أخبار الساعة » السياسية » اخبار اليمن

هل تسقط العاصمة السياسية لليمن بعد سقوط العاصمة القبلية؟

- المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

اعلنت ميليشيا الحوثيّ أو حركة "أنصار الله" كما تطلق على نفسها، يوم الثامن من يوليو/ تموز الجاري، سيطرتها على مدينة عمران (60 كيلومترًا شمال العاصمة اليمنية صنعاء)؛ بعد أن اجتاح عناصرها مقارّ قوّات الأمن الخاصة (الأمن المركزي سابقاً)، والشرطة العسكرية، وقوّات الأمن العام، واللواء 310 مدرع، والمواقع التابعة له في محيط المدينة، واستولت على ما كان فيها من أسلحة وذخائر وآليات ومعدات عسكرية. وبعد سيطرتها على المدينة، نسفت جماعة الحوثي منازل خصومها من زعماء القبائل في المنطقة، فضلًا عن نهبها محتويات مؤسسات تابعة لحزب التجمع اليمني للإصلاح، وتدميرها.

أطراف الحرب في عمران

لم تقلّل محاولات الحوثيين تصوير المواجهات التي خاضوها في محافظة عمران كونها كانت تستهدف التجمع اليمني للإصلاح، "المتحالف" بزعمهم مع "التكفيريين"، والمدعوم من قيادات عسكرية في المنطقة، من الانطباع الذي خلفّته حقيقة أنّهم قاتلوا قوّات تابعة للحكومة، واستولوا على مقارّ عسكرية تابعة للدولة والجيش اليمني، وغنموا ذخائرَ تعود ملكيتها إليهم؛ فمزاعم زعيم حركة "أنصار الله"، عبد الملك الحوثيّ، في خطاب متلفز جرى بثّه على قناة المسيرة التابعة للجماعة، مساء التاسع من يوليو/تموز الجاري، كون خصومهم هم القاعدة والتجمع اليمني للإصلاح وبعض القيادات العسكرية، وليست لديهم مشكلة مع الدولة، لم تقنع كثيرين، وإن كان فيها قدرٌ من الصحّة؛ فعلى الرغم من إنكار التجمع اليمني للإصلاح مشاركته في القتال الذي جرى في عمران، حيث وصف ما يدور بأنّه حرب الحوثيين ضدّ الجيش، المدعوم برجال القبائل، الذين كان ينتمي معظمهم إلى التجمع اليمني للإصلاح، وقد مثّلوا الطرف الرئيس في حرب عمران، إلى جانب اللواء 310 مدرع، في مواجهة الحوثيين والقبائل الداعمة لهم.

ولا ينفي هذا أنّ هناك أطرافًا داخلية وخارجية عديدة ساهمت وتسهم في تأجيج هذه الحرب، بما في ذلك بعض القوى الإقليمية التي تدير حربًا بالوكالة على أرض اليمن، وأطراف التحالف الحاكم السابق التي تصفّي حساباتها عبر هذه المواجهات. مع ذلك فقد كانت حرب عمران أشبه بحربٍ أهلية محدودة، بخلاف الحروب الستّ السابقة التي خاضتها الحكومة ضدّ جماعة الحوثي، حين كان الجيش هو الطرف الرئيس في مواجهة جماعة الحوثي. أمّا في هذه الحرب تحديدًا، فقد كانت المليشيات القبلية الموالية للحوثيين، وتلك الموالية للتجمع اليمني للإصلاح، الطرف الرئيس الذي قاد المواجهات.

"هناك أطراف داخلية وخارجية عديدة ساهمت، وتسهم، في تأجيج هذه الحرب، بما في ذلك بعض القوى الإقليمية التي تدير حربًا بالوكالة على أرض اليمن"

وعبّر عن هذا الوضع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، جمال بن عمر، الذي وصف حرب عمران بأنّها حرب بين جماعات مسلّحة. في حين دعا البيان الصحفي، الصادر عن مجلس الأمن في 11 يوليو/ تموز 2014، الحوثيين، وكلّ الجماعات المسلّحة والأطراف الأخرى المنخرطة في العنف، إلى الانسحاب من مدينة عمران، وطالبها بتسليم الأسلحة والذخائر التي سُلبت من معسكرات الجيش وقوات الأمن للسلطات الوطنية الموالية للحكومة. ودعا كذلك إلى تجريد الجماعات المسلّحة والأطراف المنخرطة في العنف من الأسلحة.

