رغم التنازلات التي عرضها النظام اليمني، وإعلان الرئيس عبد ربه منصور هادي إقالة الحكومة، وتخفيض أسعار مشتقات البترول استجابة لمطالب الحوثيين المعتصمين، صعدت جماعة الحوثي من اعتصامها في شوارع صنعاء، بعد إعلان قائدها عبد الملك الحوثي رفض مبادرة النظام والاستمرار في التصعيد.
المراقبون أكدوا أن اليمن في مأزق حقيقي قد يذهب بها إلى حروب أهلية، مؤكدين أن إيران هي اللاعب الرئيسي المحرك لاحتجاجات الحوثيين، بهدف طائفي تقوده في دول الربيع العربي.
وكانت قد أقرت الحكومة اليمنية، في اجتماعها الدوري، صباح اليوم الأربعاء، برئاسة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، البدء في خفض أسعار المشتقات النفطية من يوم غد الخميس، بحسب مصدر حكومي.
وقال المصدر، في تصريحات صحفية إن التسعيرة الجديدة لأسعار المشتقات ستكون بحسب ما تم طرحه في المبادرة الوطنية التي أعلنت أمس الثلاثاء في الاجتماع الموسع برئاسة الرئيس اليمني.
وكانت المبادرة الوطنية التي طرحت أمس الثلاثاء لحل الأزمة في اليمن، قد تضمنت خفض مبلغ 500 ريال يمني (2.3 دولار) في أسعار جالون البنزين والديزل (السولار)، عبوة 20 لتراً.
ورفعت الحكومة اليمنية، نهاية يوليو الماضي، أسعار البنزين بواقع 75%، والديزل (السولار) بواقع 90%، وذلك في إطار خطة حكومية لخفض دعم الطاقة.
استمرار التظاهر
وقطع متظاهرون حوثيون، اليوم، شوارع رئيسية في العاصمة اليمنية صنعاء، استمرارا لتنفيذ خطوات التصعيد الثالثة والأخيرة التي أعلنها زعيم جماعة أنصار الله (الحوثي)، عبد الملك الحوثي، قبل أيام للمطالبة بإسقاط الحكومة وإلغاء قرار رفع أسعار الوقود.
وقام متظاهرون حوثيون بقطع شوارع الزبيري والتحرير والسايلة وتونس وجسر الصداقة وتقاطع كنتاكي والطرق المؤدية إلى مقر الحكومة والبرلمان.
وردد المتظاهرون هتافات مطالبة بإسقاط الحكومة، وإلغاء قرار رفع أسعار الوقود، و انتشرت قوات أمنية بشكل كثيف، في عدد من شوارع صنعاء، تزامنا مع انطلاق تظاهرات الحوثيين.
وكانت قد دعت جماعة الحوثي، مساء أمس، إلى الاحتشاد اليوم لمواصلة ما أسمته خطوات المرحلة الثالثة والأخيرة من التصعيد الثوري.
وكان الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، طرح أمس الثلاثاء، مبادرة ﻹحتواء الأزمة اليمنية تتضمن إقالة الحكومة الحالية، وتسمية رئيس وزراء جديد لتشكيل حكومة "وحدة وطنية" خلال أسبوع، وتخفيض أسعار المشتقات النفطية، إضافة إلى رفع الجاهزية القتالية للجيش.
جاء ذلك في اجتماع موسع ترأسه الرئيس هادي مع مختلف القوى السياسية في البلاد، في القصر الجمهوري بصنعاء، كمبادرة أخيرة لحل الأزمة القائمة بين السلطات والحوثيين.
ودعا الرئيس اليمني، الحوثيين والحراك الجنوبي إلى المشاركة في الحكومة المقبلة.
وطالب جماعة الحوثي بسحب مسلحيها من محافظة عمران، شمالي البلاد، وتسليمها للسلطات، إلى جانب إيقاف المواجهات في محافظة الجوف(شمال)، ورفع مخيماتها من مداخل العاصمة ووسطها.
رفض حوثي
ورغم تضمن مبادرة هادي مطالب الحوثيين، أعلنت جماعة أنصار الله الحوثي، عدم قبولها للمبادرة التي تقدمت بها اللجنة الوطنية الرئاسية المكلفة بالتفاوض مع الجماعة.
وقال الناطق باسم الجماعة "محمد عبد السلام" على صفحته الرسمية على "فيسبوك" إن "ما صدر عن اللجنة موقف يمثلها، ولسنا موافقين عليه".
وأضاف "عبد السلام" أن المبادرة تأتي في إطار "المحاولات التي تسعى إلى الالتفاف على مطالب الشعب اليمني"، مشيرا إلى أن موقفهم "ما زال إلى جانب الشعب الذي خرج في ثورته ليطالب بحقوق مشروعة وعادلة"، بحد قوله.
وتستمر اضطرابات اليمن في ظل تصعيد الحوثيون لإحتجاجاتهم، التي انطلقت مطلع الشهر الماضي واستمرار وجودهم بأعداد كبيرة في العاصمة صنعاء، ودعا زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي أنصاره إلى التصعيد حتى العصيان المدني في إطار التحرك الذي أطلقه للمطالبة بإسقاط الحكومة.
وكان قد أعلن الحوثي في كلمة سابقة، البدء في «المرحلة الثالثة» من التحرك الاحتجاجي،داعيا أنصاره إلى التحرك في كل خطوة من خطوات المرحلة الثالثة والأخيرة لتصعيدنا الثوري التي لها خطوات متدرجة تصل إلى العصيان المدني.
