قالت مجموعة الازمات الدولية تقف المرحلة الانتقالية في اليمن على مفترق طرق هو الأخطر منذ عام 2011. يحشد الحوثيون، وهم حركة شيعية زيدية تُعرَف أيضاً بحركة "أنصار الله" الجماهير في العاصمة، وتنظّم المظاهرات التي تدعو إلى إسقاط الحكومة وإعادة إقرار الدعم على المحروقات الذي رُفِع في تموز/يوليو. الأكثر إثارة للقلق هو أن أنصارهم القبليون، الذين تربط العديد منهم صلات بالرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي أطيح به في انتفاضة عام 2011، يقيمون مخيمات احتجاجية في محيط المدينة، ما يشكل تهديداً ضمنياً بفرض حصار أو غزو عسكري. الوضع متوتر وثمة احتمال حقيقي باندلاع العنف. يتطلب تجاوز هذا المأزق العودة إلى المبادئ الأساسية التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر الحوار الوطني الذي اختُتم في كانون الثاني/يناير 2014، والمتمثلة برفض الإقصاء السياسي وتسوية الخلافات من خلال المفاوضات السلمية.
لأكثر من عام والحوثيون يقاتلون مختلف الخصوم في أقصى الشمال، ووسّعوا سيطرتهم على الأرض في الوقت الذي كانوا يناقشون فيه مستقبل البلاد في مؤتمر الحوار الوطني. الكثير من اليمنيين، بمن فيهم أعضاء المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح وأنصار الرئيس عبد ربه منصور هادي، هللوا بهدوء لمقاتلة الحوثيين ائتلافاً ضعيف التماسك يضم خصومهم المشتركين والذين يتمثلون في قبيلة آل الأحمر، والسلفيين، والأعضاء القبليين والعسكريين في الحزب الإسلامي السني، الإصلاح. لكن عندما استولى الحوثيين على مدينة عمران، التي تقع على بعد 50 ميلاً شمال صنعاء، واجتاحوا قاعدة عسكرية وقتلوا قائدها، تغيرت الديناميكيات السياسية. تنامت المخاوف الدولية والمحلية من أن الحوثيين ـ الذين أكسبتهم مساهماتهم الإيجابية في مؤتمر الحوار الوطني احترام الكثيرين ـ قد لا يكونون ملتزمين بالتغيير السياسي أو المنافسة السياسية، كما اتهمهم منتقدوهم منذ فترة طويلة من الزمن.
تصاعدت حدة النقاش حول النوايا الحقيقية للحوثيين في أواخر تموز/يوليو بعد أن قامت حكومة الوفاق، الموزّعة مناصفة بين المؤتمر الشعبي العام وكتلة المعارضة السابقة التي تضم حزب الإصلاح، برفع الدعم عن المحروقات. عندما لاحت بوادر الإفلاس في الأفق، لم يكن لدى الدولة العديد من الخيارات، إلاّ أن الطريقة التي نُفّذت بها العملية - أي أنها نفذت بشكل مفاجئ ودون قيام حملة توعية عامة وفي غياب استراتيجية إصلاح اقتصادي شفافة وأكثر شمولية - كانت كارثية من الناحية السياسية. سارع الحوثيون إلى استغلال ذلك، وحشدوا اليمنيين من مختلف أجزاء الطيف السياسي. دعت الاحتجاجات إلى إعادة إقرار الدعم، وتغيير الحكومة وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، بما في ذلك مكافحة الفساد وإشراك مجموعات وأحزاب أخرى في الحكومة.
تلقى المطالب الحوثية صدىً واسعاً، وإذا تمت معالجتها من خلال التسوية فإنها يمكن أن تعزّز الدعم الشعبي للمرحلة الانتقالية المترنحة في البلاد. ويمثل هذا فرصة لبناء توافق يوضح ترتيبات تقاسم السلطة في أعقاب مؤتمر الحوار الوطني والإطار الزمني لتنفيذ مخرجات المؤتمر. كما كانت مجموعة الأزمات قد حذرت في حزيران/يونيو 2014، فإن غياب مثل هذا الاتفاق يشكل تهديداً للعملية الانتقالية وقد كان أصلاً محركاً أساسياً للنزاع. إلاّ أن استمرار حشودهم حول العاصمة أمر خطير وسيُحدِث آثاراً عكسية ويهدد باندلاع العنف إذا رفضت الحكومة مطالبهم.
في حين أن طموحات الحوثيين غير واضحة ودائمة التغيّر، فإن الاحتجاجات تشكّل جزءاً من عملية مساومة تأمل الحركة من خلالها بأن تفرض سيطرتها على الشمال وتصبح أكثر قوة على المستوى الوطني. حتى مع تقديم قادتهم لمطالب للحكومة المركزية في صنعاء، فإن ميليشياتهم تقاتل رجال القبائل المرتبطين بحزب الإصلاح والوحدات العسكرية في محافظة الجوف فيما يُنظر إليه على نطاق واسع بأنه محاولة لخلق وقائع على الأرض لإجبار الأطراف على إعادة التفاوض بشأن الهيكلية الفيدرالية التي اقترحها مؤتمر الحوار الوطني والمكوّنة من ستة أقاليم.
وضعت الاحتجاجات الرئيس هادي في موقف صعب. في البداية وفّرت له فرصة للدفع نحو إجراء تغييرات في حكومته غير الفعّالة وتعزيز موقعه في مواجهة صالح ومراكز القوى التابعة لحزب الإصلاح. لكن عندما تردد وأخفقت جهود المفاوضات الأوّلية، لجأ الطرفان إلى التصعيد. أقام الحوثيون مخيمات أمام وزارات الحكومة وحول صنعاء، في حين دعم الرئيس "تحالفاً وطنياً" لتنظيم مسيرات مقابِلة.
