق منظومة نظامه بشكل أكبر.
 
جاءت الثورة السلمية وقد ابتلع الحوثيون جزءا من ذلك النظام، فأدركوا أنها ستقطع عليهم طريق السيطرة على الدولة، وأنها قد تنسف حلمهم المتنامي في الحكم الذي وصفه زعيمهم عبد الملك الحوثي بأنه "حق إلهي لآل البيت".
 
تحالفات العنف
منذ اندلاع المواجهات بين الحوثيين والدولة في 2004، دخلت إيران كداعم لوجستي للحوثيين، وتشكلت إستراتيجية ذكية تقوم على تفتيت الوضع الاجتماعي واختراقه، وإضعاف معنويات المؤسسة العسكرية والنفاذ إليها، والتوسع التدريجي على الأرض مع كل حرب، وامتلاك العتاد والجنود لتشكيل جيش منظم.
 
إستراتيجية الحوثي في اليمن لا تنفصم عن الإستراتيجية الإيرانية في المنطقة التي صدمها الربيع العربي فحاولت أن تتأقلم معه وتتحدث عن أن الثورات العربية هي "امتداد للثورة الإسلامية".
 
كان الحوثيون يأملون في ذهاب البلد إلى صراع مسلح، ليرهقوا قواه المؤثرة سياسيا واجتماعيا ويفككوا بنية الجيش العسكرية المفككة أصلا، ويتمكنوا من السيطرة على البلاد بسهولة.
 
شكلت حرب صالح ضد قوى قبلية مؤيدة للثورة في الحصبة وأرحب خلال عام الثورة البوابة التي أراد الحوثيون النفاذ منها لإضعاف القوى التقليدية المعيقة لتحقيق أهدافهم.
 
فشل الحوثيون في السيطرة من خلال الصراع الذي أوقفته المرحلة الأولى من خارطة الانتقال السلمي للسلطة عبر المبادرة الخليجية، لكنهم حققوا الاختراق لمعسكرات الحرس الجمهوري وتشكيلات آل الأحمر المسلحة وقطاعاتهم الاقتصادية.
 
مع بدء المرحلة الثانية من خارطة الانتقال بعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني كان الحوثيون يكررون السيناريو في الحرب على تلك القوى، مستفيدين من التحالف مع صالح الذي ما زال له تأثير في بعض وحدات الجيش ويمتلك ترسانة من الأسلحة الحديثة والنوعية.
 
حققت حروب هذا التحالف مع مطلع 2014 حلما من أحلام الحوثيين في إخلاء صعدة من الخصوم السلفيين، وحققت حلم صالح في هزيمة قبائل آل الأحمر، لكن مثل هذه الحروب تولد من رحمها جماعات مسلحة جديدة تعيق التحول الديمقراطي.
 
في دماج كان صراع الحوثيين والسلفيين مغلفا بغلاف مذهبي طائفي كامتداد للصراع بين السعودية وإيران، غير أن الصراع بين الحوثيين وآل الأحمر كان له وجه تاريخي يمتد لثلاثة قرون ماضية.
 
حرصت أسرة آل الأحمر على البقاء منذ قرون في المكان الأقرب والمؤثر للحكم، وشهدت علاقتها بحكام اليمن متتالية تأريخية دائما ما تتكرر، تبدأ بتقارب ومصاهرة مع النظام الصاعد، وتنتهي بعداء وحروب تدفع إثرهما ثمنا باهظا، فتكررت حالة التهجير وتدمير المنازل حاليا كما حصل لأجدادهم، ومع كل مرة تعيد التحالفات القبلية هذه الأسرة لواقع النفوذ من جديد.
 
كان توقيع آلية الانتقال السلمي للسلطة من خلال المبادرة الخليجية في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 صفعة للحوثيين، فقد تركتهم معلقين لا هم شركاء في الحكم خلال الفترة الانتقالية، وما حققوا السيطرة على الدولة رغم توسعهم في عام الثورة بصعدة والجوف وحجة، وسيطرتهم على معسكرات الأمن والحرس الجمهوري هناك من دون مقاومة، في التوقيت ذاته الذي سيطرت القاعدة على مثيلاتها من المعسكرات في أبين وسط البلاد من دون مقاومة أيضا.
 
تورط الحوثيون بعرقلة أول انتخابات رئاسية مبكرة بعد الثورة والتي أعطت في فبراير/شباط 2012 مشروعية شعبية للرئيس عبد ربه منصور هادي في حكم اليمن، ولم يستثمر الحوثيون التشجيع الشعبي جراء انضمامهم إلى الثورة، كما لم يستثمروا تشجيع المجتمع الدولي بعد إشراكهم في مؤتمر الحوار.
 
