المبادرة الخليجية التي قدمتها وتبنتها دول مجلس التعاون الخليجي الهدف منها هو اخراج اليمن الى بر الامان والحفاظ عليه من الانزلاق نحو الفوضى والحرب الاهلية ، المبادرة كانت افضل الحلول الآمنة التي قدمت عام 2011 ، وهي نابعة من حرص دول الخليج وخاصة الجارة الشقيقة السعودية على امن اليمن وحفاظا على امنها القومي من تداعيات اي انفلات امني في اليمن ، المبادرة جاءت بعد ادراك دول الخليج مؤشرات الانزلاق نتيجة عزم الرئيس السابق على مواجهة الثورة الشبابية التي اندلعت في وجهه بقوة السلاح، بعد ان وصلت الاوضاع الى حالة الاختناق الكامل ، واستخدام السلاح في اليمن لن يحقق اي نتيجة بسبب تركيبة المجتمع وتداخل مكوناته السياسية مع القبيلة ومع مؤسسة الجيش والامن وباقي مؤسسات الدولة .
المبادرة جاءت كحل وسط بين قوى الثورة والسلطة وكان التوافق على السير باليمن لتحقيق تطلعات شعبه بإعتماد فترة انتقالية مدتها عامين فقط وتم التوافق على تولي عبدربه منصور هادي رئيسا للفترة الانتقالية لمدة عامين يتم خلالها تهيئة البنية التحتية للانتقال باليمن نحو المستقبل من خلال قيام الرئيس هادي ورئيس حكومة الوفاق الوطني محمد سالم باسندوة اللذان كلفا بموجب المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية " المزمنة " لعامين بأن يكونا هما المرجعية لحل اي تعقيدات تعترض مسار تنفيذ بنود المبادرة التي يشرف عليها مبعوث الامين العام للامم المتحدة جمال بن عمر الذي وافقت عليه دول الخليج ( صاحبة المبادرة) ان يتولى الاشراف على تنفيذها بدعم الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الامن الدولي ، وقد تضمنت المبادرة على مراحل ومتطلبات الاتتقال وفق برمجة زمنية واضحة .
انتخاب الرئيس الانتقالي وتشكيل حكومة وفاق وطني مناصفة بين قوى الثورة وقوى النظام السابق وهيكلة القوات المسلحة والامن على اسس وطنية والاعداد لمؤتمر وطني عام للحوار واعداد دستور جديد وتطبيق العدالة الانتقالية ، هي اهم المضامين التي نصت عليها المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية " المزمنة " لعامين .
ممالأة الرعاة ادت الى الانحراف الذي انتج سياسة تدمير الدولة والاتجاه للفوضى الشاملة :
ليس خافيا على دول مجلس التعاون الخليجي بمستوى الانحراف الذي طال المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية واول بوادر الانحراف كان اقدام الرئيس الانتقالي على تجزأة بنود فرعية من بنود الالية التنفيذية وتمثلت بالانتخابات الرئاسية وتشكيل حكومة الوفاق التي تعرضت لسياسة التهميش المتعمد من قبل الرئيس الانتقالي الذي لم الغى دورها تماما بعملية الانتقال السليم وتطبيق بنود المبادرة واليتها بل سعى الرئيس الانتقالي الى وضع العراقيل امامها وسحب صلاحية رئيسها ( شريك هادي بالمرجعية) وسحب اختصاصها بشئون الدفاع والامن وكثير من الاختصاصات ، حتى وصلت الامور بين الرئاسة والحكومة الى القطيعة عمليا .