أسباب سقوط عمران

تهيّأت للميليشيا المسلّحة التابعة لحركة "أنصار الله"، في السنوات الماضية، ظروف داخلية وخارجية، مكّنتها من تعزيز قدراتها العسكرية، كمًّا وكيفًا، إلى درجةٍ، باتت تملك معها إمكانات جيش دولة صغيرة من دول المنطقة. وقد مكّنها ذلك من السيطرة على مدينة عمران، ومحافظة عمران عمومًا، وباتت قادرة على تهديد محافظات الجوف وحجة وذمار، وربّما محافظة مأرب أيضًا. مع ذلك، لم تأت الانتصارات التي حقّقها الحوثيون في محافظة عمران، وتمكّنهم من الاستيلاء على عاصمة المحافظة، بسبب ما تتمتع به مليشياتهم من قوّة فحسب، بل بسبب ضعف خصومها، أيضًا؛ فبعد اندلاع ثورة 11فبراير/ شباط2011، تفكّك التحالف الحاكم الذي كان، على الرغم من التنافس والصراعات الخفيّة بين أطرافه، يحتفظ بقدرٍ معقول من الدعم المتبادل على قاعدة "عدوّ عدوّي صديقي"، ما أدّى إلى تراجع قدرة القادة العسكريين، الداعمين الحرب ضدّ جماعة الحوثي، في التأثير في القرار المركزي للدولة. وعليه، فإنّ مشاركة اللواء 310 مدرع في الحرب منفردًا، من دون دعم من وحدات الجيش الأخرى، باستثناء دعمٍ محدود من الطيران، بفعل علاقات شخصيةٍ، تربط قائده العميد حميد القشيبي باللواء علي محسن الأحمر، مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الدفاع والأمن، تدلّ على مدى التفكّك الذي طرأ على بنية التحالف الحاكم. وقد أثّر ذلك سلبيًّا في معنويات ضبّاط اللواء 310، وجنوده الذين شعروا بالعزلة، وغياب الدعم من بقية قطاعات الجيش، في مواجهاتهم مع الحوثيين في قتال عمران. ويدعم هذا الاستنتاج اتّهامات صدرت في وسائل إعلام مختلفة، بخصوص "خيانات" وحدات عسكرية، ساعدت في استيلاء الحوثيين على عمران، بسهولة نسبيًّا. وفي خطٍّ موازٍ، تعرّضت الروابط بين مشايخ قبائل حاشد إلى ضعفٍ واضح في السنوات الماضية، خصوصاً بعد وفاة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر عام 2007 الذي مثّل، لأسباب كثيرة، رمزًا قبليًّا، توحّدت حوله مشايخ قبيلة حاشد. وقد تزايد هذا الضعف بعد ثورة فبراير/شباط 2011، وتحوّل إلى تنافس ونزاعات علنية، على خلفيات سياسية واجتماعية بين البيوتات المشيخية في قبائل حاشد الأربع.

استطاعت جماعة الحوثي استغلال هذه النزاعات في بناء شبكة تحالفات قبلية جديدة؛ فتمكّنت من كسب ولاء معظم شيوخ قبيلة "عُذَرْ"، وتحييد معظم مشايخ قبيلتي "بني صُرَيم" و"خَارِف". ولم يكن الشيخ صادق بن عبد الله الأحمر، وإخوته، قادرين سوى على حشد رجال قبيلة "العصيمات" التي ينتمون إليها، وتعبئتهم. وهو ما ظهر في ضعف التجمع اليمني للإصلاح، الذي يشكّل شيوخ قبيلة حاشد (وشيوخ قبائل يمنية أخرى) مكوّنًا أساسيًّا من مكوّنات بنيته التنظيمية.

"الانتصارات التي حقّقها الحوثيون في محافظة عمران، وتمكّنهم من الاستيلاء على عاصمة المحافظة، لم تأت بسبب ما تتمتع به مليشياتهم من قوّة فحسب، بل بسبب ضعف خصومها، أيضًا"