لم يترك الحوثيون السلاح وينخرطوا في عملية الانتقال السلمي للسلطة التي تشرف عليها الأمم المتحدة، وبدت الانتصارات العسكرية والتوسع المسلح لهم مغريين أكثر من العمل السياسي السلمي، فقد وصلوا إلى مشارف العاصمة.
 
سيناريو آخر كان داخل صنعاء مع محاولات انقلاب على الرئيس، فتنظيم القاعدة يتلمس الفرص، ومكنته الأوضاع من الحصول على دعم لوجستي وإحداث اختراق كبير من خلال عمليتي اقتحام مجمع الدفاع ديسمبر/كانون أول الماضي والسجن المركزي فبراير/شباط الجاري.
 
يأمل صالح في أن يظهر منقذا للعاصمة والدولة، ومع توسع الحوثيين العسكري إلى مشارف صنعاء وتمكن القاعدة من إطلاق سراح متهمين بالانقلاب ومحاولة اغتيال الرئيس كانت صور أحمد علي تنتشر في الشوارع.
 
في عامين كان الحوثيون أو جماعات موالية لهم الطرف الأبرز في حروب متعددة شمال ووسط البلاد، وكان الحراك المسلح -الذي يتزعمه نائب الرئيس السابق علي سالم البيض الموجود تحت حماية حزب الله في لبنان حاليا- هو النسخة الجنوبية من الحركة الحوثية، والهدف تحقيق جزء من إستراتيجية إيصال الحرب لأبعد مكان حتى يتسنى خلخلة البلاد والتمهيد للتوسع التدريجي للوصول إليها.
 
تثير عمليات الحوثيين وتنظيم القاعدة والحراك الجنوبي المسلح مع كل تقدم في الانتقال السلمي للسلطة الشكوك بشأن غرفة العمليات التي تتحكم في تلك الجماعات ضد قوى التغيير والدولة، دون حدوث صدامات بينها.
 
جماعة الحوثيين مثلها مثل أي جماعة مسلحة يسيطر الجانب العسكري على السياسي، وبذلك تغيب الإستراتيجيات ويحضر غرور القوة، ففتح الحركة الحوثية نوافذها للدعم الإقليمي المزدوج هو بمثابة نقل الصراعات والاستقطابات إلى داخل الحركة.
 
وقد تعد حالة مقتل قيادات سياسية في الحركة الحوثية مثل عبد الكريم جدبان وأحمد شرف الدين جزءا من ظاهرة تعملق الرأس العسكري على حساب الجسد السياسي، وهي صورة من صور الإخفاقات السياسية التي قد تؤدي بالحركة المتكئة على وهم السيطرة بقوة السلاح خارج منظومة التحول الديمقراطي.
إستراتيجيات السيطرة
إذا ما افترضنا أن الحوثيين مشروع قائم بذاته ولا علاقة له بالتوسع الإيراني فإن التمدد في مناطق النفط وفي مواقع ذات أهمية جيوسياسية في اليمن يشير إلى وجود إستراتيجية يحكم نجاحها أو فشلها التكتيك المتلائم مع الوضع السياسي المحلي والإقليمي والدولي.
 
من أهداف الحوثيين الإستراتيجية: السيطرة على الحكم، أو إقامة دويلة جنوب السعودية، أو الحصول على حكم ذاتي، أو على أقل المستويات فرض محاصصة في الحكومة مع الحفاظ على مناطق السيطرة والسلاح ومن ثم التدرج في تشكيل حكم شبه ذاتي في صعدة أو ابتلاع الدولة من الداخل.
 
أما أهم الأهداف المرحلية (التكتيكية) فهي: التدرج في إسقاط الدولة، وتحقيق اختراق للمؤسسات الحكومية والمدنية والدولية ووسائل الإعلام والتأثير في أدائها، وإضعاف العوامل التي ساعدت الثورات السابقة، منها الاجتماعية كالقبيلة أو السياسية كالأحزاب.
 
من الأهداف المرحلية أيضا التي تحقق الإستراتيجية للحوثيين إثارة الفوضى وخلق صراعات مناطقية وطائفية، وفرض واقع سياسي جديد من خلال التمدد العسكري، واختراق جماعات العنف واستغلال اندفاعها، والقضاء على الخصوم السياسيين والمذهبيين في مناطق السيطرة وإضعاف تأثيرهم في الدولة، وتحييد الدول المؤثرة إقليميا ودوليا، وإضعاف السعودية أو إرباكها، وتهيئة اليمن لحضور إيراني قوي بالذات في مضيق باب المندب.
 