ثاني اختراق قام به الرئيس الانتقالي هادي هو الاقدام على البدء بعملية هيكلة الجيش وهي عملية اساسية للانتقال السياسي من خلال اعادة ترتيب وتشكيل وحدات القوات المسلحة بمختلف تخصصاتها القتالية من اجل انهاء السيطرة العائلية والسياسية للقوى المحلية على المؤسسة العسكرية ، وقام الرئيس الانتقالي هادي بإعادة انتاج وتدوير الشكل القديم المسيطر على الجيش اليمني الذي كان يخضع لسيطرة الرئيس السابق واولاده وافراد عائلته والمقربين منه وكانت قيادة الجيش خاصية محصورة بمنطقة الرئيس السابق " سنحان " ، فتم استبعاد سيطرة " سنحان " واستبدالها بمنطقة الرئيس الانتقالي هادي " دثينة ابين " بالتزامن مع اقدامه على خطوة اكثر خطورة على المؤسسة الدفاعية وهي تفكيك المنظومة الدفاعية الحيوية داخل مؤسسة الجيش وتمزيقها دون ادراك المخاطر المترتبة على تلك الخطوة المتمثلة بتفكيك قوات الحرس الجمهوري بقيادة نجل الرئيس السابق احمد علي صالح وقوات الفرقة الاولى مدرع بقيادة الجنرال النافذ والقوي علي محسن الاحمر الذي اعلن تأييده لثورة الشباب عقب مجزرة مايسمى اعلاميا بجمعة الكرامة ، واعلان اللواء الاحمر تأييده للثورة على نظام الرئيس السابق كان بمثابة اعلان وفاة نظام علي صالح وكان بالفعل كذلك، ونتيجة تأييد اللواء الاحمر لثورة الشباب تساقطت قيادات الجيش والامن وقيادات القبيلة والسلك المدني والاداري ورجال السلك الدبلوماسي والقطاعات المكونة للمجتمع ، انهارت سلطة الرئيس السابق ولم يبقى تحت سيطرته سوى جيوب محددة داخل وحدات الحرس الجمهوري والاجهزة الامنية حتى انه لم يعتمد عليها بالقيام بمهمة مواجهة الثورة وحول اعتماده بإتجاه انشاء مليشيات قبلية واستئجار عناصرها بعد استقدامهم من الارياف مقابل دفع اجرة يومية وتسليح تلك العناصر والزج بمهم الى مناطق المواجهات ، وهذا لايعني انكار مكانة وقوة قوات الحرس الجمهوري .
الهيكلة التي انتجها الرئيس الانتقالي هادي كانت عبارة عن عملية هدم ممنهجة للمؤسسة الدفاعية واقتصار الهيكلة على ابعاد القائد فلان المحسوب على منطقة الرئيس السابق ( سواء كان موالي للرئيس السابق او الجنرال علي محسن) واستبداله بالقائد فلان المحسوب على منطقة الرئيس الانتقالي وكثير من التعيينات العسكرية كانت لاقارب الرئيس الانتقالي وهذا مثل صدمة قوية داخل قطاعات الجيش وانعكست هذه الصدمة على الاداء والولاء العسكري ولم تضيف هذه الهيكلة اي تحسين ولم تمس عمليات الفساد المنتشرة داخل مؤسسة الجيش ، بل ان هذه الهيكلة جاءت بقيادات تمتهن ممارسة الفساد وتاريخها ملطخ بنهب المال العام وغير مؤهلة على تحمل المسئولية وكل مؤهلاتها التي اوصلتها للمناصب القيادية بالجيش هو قرابتها المناطقية من الرئيس الانتقالي التي تعتبر اهم مقياس للاختيار .
المرحلة الاولى - وهي الاهم - من عملية هيكلة المؤسسة الدفاعية على اسس وطنية تمت بدون اي اسس وطنية وافتقدت لمعايير الكفاءة والتأهيل والخبرة والولاء للوطن ، وكانت عبارة عن عملية تفصيل بمقاسات خاصة بالرئيس الانتقالي وتمت بدعم من رعاة المبادرة والمبعوث الاممي والناتجة عن قدرة الرئيس الانتقالي هادي بزرع بعض المخاوف لديهم وكلها مخاوف غير حقيقية وغير واقعية وكان هدف الانتقالي هادي هو استبعاد نفوذ علي صالح واللواء الاحمر ، ونجح هادي بإقناع سفراء الخمس الخليجية والخمس دائمة العضوية وفقا لهواجس الخوف التي تسيطر على سياسات بلدانهم .