هل تسقط العاصمة السياسية بعد سقوط العاصمة القبلية؟

يمكن وصف مدينة عمران بالعاصمة القبلية لليمن؛ إذ ينتمي لمحافظة عمران أكثر شيوخ القبائل تأثيراً في الدولة والسياسات العامة في اليمن، في العقود الخمسة الماضية، وفي مقدمهم آل الأحمر. وقد جاء نفوذ هؤلاء وغيرهم من شيوخ قبائل حاشد، على خلفية تأييدهم ثورة سبتمبر/أيلول 1962 التي أطاحت بنظام الإمامة، ودعمهم النظام الجمهوري، ومشاركتهم في حروب الدفاع عن الجمهورية. انطلاقًا من هذه الخلفية، يمكن فهم محاولة التجمع اليمني للإصلاح، وأنصاره، تصوير الحرب في عمران على أنّها حرب ضدّ الجمهورية، وأنّ جماعة الحوثي تسعى إلى إعادة النظام الإمامي لليمن، وأنّ حروبها في عمران، وفي غيرها من المناطق، إنّما تمثّل حروبًا مرحلية، في إطار مواجهةٍ شاملةٍ، يتمثّل هدفها النهائي باجتياح العاصمة صنعاء. والحقيقة أنّ لهذه الادّعاءات ما يبرّرها في تصرّفات جماعة الحوثي وخطاباتهم ووثائقهم؛ وفي مقدمها الوثيقة الفكرية والثقافية للزيدية التي نُشرت في فبراير/ شباط 2012، والتي تحدّثت عن نظرية الاصطفاء، وحصر حقّ إمامة الأمة في آل بيت الرسول (ص)، فضلًا عن بنية تنظيم "أنصار الله" التي يحتلّ فيها الهاشميون المواقع القيادية، بصورة لا تتلاءم مع نسبة تمثيلهم في المجتمع. على الرغم من ذلك، أنكر قادة "أنصار الله"، في مناسبات عديدة، أنّهم يسعون إلى إسقاط الدولة، أو النظام الجمهوري؛ إذ أكّد عبد الملك الحوثي أنّ حركة أنصار الله لا تسعى إلى أن تكون بديلًا عن الدولة، وأنّها بعد ما أسماه تطهير مدينة عمران، أبلغت الجهات الرسمية باستلام المحافظة والمباني والمنشآت ومزاولة عملها، ودعا السلطة المحلية في محافظة عمران إلى ممارسة أعمالها بصورة طبيعية.

بغضّ النظر عمّا إذا كان الحوثيون يرغبون في اجتياح صنعاء، واستبدال النظام الجمهوري بنظام إمامي، أو ملكيّ، فإنّ السؤال الأهمّ: هل يستطيعون ذلك؟ تجيب كلّ المؤشرات عن هذا السؤال بالنفي؛ فخلافًا لحربها في محافظة عمران التي كانت حربًا على القوّة والنفوذ السياسي والاجتماعي بين شيوخ القبائل والنخب الهاشمية، فإنّ محاولة إسقاط النظام الجمهوري واجتياح العاصمة صنعاء ستكون بمنزلة إعلان حرب شاملة، وستجد جماعة الحوثي نفسها تخوض حربًا ضدّ الدولة، بكلّ إمكاناتها العسكرية والمادية، والتي تتركّز معظمها حول العاصمة صنعاء وداخلها، مدعومةً، ليس فقط، بمن تصفهم جماعة الحوثي "بالتكفيريين والدواعش"، بل بمختلف القوى السياسية والاجتماعية التي كانت محايدة في الحروب السابقة كلّها، وسوف تفتقد جماعة الحوثي، إذا غامرت بخوض حربٍ كهذه، دعم كثيرين من رجال القبائل ومشايخها الذين دعموها في حروبها في عمران؛ فكثيرون من هؤلاء دعموها لأسباب سياسية، وأخرى تتعلق بالخصومات القبلية والثارات، لا إيمانًا بتوجهاتها المذهبية. وعليه، سوف يتراجع كثير منهم عن دعمها، إذا خاضت حربًا لإسقاط النظام الجمهوري، لا سيّما إذا كانت الدولة سخيّة في تقديم دعمٍ مالي لهم؛ فخريطة الولاءات القبلية في اليمن متحرّكة وسريعة التغيّر، وكثير من رجال القبائل يحارب مع من يدفع أكثر.

"ينتمي لمحافظة عمران أكثر شيوخ القبائل تأثيرًا في الدولة والسياسات العامة في اليمن في العقود الخمسة الماضية، وفي مقدمهم آل الأحمر"

خلاصة

بلغت جماعة الحوثي أوج قوّتها العسكرية، وحقّقت انتصاراتٍ كبيرة في حروبها في محافظات صعدة وعمران والجوف وحجة، ويمكن أن تحقّق انتصارات أخرى، في حروب أخرى في غير هذه المحافظات. لكنّها إذا غامرت بشنّ حربٍ واسعةٍ، تستهدف العاصمة صنعاء، بهدف الاستيلاء على السلطة بالقوّة وإسقاط النظام الجمهوري، واستبداله بنظام إمامي، أو ملكي، فستكون هذه الحرب أشبه بانتحار عسكري وسياسي؛ إذ ستفقد الحركة ما بنته من عوامل قوّة في السنوات العشر الماضية. لذلك، فإنّ السبيل الوحيد إلى الحفاظ على قوّتها هو التحوّل إلى جماعة سياسية، تستثمر انتصاراتها العسكرية السابقة في فرض وجودها في الساحة السياسية؛ وذلك بالمساهمة في إنجاح مقرّرات مؤتمر الحوار الوطني الذي يضمن لها استثمار مكاسب كثيرة، حقّقتها في أكثر من عقد من المواجهات، مع الدولة أو مع القبائل المنافسة.

Total time: 0.0411