في 2 أيلول/سبتمبر، أعلن هادي عن تسوية عالجت جزئياً مطالب الحوثيين. اقترحت، بين أشياء أخرى، تشكيل حكومة أكثر تمثيلاً وتخفيض أسعار المحروقات بحوالي 30%، وهو ما تم تنفيذه في اليوم التالي. كانت المبادرة أبعد ما تكون عن الكمال، حيث قُدّمت إلى الحوثيين بوصفها أمراً واقعاً ومنحت الرئيس سلطات استثنائية لتعيين رئيس الوزراء وكذلك وزراء الدفاع، والداخلية، والمالية والخارجية، دون مدخلات تذكر أو إشراف من قبل الأطراف الأخرى. وقّع أعضاء المؤتمر الشعبي العام والإصلاح على المبادرة، إلاّ أن بعض أعضاء الحزب عبّروا عن تحفظاتهم. رفض ممثلو الحوثيين العرض، واعتبروا تخفيض أسعار المحروقات غير كافٍ، وطالبوا بإصلاحات اقتصادية أوسع وانتقدوا الطريقة المقترحة لتشكيل الحكومة. صعّدت الحركة من أنشطتها الاحتجاجية في العاصمة، حيث بدت مقتنعة بأن التصعيد يمكن أن يحقق المزيد. في 7 أيلول/سبتمبر، وفي مؤشر خطير على ما قد يحدث، جرحت القوات الحكومية العشرات وقتلت شخصين على الأقل في محاولتها منع المحتجين من إقامة الخيام وإغلاق طريق رئيسي يؤدي إلى مطار صنعاء.
يمكن لمبادرة الرئيس، مع بعض التعديلات، أن تشكّل أساساً لتسوية شاملة. أما البديل فهو صراع لا يقل خطورة عن ذاك الذي نشأ عام 2011، عندما تَواجَه جناحان في الجيش، أحدهما يدعم صالح والثاني يدعم الانتفاضة، في العاصمة. الوضع اليوم أكثر خطورة، حيث المشهد السياسي المحلي شديد الانقسام ومتعدد الأقطاب. لا تستطيع أي من القوى السياسية الرئيسية ـ الحوثيون، أو المؤتمر الشعبي العام بقيادة صالح، أو الإصلاح أو هادي ـ السيطرة على العاصمة بمفردها، كما أن من غير الواضح أنها ستكون قادرة على ضبط أنصارها إذا ما اندلع القتال. علاوة على ذلك، فإن من شبه المؤكد أن اشتعال الأوضاع في العاصمة سيؤدي إلى محاولة فوضوية لتحقيق الاستقلال في الجنوب الحافل بالصراعات السياسية الداخلية وبأنشطة القاعدة. كما أن المشهد الإقليمي تغيّر أيضاً مع حدوث استقطاب طائفي. إن التفكك الداخلي يمكن أن يجرّ اليمن بشكل أعمق نحو الانقسام.
إن استمرار جهود الوساطة التي يقوم بها المبعوث الخاص للأمم المتحدة، جمال بن عمر، ضرورية للتوصل إلى تسوية، إلاّ أن المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق اليمنيين الذين ينبغي أن يعملوا بوحي من مصلحتهم الوطنية. لقد تم أصلاً الاتفاق على العديد من المبادئ المتمثلة في قيام حكومة أكثر تمثيلاً تضم وزراء يكون للحوثيين دور في ترشيحهم، وتوضيح صلاحيات الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وتحديد الجدول الزمني لتنفيذ مخرجات المؤتمر، وغير ذلك. يشكّل التوصل إلى تسوية حول الدعم والضمانات بإجراء إصلاحات اقتصادية أوسع النقاط العالقة المباشرة. الآن هو الوقت المناسب للتوصل إلى اتفاق حول هذه القضية بحيث يمكن للتراجع عن التصعيد والشروع في مفاوضات حول تفاصيل تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني أن تبدأ. ما لم يحدث ذلك فإن التوتر المتزايد يمكن أن يقوّض التقدّم الذي تم تحقيقه حتى الآن في المفاوضات بل يمكن أن يعطّل التسوية السياسية الناشئة التي تم التوصل إليها من خلال مؤتمر الحوار الوطني.
على الرئيس هادي، من جهته، أن يوحّد جهود المفاوضات، التي تضمّنت حتى الآن عدداً أكبر مما ينبغي من الوسطاء وأقل مما ينبغي من صُنّاع القرار. كما ينبغي على الرئيس هادي أن يتخذ إجراءات إضافية لضمان ألاّ تقوم الأجهزة الأمنية للدولة بعمليات استفزازية تعقّد الوضع المتقلب أصلاً. كما ينبغي على الحوثيين أن يقوموا بدورهم أيضاً. لطالما اتهمهم منتقدوهم بأن لهم نوايا خطيرة تتراوح بين إقامة دولة يحكمها رجال الدين على الطريقة الإيرانية وإقامة دولة داخل دولة على طريقة حزب الله. عليهم الآن أن يثبتوا العكس وأن ينخرطوا بشكل بنّاء في جهود الرئيس، حيث يمكنهم أن يختلفوا معها ويقترحوا تعديلات واضحة والقبول في المحصلة بحلّ لا يحقق جميع مطالبهم. أما البديل فهو صراع لا يكسب فيه أي طرف ويكون فيه اليمن الخاسر الأكبر.