ويعتمد الحوثيون على عوامل داخلية لتحقيق أهدافهم، منها: الاختراقات التي حدثت في الحروب السابقة، والانقسام الذي أحدثته الثورة السلمية، والدعم اللوجستي الذي يوفره لهم معيقو التغيير، والتمدد العسكري وحالة البلد الانتقالية والتشويه الإعلامي للتغيير والمبادرة الخليجية وحكومة الوفاق.
 
وينظر الحوثيون باهتمام إلى بعض العوامل الإقليمية والدولية التي تساعدهم على تحقيق الإستراتيجية، أهمها: المخاوف الخليجية والأميركية من الإسلام السياسي الصاعد خلال الربيع العربي، والتقارب الأميركي الإيراني، والخلاف السعودي الأميركي بشأن سوريا، والاستفادة من الإستراتيجية الغربية الداعمة للأقليات لإحداث توازن سياسي مع الإسلاميين، والحرب الدولية على جماعات مسلحة غير شيعية من خلال برامج مكافحة الإرهاب.
 
كما يأملون في استفادة الغرب منهم كعامل ضغط على الجوار الخليجي لتحقيق مصالح واستمرار تدفق النفط، ومحاولة واشنطن احتواءهم لإحداث قطيعة بينهم وبين إيران وأذرعها العسكرية مثل حزب الله.
 
المسارات الجديدة
استطاع اليمنيون من خلال مؤتمر الحوار الوطني أن ينتجوا وثيقة تساعدهم على بناء دولة مدنية قائمة على اللامركزية والحكم الفيدرالي لا تتيح للمشاريع المناطقية والمذهبية والجهوية أن تفرض واقعا غير واقع الدولة. 
 
مخرجات الحوار الوطني ركزت على حق الدولة في احتكار السلاح وبسط سيادتها على كل اليمن، وضرورة حل المليشيات المسلحة وتحريم تشكيلها وسحب السلاح منها.
 
وشكل التقسيم الفدرالي الجديد لليمن عائقا رئيسيا للحوثيين وغيرهم من الجماعات المسلحة في تحقيق السيطرة الكاملة أو الانفصال أو الذهاب لحكم ذاتي لإقليم من الأقاليم.
 
فضم صعدة -التي يسيطر عليها الحوثيين إلى عمران وصنعاء وذمار- أغضب الحوثيين، لأنهم يرون أن ضم حجة التي يوجد فيها ميناء ميدي وضم الجوف -التي فيها ثروة نفطية- إلى منطقة سيطرتهم صعدة سيسهلان من قيام دولة لهم.
 
ومن خلال الواقع الجديد -الذي تفرضه مخرجات الحوار الوطني ولا يتيح للحوثيين الاستمرار كحالة مسلحة- يمكننا تصور أربعة سيناريوهات لمستقبل هذه الحركة ومسارات الدولة اليمنية:
 
السيناريو الأول: تحقيق الحوثيين حلمهم، والاستفادة من كل العوامل المحلية والإقليمية والدولية المساعدة في السيطرة على الحكم وإنشاء دولة أو دويلة أو حكم ذاتي أو الحصول على محاصصة في الحكم مع الاحتفاظ بالسلاح ومناطق السيطرة.
 
السيناريو الثاني: حصول متغيرات محلية وإقليمية ودولية تفرض على الحوثيين التخلي عن العنف والسلاح وتسليم المناطق المسيطرة عليها للدولة، والتحول لحزب سياسي والاندماج في الحياة السياسية.
 
السيناريو الثالث: استمرار الحوثيين في التوسع عسكريا في وقت لا تساعدهم العوامل المحلية والاقليمية والدولية على الانتصار، وبهذا يدخل اليمن في حروب أهلية يحاول من خلالها التدرج في السيطرة أو قد ينتهي به المآل للخسارة.
 
السيناريو الرابع: توحد المجتمع الدولي لإنجاح الانتقال السلمي للسلطة والتحول الديمقراطي وإصدار قرارات من مجلس الأمن ضد معيقي المرحلة الانتقالية ومنهم حركة الحوثيين، وبالتالي تقديم مساعدات عسكرية إلى الجيش اليمني لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني بالقوة لبسط سيادة الدولة على كل المناطق وسحب السلاح وتفكيك جماعة الحوثيين المسلحة وغيرها من الجماعات.
 

Total time: 0.0543