أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » لقاءات وفعاليات

قبيل السفر....

- د. محمد دموم...الهند
الزملاء الباحثون الأكارم..من سبق منكم ومن لا يزال بأرض المهجر....أما قبل....
أكتب اليكم وقد جاء دوري بعد العديد منكم ممن سبقوني راجعين الى بلد طالما عشقتموها في حلكم وترحالكم ومازلتم وهذا مما لا شك فيه.... في الحقيقة كنت أظن أنني سأكتب شيئا لهذا الوطن وأنا على أعتاب السفر اليه غير مدع أن حروفي يمكنها أن ترقى لمقامه السامي ولكنني وجدتني أكتب اليكم قبل ذلك...
هل لكم أن تتصورا كم هو صعب أن يقول أحدكم مفتتح الكلام في حضرة شخص كم يشتاقه ولكن يغيب أمامه وفي حضرته الكلام...كم من الكلمات والعبارات يركبها بخياله كي تكون البداية الأنيقة ثم يمسحها ليبحث عن غيرها أليس كذلك؟ ثم ماذا لو كان هذا الشخص هو الوطن ذاته؟...لقد كنت أرتب نفسي وكلماتي كي أبدأ الكلام ولكنني نظرت اليه فوجدته يبادلني النظرات في خجل عجيب...وجدته لا يكاد يرفع طرفه تجاهي حتى يخفضه مرة أخرى...وجدته يخفي حزن السنين على ناظريه..وجدته كشخص كريم الأصل يقف على عتبة داره يريد أن يدعوك ضيفا ولكنه لا يملك مايقدمه لك...وجدته وهو يقول بنظرة ليتني ماوجدته....
آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه يازمن...كم أنت قاس في حق اليمن... ولكن دعوني أسأل زملاءنا ممن سبقونا لليمن بعد حصولهم على الدكتوراه ..هل أنتم من أثقلتم على بلدكم بمطالبكم الكثيرة؟ هل أنتم من أحرجتموه وطلبتم منه ان يستقبلكم على أصوات الموسيقى العسكرية؟ هل أصر أحدكم على المرور وهو قادم من صالة التشريفات أو صالة كبار الزوار كما يسمونها؟ هل سبق لأحدكم ان يتجرأ محرجا وطنه للحصول على جواز سفر بلون أحمر...هل ..وهل..وهل؟ بالتأكيد لن يكون هذا مما يرقى اليه خيال مطالبكم فهذا ليس من حقوقكم وانتم تعرفون ذلك...
قد يقول أحدكم يارجل لم يكن للزبيري ولا للنعمان ولا للمقالح ولا للبردوني ولا لأحد من أصحاب الفكر والثقافة حتى ولو كانوا ممن أوقدوا مشاعل الثورة اليمنية شرف الاستقبال المهيب حين عادوا من منفاهم...وربما لم يكن باستقبالهم سوى بعض أفراد من عائلاتهم وصاحب البيجو الايجار الذي يقف بعيدا خلف أفراد العائلة في استقبال هذا القادم الجديد... يارجل لا نريد من وطن كثر مالكوه أن ترانا كاميراته ونحن قادمون من مطار صنعاء الدولي. فتلك ميزة اعتادها من يجلسون على كراسي السياسة أو من تعلوا بعض من نجمات المساء أكتافهم بأناقة حتى ولو أنهم من حملة الثانوية العامة أو الباكلوريوس المنازل أو حتى الدبلوم عن بعد..يارجل لم ولن نطلب سوى أن يرانا بعين المسئولية فقط..نقول هذا ونحن نعرف تماما أننا سنلاقي عند وصولنا تماما من الروتين الممل أصنافا كثيرة منها (روح جيب لنا الملف الأصل وثلاثة ملفات قليلة أصل وترى الموظف الفلاني في أجازة ومابايجي غير بعد اسبوع والحبر خلص والكهرباء انطفت أمس واحنا بنطبع حقكم المعاملة بس جي بكرة لما يجكموا كلفوت بثلاثة مليون ريال وياخي المدير مارضاش وانا مااسوي لك ...الخ) ومع كل هذا سنتحمل لأننا درسنا في الغربة كثيرا من الأشياء ولكننا لم ندرس عقوق الأوطان...لقد جئنا وفينا يعيش الأمل..جئنا وفينا يعيش حلم بأن ينفك اليمن يوما ما من أسر حمران العيون ليجمع من تبقى من قياداته الأكاديمية في اطار واحد لجامعاته اليمنية حكومية أو أهلية ويبدأ في ترتيب تلك المؤسسات ابتداء من الاختصاصات بالأقسام والكليات وبرامج الدراسات العليا ويرتب كوادره المؤهله سواء القديمين منهم أو المستجدين في اطار وطني عام يراعي الحفاظ على مكتسبات هذا الوطن المسكين فقد دفع في تأهيلنا دم قلبه واستدان ماتبقى من كبريائه عبر عشرات السنين...
الى وطن تمشط كرامته جحافل المظاهرات العبثية وتدوس كبرياءه سيارات المسئولين من مدنيين وعسكريين...وتفزع صغاره أصوات القنابل وأخبار التاسعة .....
الى وطن يدفع مليار ريال ومثله عتادا عسكريا لدرء شر قبيلة من أبنائه أوتحكيما لأعرافها ولا يدفع مليون ريال قيمة جهاز تفتيت الحصوات لمستشفى حكومي مثلا....الى وطن يبيع برميل النفط ليدفع اتاوة من يدعي انه يحميه...الى وطن يموت ابناؤه لعدم وجود الدواء كون مايمكن ان يخصص لجلب الدواء قد صرف بدل تذاكر سفر لمدراء عموم ووكلاء وزارة الصحة...الى وطن صار ناشطوه الحقوقيون والمحللون السياسيون بعدد هضابه ووديانه ولا يتعدى خبراؤه الاقتصاديون عدد أصابع اليد. نقول.....
أيها الوطن الحبيب: لن تقوم بأي ثورة حقيقية سوى لو قمت بثورة تعليمية حقيقية...ان الثورات التي يطبل لها عدد من أبنائك تارة باسم التغيير وتارة باسم تقرير المصير وتارة باسم القضية الفلانية أو الفلانية وتارة باسم أولاد تسعة ليست سوى ثورات وهمية يقوم بها حزبيون تأتيهم حيتانهم بشيكاتهم من هنا وهناك...ثق ايا الوطن الحبيب أن الحلول لن تأتيك على الاطلاق من مكاتب أمناء عموم الأحزاب أو المنظمات المدنية أو الأهلية فكل هؤلاء ليسوا سوى صور مستنسخة لمراكز القوى التي عاثت وتعيث في الأرض فسادا منذ زمن....
إلى هذا الوطن الماثل أمامي .... لا تحزن كثيرا فنحن لا نريد منك شيئا لسببين أولهما أن فيك مايكفيك وثانيهما لأننا جربنا الاغتراب كثيرا وصرنا نعرف جيدا ماهو شرف الانتماء لوطن...                                   
 
 

Total time: 0.058