من المفارقات العجيبة في عصرنا هذا ان تعيينات المناصب العليا والمتوسطة وحتى الدنيا تعتمد في اغلبها على توازنات مناطقية او مصلحية نفعية او انتماءات فكرية وسياسية دون النظر الى اية معايير علمية وفنية تخصصية. والمضحك في هذه المفارقات اننا نرى بعد صدور قرارات التعيينات تسابقا محموم على وسائل الاعلام لنشر السيرة الذاتية لهذا الوزير او الرئيس او ذاك.
نظل نقرأ ونحصي عدد الشهادات التي حصل عليها كم لو ان صاحب القرار اشتراط عليهم احضار كل هذه الشهادات حتى ينالوا ثقته.. الشهادات المعروضة في الاعلام لم تترك مجالا من مجالات الحياة الا ولذلك الوزير او الرئيس شهادة خبرة او مشاركة بما فيها رخصة قيادة السيارة "المونيكا" الجديد المصروفة له و شهادة تنظيم الاجتماعات ودخول "اللفت" والجلوس على كرسي المكتب وشهادة ربط الكرفتة.
وبالتالي اصبحت الشهادة مجرد شيء كمالي في حياة هؤلاء الاشخاص تضفي عليهم مزيد من الشهرة والتلميع وهذا افراغ خطير لمضمون ولأهمية الشهادة العلمية غير المزورة في بناء الدول والشعوب.. وفي هذا السياق لاحظنا خلال العقد الاخير هرولة المئات بل الالاف من اليمنيين للحصول على شهادات عليا في اغلبها شهادات غير شرعية ولا تمت بصلة لحاملها ولعل فضائح الجامعات التي تمارس هذه النوع من التجارة معروفة وكتب عنها الكثير بما فيها جامعات مشهورة في دول متقدمة وكبرى.
ما نريد ان نصل اليه هو ان مصيبة هذه البلد تكمن في هذا نوع من السياسة التي لا ترى فيها توزيع المناصب في الدولة الا من زاوية واحدة هي الاحتفاظ بالسلطة وحمايتها من السقوط والاستحواذ على عائداتها بين قاعدة الهرم وراسه. ولهذا يظل الشعب ينتقل من ازمة الى اخرى.
ان هذا النمط في ادارة الدول يكون على حساب ضياع دولة "النظام والقانون" كمفرز من مفرزات سياسات اللعب على التناقضات واللعب على الزمن واللعب على صراع الاضداد واللعب على تحالفات المصالح الانية وغير المشروعة وكلما اوغلت في استخدمها كلما زدت بعدا ان دولة النظام والقانون.
لو اننا ارسينا معايير الكفاءة والخبرة والتخصص والوطنية بعيدا عن اية انتماءات اخرى في اختيار مسؤولينا لكنا في غنى عنما نحن فيه اليوم من الازمات الاقتصادية والسياسية.
وهذه هي رغبة المواطن البسيط الذي لا يعنيه من تكون وما تحمل من شهادة لانه يبحث عن خدمة يريد حصول عليها بأسهل الطرق وباقل التكاليف لا يعنيه اسمك.. شكلك.. لونك على الاطلاق.
للأسف اننا لا زلنا بعيدين عن هذا النضوج الاداري رغم اننا نعيش فترة ما بعد ثورة خرج الناس فيها مطالبين بمعالجة هذه الاخطاء المنهكة لجسم دولة وبنيانها.
ويبقى المواطنون ينتظروا ان يأتي التغيير بالأفضل خاصة على الصعيد الاقتصادي والخدماتي وهناك شخصيات اقتصادية معروفة بخبراتها ونزاتها ونجاحتها خلال عقود مضت على يدها ادخلت لهذا الوطن الكثير من الاموال والمساعدات الدولية بفضل ما تمتلكه من علاقات صداقة مع كثير الدول والمنظمات المانحة لليمن لكن الفساد ورموزه ما زالت تحقق انتصاراتها في ظل عملية التغيير الجديدة الشاملة في بلادنا وهذا يبعث على الاحباط لأي تفاؤل بالأيام القادمة. خاصة واليمن تقف على مفترق طرق وتتطلب اجراءات عاجلة يجب اتخاذها لمعالجة ازمة الاقتصاد الكلي القائمة والتأسيس للنمو على الامد البعيد، وهنا اذكر تحذيرات الاستاذ احمد غالب رئيس مصلحة الضراب سابقا_ الذي بالمناسبة صدر قرار تغييره يوم وعدته من الخارج من رحلة علاجية شفاه الله_ حين حذر من استمرار السياسة الاقتصادية ودعا الى اجراءات علاجية سريعة لتسوية حسابات الموازنة التي ستمكن الحكومة من توفير الخدمات العامة التي ينتظرها الشعب لكن اسمع غير مسمع.. وهكذا ينتصر الفساد والمفسدون.