ما يحدث في اليمن اليوم أكبر من كونه مظاهرات شبابية تطالب بإسقاط النظام، صحيح أنها بدأت كذلك محاكاة لما يحدث في أقطار عربية أخرى ، لكنها في الحقيقة تحولت إلى تهافت راديكالي شرس يريد أن يبتلع اليمن، هذا التهافت تمثله قوى معروفة من أبرزها الإخوان المسلمون ممثلين بحزب التجمع اليمني للإصلاح، إلى جانب قوى دينية مذهبية أخرى من بينها حزب الحق وحزب اتحاد القوى الشعبية، إضافة إلى ما أصبح يعرف بالحوثيين، ناهيك عن الراديكالية اليسارية بتياراتها المعروفة من اشتراكيين وناصريين وغيرهم.
لكن الخطر الحقيقي الذي يتهدد اليمن هو من الراديكالية الدينية والمذهبية، التي تهفو إلى اقتناص فرصة هذه الاضطرابات للوصول من خلالها إلى تحقيق أجندتها المسكوت عنها في إطار الحركة العالمية للإخوان المسلمين أو في إطار المد الشيعي الذي تصدره الثورة الإيرانية بغية الهيمنة على العالم الإسلامي تحت غطاء مذهبي، وفي المحصلة فهناك نذير يجب أن يصغي إليه كل الوطنيين في اليمن مفاده أن مستقبل اليمن إزاء هذه المعطيات بات ملغوماً بصراعات دامية ربما ستبدأ حتى قبل أن يرحل الرئيس الصالح سواء رحل الآن أو غداً، فالجميع يتربص بالهيمنة ويحلم بالسلطة والنفوذ، ولكل تيار جملة من المظالم التاريخية التي يدعيها ويحاول أن يتذرع بها للوصول إلى دفة الحكم بشتى الوسائل.
ويبدو أن الخطورة في الأمر تزداد بتحالف قوى قبلية وتحالفات مصلحية بوعي أو بدون وعي مع القوى السالفة الذكر، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع الراهن في اليمن ويضعه على محك حقيقي لن ينجو منه اليمنيون سوى بفرض إرادتهم الحقيقية نحو التغيير المنشود في ظل حوار واع ومسؤول.
أما عن الراديكالية اليسارية فهي بشكل عام تابع حضوره المعنوي أكثر من حضوره على أرض الواقع، وهي تتحالف مع الراديكالية الدينية بغية تسجيل موقف ثأري من النظام القائم يحمل روحاً تدميرية يائسة ليس لها في العير ولا في النفير، وما ستسفر عنه هذه المرحلة من تاريخ اليمن سيثبت أن مثل هذه القوى لم يعد لها سوى أطلال بالية ستتآكل نهائياً بمجرد استحواذ الراديكالية الدينية على اللعبة السياسية في اليمن. ولعل بوادر هذا التلاشي ماثلة لنا الآن في ما تشهده ميادين الاعتصام من هيمنة هذه القوى على مجريات الأمور وسط المعتصمين، وهيمنتها خارج الاعتصامات في كواليس الغرف المغلقة أو من خلال اتصالاتها العابرة للحدود الوطنية.