الانحراف الاخر بتطبيق المبارة الخليجية كان فيما يتعلق بمؤتمر الحوار الذي نجح الرئيس الانتقالي بتحويله الى اداة يشرعن له مايريد ، وكان كذلك ، وتم ذلك بعد نجاح استمالة الولايات المتحدة الامريكية للرئيس الانتقالي الى صالحها واستمالة المبعوث الاممي واستغلالهم جميعا للتوجهات الطارئة على سياسة دول الخليج وتبنيها سياسة مكافحة ماسمي بالاخونة التي حولها هادي الى "حصالة " تمنحه خيرات الخليج سياسيا وماديا ونجح بالقضاء على الفترة الانتقالية التي حددتها المبادرة الخليجية بعامين واستبدالها بفترة مفتوحة وغير محددة ومن يتحكم بفترة تحديد فترته الرئاسية هي القضاء على المخاوف والانجازات ، وهذا مثل مدخلا خطيرا نسف روح المبادرة ونصوصها والياتها وتجميدها كمرحلة نهائية .
نجح الرئيس الانتقالي طويل المدى بإنتاج عدد من المخاوف العملية على ارض الميدان ونجح بعرقلة الانجازات المجدولة في برنامج الانتقال السياسي ونجح بتغيير المرجعية المحلية والاقليمية وتغيير كل ملامح الانتقال ونجح بالقضاء على الدولة ومؤسساتها ونجح بتدمير الثوابت التي سعت دول الخليج الحفاظ عليها وتعامل مع الكل بضرب الكل ضد الكل ..
امن واستقرار اليمن والخليج في خطر نجاح السيطرة الايرانية على اليمن والخليج :
استغل الرئيس الانتقالي طويل المدى طبيعة الصراع بين القوى المحلية واستغل التوجه الخليجي بالحرب على الاخوان ونجح بمد القوة الجديدة على الساحة اليمنية والمتمثلة بجماعة الحوثي الشيعية المسلحة الموالية لايران ، واستغل الانتقالي تحالف الرئيس السابق معها لضرب خصومة عسكريا والفتك بهم من خلال وجود نفوذ الرئيس السابق بمحيط الرئيس الانتقالي الذي سهل له عملية " فرمتة " هادي والعمل لصالح سياسة الرئيس السابق بالانتقام من خصومه ، وكان اهم قرار يقدمه هادي للرئيس السابق هو تجميد وظيفة الجيش من التدخل بالصراع الذي اختيرت لمهمته جماعة الحوثي تحت غطاء حربها على الجماعات التكفيرية ، والجماعات التكفيرية هنا هي قوى الثورة على نظام الرئيس السابق بمختلف مكوناتها السياسية (حزب الاصلاح الاسلامي والسلفيين) والعسكرية (انصار الثورة بقيادة اللواء علي محسن الاحمر) والقبلية (بقيادة اولاد الشيخ الاحمر) وحلفاء هذه المكونات ، وهذه القوى هي التي ينظر لها هادي كعقبة تقف امام تطلعاته على تمرير السياسات التي يريدها وهي سياسات اثبتت انها تدميرية وانتقامية وكارثية .
انتصرت جماعة الحوثي الشيعية على خصوم علي صالح وخصوم الرئيس الانتقالي اخيرا وبالمناسبة هذه المكونات كلها تمثل خط الدفاع الاول امام التوسع الايراني والمحسوبين على المملكة السعودية
لحماية اليمن والمنطقة من السيطرة الايرانية :
يجب على دول الخليج وخاصة السعودية رفع حالة الطوارئ لمواجهة التمدد الايراني على جغرافية هامة للمنطقة وان وصول جماعة الحوثي الايرانية المسلحة الى ابواب صنعاء وسيطرتها على احياء تابعة لها يلزم دول المجلس وخاصة السعودية بتبني خطة مواجهة تهدف لوقف الفشل لدى قيادة اليمن الحالية واعتبارها اكبر عامل ساهم بالتوسع الايراني وعدم استبعاد فرضية وجود مؤامرة دولية تدبر ضد دول الخليج .
