أخبار الساعة » السياسية » اخبار اليمن

نقاش قديم عن منع القات!

- ناصر يحيى
صحيفة القدس العربي نشرت تحقيقا عن قرار الحكومة البريطانية بمنع تعاطي القات، وآراء أبناء الجالية اليمنية خاصة تجاهه التي كانت أغلبها رافضة له! لكن التحقيق أعاد إلى الأذهان حكايات مشابهة حدثت عندما قرر النظام الحاكم في جنوب الوطن منتصف السبعينيات منع تعاطي القات باستثناء يومين في الأسبوع هما: الخميس والجمعة.. واستثناء مناطق زراعته من القرار برمته!
 
القرار البريطاني أطاح بحالة نادرة من التسامح الدولي مع القات الذي ينظر إليه في معظم بلدان العالم العربي والغربي بوصفه نبتة شيطانية لا تختلف عن المخدرات في شيء، ويعاقب من يحمله كأي مهرب مخدرات! ولا تفسير للموقف البريطاني السابق إلا أنه نتيجة معرفة قوية بحقيقة القات اكتسبها الإنجليز أثناء احتلالهم لأبرز البلدان التي تزرع القات وتسمح بتعاطيه (جنوب اليمن، كينيا، الصومال..) وجعلتهم خبرتهم على قناعة بأن القات ليس من المخدرات.
 
 والغريب أن اللجنة البرلمانية البريطانية التي أقرت منع القات مؤخرا أقرت في تقريرها أن التقارير العلمية تؤكد فعلا أنه ليس كالمخدرات، وأنه لا صلة له – كما يروج البعض- بتمويل جماعات متهمة بالإرهاب؛ ويقصدون تحديدا جماعة الشباب المسلم الصومالية! .. ومع ذلك فقد صوت 16 من أعضاء اللجنة لصالح المنع بحجة أن القات مسؤول عن تدهور العلاقات الأسرية، وإهمال تربية الأبناء ومتابعة دراستهم في العائلات التي يتعاطى الأب فيها القات (وهي شكوى صادرة حصريا من قبل النساء في الجالية الصومالية في بريطانيا). وهناك حجة أخرى أن بريطانيا تُستخدم كممر لتهريب القات إلى دول حليفة تمنعه مثل الولايات المتحدة وهي التي ضغطت لمنع القات، وسد منبع التهريب من الأصل!
 
    تفاصيل التحقيق الصحفي كشف أن مبررات المنع والرفض من الجانبين المؤيد والمعارض، والبدائل التي يقترحها البعض تكاد تتشابه من بريطانيا إلى اليمن. وبالنسبة للمعارضين (واضح أنهم كلهم يمنيين) فقد كانت أبرز حججهم أن القرار مؤامرة من الحكومة البريطانية لتمييع شبابهم، وإفقادهم الكثير من عاداتهم وتقاليدهم التي تتحقق في الاجتماع على تعاطي القات. وفي المقابل دفعهم إلى ارتياد المراقص الليلية وتعاطي الخمور.. وكذلك قيل شيء من ذلك في اليمن!
 
      وكما قيل يوما ما عن حق إن الحكومة في عدن تتشدد في موضوع القات، وتتساهل في موضوع الخمور في بلد مسلم؛ فقد تكررت العبارة نفسها في بلاد الإنجليز حرفيا مع استبدال المخدرات بدلا من الخمور. وكما انتقل تعاطي القات في الأيام الممنوعة إلى السر في الحالة اليمنية؛ فقد توقع معارضون ومتحفظون على القرار في الحالة البريطانية أن يحدث ذلك أيضا عنهم! ولم يتردد المعارضون من تفنيد حجة المنع بأن بريطانيا تحولت إلى ممر عالمي لتهريب القات إلى دول تمنعه محاججين بأن هناك دولا أوربية (مثل هولندا) تبيح الاستخدام الشخصي للمخدرات، ومع ذلك فلم تعترض أمريكا وغيرها أن تصير ممرات لتهريب المخدرات إليها كما فعلت مع القات! وبالنسبة للأضرار الصحية فقد جادل المعارضون لقرار المنع بأن الإحصائيات عما تنفقه الحكومة على مواجهة أضرار الخمر والمخدرات كبير جدا، ولا يوجد ما يدل على أن هناك ما يكافئه في مواجهة أضرار القات!
 
