خلال عام 2011م كنت أسمع يومياً عبارة أن النظام الحاكم لليمن آنذاك يمارس سياسة العقاب الجماعي ضد اليمنيين لأنهم طالبوا بالتغيير وإسقاطه كنظام حاكم لليمن ،قيل يومها أن انقطاع الكهرباء عن أغلب المدن اليمنية وانعدام المشتقات النفطية وبالذات البنزين والديزل كان سياسة ممنهجة غرضها معاقبة الشعب ،وحين كانت وسائل إعلام النظام الحاكم يومها تتهم خصومها بأنها هي من ترتكب جرائم الاعتداء على خطوط الكهرباء وتفجير أنابيب النفط كانت أحزاب المشترك المعارضة للنظام يومها تتحدث عن أن من يفعل تلك الجرائم هو النظام الحاكم وتحمله في كل الأحوال مسئولية معاقبة المنفذين باعتباره المسئول عن القبض على الفاعلين وتوجيه التهمه لهم ومحاكمتهم وكانت العبارة الأهم الأكثر شهرة يومها (((فلماذا إذاً لازال النظام متمسكاً بالحكم طالما وهو عاجز عن أداء واجباته)))!!!.
مرت دقائق الزمان سريعاً لم تمضي سوى شهور حتى تسلمت أحزاب المعارضة آنذاك مسئولية وزارة الداخلية والكهرباء والمالية ،ليفاجأ اليمنيون أن الكهرباء عادت للانطفاء بسبب الاعتداءات على أبراج الكهرباء وأن أنابيب النفط يتم تفجيرها،ومنذ شهرين ونصف صار الملمح اليومي لحياة كل مواطن يمني هو أنه لا يشاهد الكهرباء إلا سويعات ،ويقضي أغلب يومه في طوابير طويلة محاولاً تموين سيارته بالبنزين أو الديزل، وهذا كله في ظل حكم من رددوا حد الملل أن قطع البترول والكهرباء هو عقاب جماعي لا يمكن أن نغفر لسلطة تسكت عليه ،فماذا هم قائلون الآن ؟!!!.
قد يقول البعض أن النظام السابق هو أكثر المستفيدين من حدوث مثل هكذا مشاكل لأنها تجعل المواطن اليمني يكره التغيير ويحن إلى الماضي بل وينادي بعودته ،وقد تجد هذه الكلمات صدى إعلامي لكنها في منطق العقل لا تساوي شيئاً.
لابد من فهم أن الشعوب حين تختار من يحكمها لا تختارهم لكي يمارسون دور النائحة المستأجرة أو حتى النائحة الثكلى بل لأجل معاقبة المجرمين وبغض النظر بالذات عن انتمائهم السياسي لأنها لا تشكل في نظرية الثواب والعقاب أي أهمية ((فالمسئولية الجنائية شخصية)) ((ولا عبرة بالباعث على ارتكاب الفعل الجنائي)) ولو ظللنا نكتفي بالنواح واتهام الاخرين بمحاولة افشالنا ما انطلقنا في حياتنا ولا حققنا أي نجاح فالحياة كل الحياة مليئة بالأشرار والأشرار لا يلامون على أنهم كانوا اشراراً بل يلام من يسكت على شرهم وجرائمهم خصوصاً لو كان في موقع مسئولية معاقبتهم .
دعونا من الباعث ولنحاسب من يتولى مسئولية الأمور فإن كان قادراً على مقاومة الجريمة بغض النظر عن فاعلها فبها ونعمت ، ما لم فليترك المسئولية ليؤديها غيره، وليست اليمن حقل تجارب نعطي فيها الفرص لمن يريد الحكم ،كما يطلب البعض أن نعطي النظام الحالي الفرصة كما أعطينا سلفة 33سنة ، فما ولدت فكرة التغيير والثورة إلا من رحم الأحزان ولم يطلب التغيير سوى المستاءون من عدم وجود الدولة القوية التي تحمي أفرادها من كل أنواع الجرائم والمجرمين.
إن الحاضر القبيح الذي ولد بعد أحلام وأماني التغيير المثالية والمرتفعة السقف جدا خلال عام 2011م لا يقدم فقط أفضل الخدمات للماضي بل يجعل من التغيير كأهم سنة كونية ينبغي العمل بها ، فكرة لا ينبغي التفكير بها مجدداً ويجعل الشعار الأمثل للحياة (ليس بالإمكان أحسن مما كان) وباللهجة اليمنية الدارجة (ما معاكم إلا الحاصل) ، وهذا لا يفسد اليمن بل يدمره تماما، فكره التغيير يجمد الحياة وينهيها سريرياً والموت السريري يتعب أقارب الميت أكثر من الموت الناجز فهل نعي ذلك؟!!!.