ومن جانبه قال الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، إن أكثر من 70% من الذين وصفهم بالإرهابيين في صفوف تنظيم «القاعدة» باليمن، غير يمنيين، ينتمون لعدد من الدول العربية والإسلامية والأوروبية من بينها الشيشان وأفغانستان.
وكشفت مصادر يمنية مطلعة في تصريحات صحفية أن السلطات اليمنية قد تستخدم الجيش لفض اعتصامات الحوثيين، إذا حاولوا استخدام العنف.
وحذّر زعيم الحوثيين من أي اعتداء على أنصاره، مشيرا إلى أن جماعته اتخذت الاحتياطات اللازمة لحماية متظاهريها، دون أن يحدد طبيعة هذه الأساليب.
وأكد أن جماعته "لن تظل مستمرة في التصعيد بتسلسل زمني لا ينتهِ وإنما ستفاجأ من وصفهم بـ"الفاسدين"، بخطوات ستكون "مزعجة ومقلقة لهم".
كما أكد أنه في حال لم يتم الاستجابة لمطالبهم فإن جماعته ستلجأ إلى "خطوات تصعيدية سيعلن عنها عبر اللجان الميدانية".
دعم إيراني
وتحدث الرئيس اليمني إلى دور دولة إقليمية فيما يجري في اليمن، في تلميح إلى إيران، بحسب مراقبون، قائلا: هناك دولة إقليمية تريد إحداث الفوضى في صنعاء وإحراقها ربما مثلما يحدث في دمشق وبغداد، هناك أطراف لا تريد لصنعاء أن تخرج بسلام.
وتابع: سنعمل بكل الطرق السلمية بحيث نجنب اليمن الحرب الأهلية، مشيرا إلى أن هناك دعما كبيرا لليمن في مجلس الأمن الدولي.
ويتهم "هادي" إيران صراحة بأنها "تتدخل في شؤون اليمن بشكل كبير جدا، وأن هناك أربع قنوات تابعة لها تعمل ضد اليمن، وهناك مستشارون لعبد الملك الحوثي (زعيم الجماعة) من إيران.
وشنّ هادي، خلال لقائه هيئة الاصطفاف الوطني، قبل أسبوع، هجوماً حاداً على إيران، متهماً إياها بـ"دعم الحوثيين ومحاولة مقايضة صنعاء بدمشق".
ويرى مراقبون أن طهران ربما تسعى لتمكين الحوثيين في اليمن، كنوع من تعويض الخسارة التي مُنيت بها إيران في بعض حلفائها الإقليميين في العراق وسوريا، مؤكدين أن إيران باتت لاعباً رئيساً في دعم الحوثيين.
محاولات للتقسيم
وبدوره أكد الدكتور محمد حسين، الخبير السياسي، وأستاذ العلاقات الدولية، أن تصاعد الأزمة بين الحوثيين والحكومة اليمنية، يهدد مستقبل اليمن، وذلك في ظل التصعيدات الخطيرة التي تقودها جماعة الحوثي.
وعن مبادرة الرئيس اليمني لإحتواء الأزمة يضيف حسين، أن أزمة اليمن لها بعد طائفي خصوصا وأن جماعة الحوثي جماعة شيعية تسعي لتقسيم اليمن وتأسيس دولة شيعية مستقلة، مؤكدا أن رفض الجماعة الحوثية خير دليل أن من يحركها هي إيران وليست دوافع أخري كما تزعم.
وتابع: إيران تلعب بقوة في المنطقة العربية مستغلة التوترات التي صاحبت الثورات العربية، مؤكدا أنها تظهر بقوة في دعم الجماعة الحوثية، كما تدعم الشيعة في سوريا والعراق.
وعن التقسيم، يقول الخبير السياسي، إن إتجاه التقسيم مطروح بقوة خصوصا في ظل أزمة الحوثيين، ومطالب الحراك الجنوبي بالانفصال، مؤكدا أن الأزمة في تطور خطير، وأن التقسيم أصبح الأن السيناريو الأقرب.
وكان زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي أطلق في 14 أغسطس، تحركات احتجاجية تصاعدية لإسقاط الحكومة والتراجع عن رفع أسعار المحروقات، مانحا السلطات الحاكمة مهلة، قبل التصعيد.
وسيطر الحوثيون، الشهر الماضي، على محافظة عمران المجاورة للعاصمة صنعاء من حيث الشمال بالقوة المسلحة، وما زالوا يفرضون إرادتهم هناك بعد سيطرتهم الكاملة على محافظة صعدة ومحافظات أخرى في الشمال الغربي، وفي الوقت الحالي يتمركزون على أطراف العاصمة صنعاء من وضواحيها بقواتهم ، ويخوض الحوثيون معارك مع الحكومة اليمنية منذ عام 2004، عندما اندلع تمردهم في محافظة صعدة.
ونشأت جماعة الحوثي، التي تنتمي إلى المذهب الزيدي الشيعي، عام 1992 على يد حسين بدر الحوثي، الذي قتلته القوات الحكومية منتصف عام 2004؛ ليشهد اليمن 6 حروب (بين عامي 2004 و2010) بين الجماعة المتمركزة في صعدة (شمال)، وبين القوات الحكومية؛ خلفت آلاف القتلى والجرحى من الجانبين.