     البعد الخارجي في الموقف المضاد للقات كان متشابها تقريبا؛ ففي شمال اليمن كان القات يوما ما أشبه بنزعة وطنية في مواجهة التحريم السعودي! وها هم يمنيون في بريطانيا يوجهون اتهاما لحكومتهم بأنها تريد إرضاء أمريكا في قرارها هذا ولو على حساب مواطنيها!
 
       البدائل التي تسد مسد القات كانت أيضا متشابهة؛ فقد دعت إلى إيجاد أنشطة رياضية واجتماعية وترفيهية. ومن الواضح أنها بدائل مقتبسة من الصحافة الرسمية في اليمن التي تفتقد إلى مثل تلك الأشياء، لكن في بلد مثل بريطانيا فإن وسائل الترفيه وممارسة الرياضة أكثر من الهم على القلب، وأكثر من دكاكين القات في أسواق المدن اليمنية!
 
        وقطعا فقد جاءت مبررات المؤيدين لقرار المنع شبيهة بما نسمعه من المعارضين للقات في بلادنا: عادة سيئة، ومضيعة للوقت والجهد والمال، وله آثار سيئة على الصحة، والعلاقات الأسرية، وتربية الأبناء!
 
      منع القات في بريطانيا سيزيده حلاوة وطلاوة في أفواه المخزنين، ولكن غالبا لن يكون مصير القرار كمصير أمثاله في اليمن. فالحكومة البريطانية ليست كمثل حكومات اليمن، والمسالة كلها 2500 طن في السنة تأتي كلها من الخارج مما يسهل محاصرتها، ولا توجد حدود مشتركة مع بلدان القات تسمح بتهريبه كما يحدث مع السعودية التي رغم منع القات المشدد إلى درجة التحريم؛ إلا أن الشائع أن القات غزا مناطق شائعة في المملكة، وصارت عادة مضغه من المغتربين اليمنيين والمواطنين السعوديين شيئا مألوفا!
 
 كذلك من الصعب على محبي القات في بريطانيا أن يراهنوا على الزمن لإفشال قرار المنع كما يحدث في بلادهم عندما يصدر زعييم البلاد قرار بمنع تناول القات في أثناء العمل وخاصة للعاملين في المؤسسة العسكرية والأمنية، وبعد أسابيع تكون النتيجة ازدياد استهلاك القات فيها. والخشية الآن أن يقرر أبناء الجالية اليمنية في بريطانيا العودة إلى اليمن كما حدث عند إلغاء الامتيازات المقدمة لليمنيين في السعودية، وتدخل اليمن في أزمة اقتصادية جديدة تهدد مخرجات الحوار الوطني!
 
بقي تعليق حول معلومة مالية تقول إن الحكومة البريطانية كانت تحصل على 13 مليون جنيه إسترليني ضرائب تؤخذ على قرابة ألفين وخمسمائة طن قات تدخل إلى بريطانيا سنويا.. وهو رقم يكشف حجم التجارة المربحة التي ضاعت علينا، والتي للأسف لم يفكر تاجر يمني ولا حكومة في الاستفادة منها لصالح اليمن من خلال تصدير القات كما يفعل الأثيوبيون الذين احتكروا هذه التجارة المربحة، وتخيلوا كم كان سيكون نصيب اليمن من الأرباح لو كانت خصصت جزءا من الانتاج المحلي الهائل من القات لتصديره إلى بريطانيا؟

Total time: 0.1075