يجب على دول الخليج ان تستوعب فشل ادارة الرئيس هادي واستمراره يمثل خطر على اليمن والمنطقة وخاصة السعودية .
هادي يصرف شئون الحكم باليمن بإعتماده على نزعات مناطقية وجهوية وحسابات لها علاقة بالماضي ونتيجة لغياب الرؤية لقيادة البلاد وفقا للمناخ السياسي والاجتماعي القائم دفعه للاعتماد على عناصر لاتستطيع ان ترى اكثر من قدميها وجعل منه فريسة سهلة لبعض القوى الدولية .
الالتزام بالمبادرة الخليجية كمرجعية للمرحلة الانتقالية وان استبدالها بمبادرات اخرى يمثل انقلاب عملي على المبادرة .
السير باليمن نحو الانتخابات المبكرة لضمان وجود مؤسسة رئاسية قوية وقادرة على حماية اليمن وسيادتها واصلاح الانحرافات التي انتجتها المؤسسة الرئاسية الحالية ..
دمج اليمن سياسيا ضمن مجلس التعاون الخليجي يعتبر احد اهم الضمانات العملية لحماية الامن القومي الخليجي واي خطر يهدد امن اليمن سيكون له اثاره السلبية على دول الخليج .
وقوف دول مجلس التعاون الخليجي بجدية ومسئولية امام الاسباب التي ادت الى اتساع دائرة التشيع الايراني داخل المجتمع اليمني ، والوقوف امام الاسباب والعوامل التي تدفع باليمنيين الى تقبل الدور الايراني ومعالجة هذه الاسباب والعوامل وفي مقدمتها ، العامل الاقتصادي والمتمثل بمستوى تدهور الاوضاع المعيشية وارتفاع نسبة الفقر والبطالة ، ولا يجب تجاهل دور السياسة الخليجية بتهميش اليمن وتركه يعيش تحت عدد من المعاناة التي ادت الى تشضي القوى الاجتماعية ، ومعاملة اليمن وفقا لموقف قيادته السياسية عام 90 الذي انحاز لصالح النظام العراقي ويجب الاعتراف ان سياسات دول الخليج تجاه اليمن عزز الوجود الايراني كبديل للوجود الخليجي .
القيود المفروضة على العمالة اليمنية و حصارها من العمل في دول مجلس التعاون ساهمت بمضاعفة مستويات الفقر والبطالة وللحد من التوسع الايراني في اليمن يجب اعتماد نسبة محددة من عدد العمالة الاجنبية لليمن .
ويجب على دول الخليج تبني رفع مستوى الخدمات العامة وتأهيل البنية التحتية واعتماد مشاريع تسهم بتصفير البطالة من خلال ضخ مشروعات استثمارية كبيرة في مختلف المجالات .
ومن الضروري تبني دول المجلس استراتيجية ثقافية وفكرية وعلمية وتربوية من اجل تحصين المجتمع من الاختراق الفكري الايراني .
ان بقاء عبدربه منصور هادي رئيسا لليمن وهو بهذا المستوى من الفشل وغياب الرؤية وانتشار المحسوبية يمثل خطرا على امن اليمن وامن المنطقة ، هادي يضلل اليمنيين ودول الاقليم والمجتمع الدولي من خلال تشخيصات غير مقنعة ويحاول تثبيتها كواقع من اجل التخلص من الشركاء السياسيين للاستحواذ على مفاصل الدولة والانفراد بحكم اليمن لتلبية الطموح الفردي التسلطي الذي يسيطر عليه ، ولاجل هذا يقدم خدمات لجماعة الحوثي ويدفعها بالتخلص من هؤلاء الشركاء بدلا من التخلص منهم عن طريق عمليات تتعلق بوجوده كرئيس ، ولضمان امن اليمن والمنطقة يجب تفعيل المبادرة الخليجية واعلان موعد للانتخابات الرئاسية بشكل مستعجل قبل ان يتحول اليمن الى بؤرة قلق لايمكن السيطرة عليها فيما بعد .